د.مسعود ناجي إدريس ||
سورة العصر
( ۱-۳ ) {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}
v الملاحظات:
في صدر الإسلام، كان المسلمون يتلوون هذه السورة عند الوداع والفراق. [تفاسير نمونة ودر المنثور]
في القرآن، أقسم الله تعالى في كل زمان. الفجر: « والفجر » [ الفجر، ۱]
الصبح: « والصبح » [آلتکدور، ۱۸]
النهار: « والنهار » [ الليل، ۲ ]
الليل: « والليل » [ الليل، ١ ]
الضحى: « والضحى » [الضحى، ١ ]
السحر: « والليل إذ أدبر» [المدثر، ۳۳ ] العصر: « والعصر »
ورد في حديث عن الإمام الصادق (ع) أن معنى العصر هو ظهور الإمام المهدي (ع). [تفسير نور الثقلين].
أشار البعض إلى العصر على أنه عصر ظهور الإسلام. لقد أخذ البعض العصر بالمعنى اللغو، أي الضغط، لأن الضغوط تسبب الإهمال والجهد في المبادرة البشرية. أخذ البعض معنى العصر على أنه عصارة الوجود، أي الإنسان الكامل، واعتبره البعض وقت صلاة العصر. [تفسير نمونة].
الخسائر التي تلحق بالممتلكات قابلة للتعويض، لكن الخسائر التي تلحق بالإنسان لا يمكن تعويضها.{قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر:15] قد يكون الوصول إلى حسن العاقبة في الآخرة عواقب مريرة يجب مواجهتها بالصبر والاستقامة.
وقد يكون تواصي الآخرين بالحق له عواقب مريرة يجب مواجهتها بالصبر والاستقامة أيضًا. «وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ»
يقول فخر الرازي: الإنسان مثل بائع المثلجات في الدنيا يذوب رأس ماله في أي لحظة ، وعليه بيعه بأسرع ما يمكن ، وإلا فقد خسر المال. [تفسیر کبیر ]
على الرغم من أن الأمر بالمعروف والصبر من الأعمال الصالحة ، فقد تم التعبير عن أهميته بشكل منفصل. مثلما الصبر والاستقامة حق و «وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ» ولكن الآية تأتي منفصلة لأهمية الصبر. «وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ».
وفي الآيات الأخرى اعتبر القرآن النعمة الإلهية والرحمة عاملاً في تجنب الخسارة ويقول: «فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ» [البقرة ٦٤ ].
لذلك فإن الإيمان والعمل الصالح وطاعة الحق تتحقق في ظل النعمة الإلهية والرحمة، والإنسان دون نعمة الله لا يهتدي إلى الإيمان ولا يصبح شخص صالح.
v سوق الدنيا
نظرة مختصرة على آيات القرآن تقودنا إلى النقطة الأساسية وهي أن العالم سوق وأن كل الناس يعرضون حياتهم وقوتهم وموهبتهم فيه، كما أن بيع البضائع في هذا السوق أمر إلزامي. يقول الإمام علي (ع): (نفس المرء خطاه إلى أجله ) [نهج البلاغة، حکمة ٧٤]
لذلك يفقد الإنسان بالضرورة رأس مال الحياة في كل لحظة ولا يمكننا منع حياتنا وقوتنا من الزوال. سواء أحببنا ذلك أم لا، فإننا نفقد قوتنا ووقتنا. لذلك، في هذا السوق، المهم هو اختيار العميل. يتعامل الناس مع الله ويضعون كل ما لديهم وفقًا لإخلاصهم ويسيرون في طريقه ويعملون فقط من أجل رضوان الله، ويعيش هؤلاء الناس حياة ينتظرون الموت فيها ويتبادلون الدنيا بالآخرة واللذة الإلهية. هؤلاء هم الرابحون الحقيقيون، لأن المشتري أولاً وقبل كل شيء هو الله الذي خلق الكون كله.
