د.مسعود ناجي إدريس ||
سورة الانبیاء ، الآیات ۸۳ إلى ۸۸
( ۸۳ و ٨٤ ) { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ}
الملاحظات:
النبي أيوب -عليه السلام- هو نبي تشرفت بتلقي صفة الصبر في القرآن الكريم « إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِعَم الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّاب » [ص، ٤٤] .
ورغم أن النبي أيوب كان يعاني من مشاكل وأمراض خطيرة جِدًّا، خلافًا لما ورد في بعض الكتب، إلا أن هذه الأمور لم تكن مكروهة من قبل الناس، لأنه في هذه الحالة، بالإضافة إلى كونها مخالفة لقاعدة البركة، وأنها أيضًا لا تطابق الكثير من الروايات والأحداث كما لا تطابق التفسيرات، بما في ذلك تفسيرات الميزان، وفخر الرازي، وأطيب البيان، وأبو الفتوح، ونمونه. سئل الإمام الصادق (ع) عن « ومثلهم معهم » كيف تم أعطاها لأيوب عليه السلام؟ قال الإمام: أعاد الله له أولاده الذين ماتوا ومعهم من هلك. [الکأفي، ج ۸، ص ٢٥٣]
الرسائل:
١- إن تذكر ومراجعة تاريخ حياة كبار العظماء هو أفضل وسيلة للإغاثة والصبر والهداية والتوجيه. « وَأَيُّوب إِذْ نَادَىٰ رَبّه »
۲- كان الأنبياء، مثل غيرهم من الناس العاديين، يعانون من الآلام والأمراض في الحياة المادية. « أَنِّي مَسَّنِي اَلضُّرّ وَأَنتَ أَرْحَمُ اَلرَّاحِمِينَ »
٣- على الرغم من أن المشاكل تبدو ضارة في المظهر، إلا أن الباطن في كثير من الحالات هو سر نعمة ورحمة إلهية. « أَنِّي مَسَّنِي اَلضُّرّ وَأَنتَ أَرْحَمُ اَلرَّاحِمِينَ »
٤- لا يكون للمصائب والبلاء دائمًا جانب عقابي، ولكن في بعض الأحيان يكون من أجل منح مكانة للإنسان وله جانب اختباري. « أَنِّي مَسَّنِي اَلضُّرّ وَأَنتَ أَرْحَمُ اَلرَّاحِمِينَ » ( بالنظر إلى أن الأنبياء معصومون من المعصية، فإن المصائب ليست بسبب الخطيئة ).
٥- الأنبياء قدوة في الأدب، « أَنِّي مَسَّنِي اَلضُّرّ وَأَنتَ أَرْحَمُ اَلرَّاحِمِينَ » لم يقل النبي أيوب عليه السلام: يا رب! ارفع عني الأذى، لكن قام بالدعاء بطريقة تعني أن الله يعرف كل شيء.
٦- في مقام الدعاء يجب أن ندعو الله بطريقة التي تناسب احتياجاتنا« وَأَنتَ أَرْحَمُ اَلرَّاحِمِينَ»
۷- يستجاب الله دعاء الأنبياء. « فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرّ »
۸- النعمة الإلهية هي أكثر من طلب الإنسان ودعائه. « فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ. . . » ( أيوب -عليه السلام- طلب من الله أن يكشف الضر، ولكن بالإضافة إلى تلبية طلبه أعاد الله أهله إليه. )
۹- الأولاد هم العناية والرحمة الإلهية « ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ»
۱۰- أن الله من أهل الجود ومن أهل الجبروت « وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ » نقرأ في قنوت صلاة عيد الفطر: « اللهم. . . أهل الجود والجبروت. . . هنا أعاد الله إليه كل ما سلبه من أيوب، وضاعفه أيضًا، وجبر عن ماضيه وجاد بالكرم والنعمة على مستقبله.