ثانيا: يشتري الأشياء الصغيرة. «فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَيْرًا يَرَهُ » [الزلزلة، ۷]
ثالثًا: يشتري شيء غالي الثمن وثمنه جنة أبدية. « خَالِدِينَ فِيهَا » [ آل عمران، ١٥]
رابعًا: إذا سعينا إلى فعل الخير والشر وفشلنا، فلا يزال هناك من يكافئنا. «لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ». [النجم، ٣٩].
خامسا: يعطي الأجر المضاعف. «أَضْعَافًا مُضَاعَفَة» [ آل عمران، ۱۳۰ ].
لكن أولئك الذين يبيعون حياتهم في هذا السوق لشهواتهم الخاصة أو لرغبات الآخرين ولا يفكرون في رضوان الله، قد تكبدوا خسارة فادحة، لها مثل هذه التعبيرات في القرآن:
« بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ» [البقرة، ۹۰]
تجارتهم لا تربح. « فَمَا رَبِحَت تِجَارَتهمْ» [البقرة، ١٦ ]
خاسرين. «خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ» [البقرة، ١٦ ]
خسائرهم واضحة. « خُسْرَانًا مُبَيِّنًا » [النساء، ١١٩]
في نظر هذه الفئة، الإنسان الذكي هو الذي يستطيع أن يخلق لنفسه حياة مزدهرة بأي فعل أو كلمة أو طريقة، سواء كان صوابًا أم خطأ، ويكتسب الشهرة والجاه أو المكانة والميدالية في المجتمع، وبخلاف ذلك يسمى ضائع ومتخلف وبائس. لكن في الثقافة الإسلامية، الإنسان الفطن هو الذي يعتمد على نفسه ولا يتخلى عنها، ويعمل من أجل الآخرة، ويصبح كل يوم أفضل من الأمس. لا يغفل عن الموت ويذهب إلى التقوى والقناعة والعدالة بدلاً من الهدر والطمع والظلم. قال الإمام الهادي عليه السلام: « الدنيا سوق ربح قوم وخسر آخرون » [تحف العقول، كلمات الإمام الهادی].
v الرسائل:
١- إن حقبة التاريخ البشري ذات قيمة وقد أقسم بها الله. دعونا نأخذ العبر بعد الدروس. «وَالْعَصْرِ»
۲- الإنسان خاسر من كل الجوانب . «لَفِي خُسْرٍ».
٣- الإنسان المطلق الذي ليس في دائرة تربية الأنبياء خاسر. «إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ»
٤- الطريقة الوحيدة لمنع الخسارة هي الإيمان والعمل.« إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ»
٥- لا يكفي أن تفكر بنفسك. يفكر المؤمن في نمو وتميز الآخرين.« وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ »
٦- تواصي بالصبر ضروري مثل التواصي بالحق .« بِالْحَقِّ ... بِالصَّبْرِ »
۷- الإيمان له الأسبقية على الفعل ، كما أن البناء الذاتي له الأسبقية على بناء المجتمع.« آمَنُوا وَعَمِلُوا ... وَتَوَاصَوْا»
٨- دون إيمان وعمل واستقامة وأمر الآخرين بالحق والصبر ، فإن الخسارة البشرية ستكون هائلة. « لَفِي خُسْرٍ » ( نكرة و« خُسْرٍ » تنوینه علامة على عظمة الخسارة. )
٩ - إقامة الحق تتطلب الاستقامة «وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ»
۱۰- يتم إصلاح المجتمع عندما يشارك الجميع في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . كلاهما يعطي النصيحة ويقبل النصيحة. «وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ» ( کلمة « تواصوا » للطرفين )
۱۱- النجاة من الخسارة هي محاولة الإنسان القيام بجميع الأعمال الصالحة حتى لو لم يفعلها. «وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ » ( کلمة « الصالحات » جاءت بصيغة الجمع )
۱۲- يجب أن يكون الإيمان شاملاً وليس متحيزًا. الإيمان بكل مكونات الدين وليس بعضها فقط. «إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا » ( الإيمان المطلق يشمل كل المقدسات. )...
ــــــــــــ
https://telegram.me/buratha