١١- هناك علاقة خاصة بين الدعاء من جهة والربوبية وتدفق الرحمة الإلهية من جهة أخرى، « نَادَىٰ »
۱۲- لا تستند استجابة دعاء الأنبياء إلى استحقاقهم الشخصي بل على النعمة الإلهية ورحمة الله. « رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ »
۱۳- يأتي البلاء بأشكال عديدة، أحيانًا للامتحان، وأحيانًا للتطور الفكري والعلمي، وأحيانًا لنعتبر ويعتبر الآخرين. « رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ »
١٤- العبادة أساس قبول الموعظة. « وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ »
١٥- كل الناس بحاجة إلى التذكير، حتى العباد القدماء. « وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ»
( ۸۷ و ۸۸ ) { وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}
الملاحظات:
ما قيل عن قصة يونس -عليه السلام- في التفسيرات أنه دعا الناس لعبادة الله لسنوات عديدة، لكن اثنين منهم فقط آمنوا به، أحدهما عابد والآخر إنسان عالم، عندما استمر الوضع على هذا النحو، اقترح العابد على يونس عليه السلام، أن يقوم بالدعاء لينزل البلاء عليهم ففعل ذلك ولأنه انزعج من عنادهم، بمجرد شعر بآثار البلاء، غادر المنطقة في غضب. دون أن يأذن الله وظن أنه تخلص منهم، ولم يكن يعلم أن الله سيجعل الحياة صعبة عليه بسبب ذلك. فذهب إلى شاطئ البحر وقرر أن يركب سفينة تنقله إلى مكان آخر ويتركهم. ركب يونس -عليه السلام- السفينة وكانت الأمواج عالية وكادت السفينة أن تغرق حتى قال القبطان سنجري القرعة على الركاب ومن خرج اسمه ألقيناه في البحر، ومن هنا بدأ بلاء يونس ومحنته، وأجريت القرعة فخرج اسم يونس عليه السلام، وأعيدت القرعة ثلاث مرات فلم يخرج إلا اسم النبي الكريم. انتهى الأمر وتقرر أن يرمى يونس نفسه في البحر، أدرك يونس وهو يعتلي خشب السفينة أنه قد أخطأ حين ترك قومه غاضباً وبغير إذن من الله، وظن أن الله لن يوقع عليه عقوبة، والآن فإن الله -سبحانه وتعالى- يعاقبه، سقط يونس -عليه السلام- في البحر، وجد الحوت أمامه سيدنا يونس وهو يطفو على الموج، فالتقمه وهو مليم، وتلقف الحوت يونس من جوف الهياج الجامح.
فوجئ يونس بنفسه في بطن الحوت والحوت يجرى به في جوف البحر. بدأ يونس يبكي ويسبح لله وبدأت رحلة العودة إلى الله وهو سجين في بطن الحوت. فتحرك قلبه بالتسبيح لله وتحرك بعدها لسانه وظل يرد «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. ورأى الله -سبحانه وتعالى- صدق يونس في توبته فأصدر الله الأوامر إلى الحوت أن يخرج إلى سطح البحر ويقذف بيونس من جوفه عند جزيرة حددها الله للحوت، وبالفعل أطاع الحوت. من هنا لقب (بذال نون). وأفهمه الله أنه لولا التسبيح لظل في جوف الحوت إلى يوم القيامة «فلولا إنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون. » (الصافات، ١٤٤، ١٤٥)
الرسائل:
١- في رواية التاريخ، يجب ألا نتحدث دائمًا عن الأحداث الجميلة والنجاحات، ولكن أيضًا عن الأحداث والإخفاقات المريرة. « وَذَا اَلنُّون إِذْ ذَهَبَ وَغَاضِبًا »
۲- يجب ألا نفكر أبدًا في إنهاء الرسالة الإلهية ونتركها ونذهب. « إِذْ ذَهَبَ وَغَاضِبًا »
٣- في بعض الأحيان، تؤدي الحركة المتسرعة، دون حساب ودون إذن، إلى عقاب شديد. « إِذْ ذَهَبَ وَغَاضِبًا - فَنَادَىٰ فِي اَلظُّلُمَات »
٤- الله على علم بأوهامنا وأفكارنا وافتراضاتنا. « فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ »
٥- أحيانًا يكون الأنبياء غير مدركين لأحداثهم المستقبلية. « فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ »
٦- أحيانًا يؤدي الغضب غير المبرر لنبي الله إلى المصاعب. « وَغَاضِبًا - فَنَادَىٰ »
۷- في بعض الأحيان يتسبب عدم كفاءة عمل ما في حدوث كل أنواع الظلام. « فِي اَلظُّلُمَات»
۸- في تحليل المشاكل، دعونا ننزه الله ونبحث عن مصدره في أفعالنا. « سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ اَلظَّالِمِينَ»
٩- إذا لم تكن الحركات والحب والكراهية بأمر الله ورضاه، سوف تؤدي إلى النتيجة غير المرجوة. « إِذْ ذَهَبَ وَغَاضِبًا - سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ اَلظَّالِمِينَ »
۱۰- إن الاعتراف بالخطيئة أمام الله هو في حد ذاته من آداب الدعاء. « سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ اَلظَّالِمِينَ»
۱۱- الدعاء الذي يتم الإقرار فيه عن توحيد وتنزيه الله والاعتراف بالمعصية سوف يستجاب. « سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ اَلظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ اَلْغَمّ »
۱۲- إن تنزيه الله والاعتراف بالخطيئة هو مفتاح الخلاص من المصاعب والحرمان. « سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ اَلظَّالِمِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ اَلْغَمّ»
۱۳- الطريقة الوحيدة للخلاص هي إرادة الله. « سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ اَلظَّالِمِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ اَلْغَمّ »
١٤- قصص القرآن ليست حدثًا منتهيًا، فهي حاضرة إلى الآن وسنة ثابتة. « نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ »
١٥- نجاة المؤمنين سنة وشريعة من الله. « وَكذْٰلَك نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ »
١٦- كل من يقول هذا الذكر سوف ينجى. « نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ»...
ــــــــ
https://telegram.me/buratha