د.مسعود ناجي إدريس ||
إن الحكمة من غيبة الإمام المهدي هي أن يكتسب المجتمع الاستعداد اللازم. لذلك لنتعرف على مطالب الإمام منا في عصر الغيبة.
عن خيثمة قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) أودعه فقال: «یَا خَیْثَمَةُ أَبْلِغْ مَنْ تَرَی مِنْ مَوَالِینَا السَّلَامَ وَ أَوْصِهِمْ بِتَقْوَی اللَّهِ الْعَظِیمِ وَ أَنْ یـَعـُودَ غَنِیُّهُمْ عَلَی فَقِیرِهِمْ وَ قَوِیُّهُمْ عَلَی ضَعِیفِهِمْ وَ أَنْ یَشْهَدَ حَیُّهُمْ جِنَازَةَ مَیِّتِهِمْ وَ أَنْ یـَتـَلَاقـَوْا فـِي بـُیـُوتـِهـِمْ فـَإِنَّ لُقِیَّا بَعْضِهِمْ بَعْضاً حَیَاةٌ لِأَمْرِنَا رَحِمَ اللَّهُ أَمْرَنَا یَا خـَیـْثـَمـَةُ أَبـْلِغْ مـَوَالِیـَنـَا أَنَّا لَا نـُغْنِی عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ شَیْئاً إِلَّا بِعَمَلٍ وَ أَنَّهُمْ لَنْ یَنَالُوا وَلَایَتَنَا إِلَّا بِالْوَرَعِ وَ أَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ حَسْرَةً یَوْمَ الْقِیَامَةِ مَنْ وَصَفَ عَدْلًا ثُمَّ خَالَفَهُ إِلَی غَیْرِهِ»
(كمن يدعي أنه يوالي الأئمة ولا يتبعهم، أو يمدح عملًا صالحًا ولا يعمل به).
بعد هذا الحديث، طرحنا موضوع الوفاء بحقوق الإخوة في الدين، ووعدنا بذكر الحقوق الثلاثين التي نص عليها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الصدد.
أحد هذه الحقوق هي الحقوق المالية. المطلوب هو على الأغنياء مساعدة الفقراء. أما كيف؟
قال الإمام الصادق (عليه السلام): ( امتحنوا شيعتنا عند ثلاث: عند مواقيت الصلاة كيف محافظتهم عليها، وعند أسرارهم كيف حفظهم لها عند عدونا، وإلى أموالهم كيف مواساتهم لإخوانهم فيها. )
إذا ادعى شخص ما أنه شيعي ولم يمتلك هذين الخصلتين، فابتعد عنه. أي أنه غير مؤهل حتى ليكون صديقًا.
من المهم أن نذكر أنه لا يجب على الشيعة ألا يبالوا بحق الله لأن الله يغفر حقه بسهولة شديدة. من علامات التشيع احترام الحقوق الإلهية.
في وصية أخرى، يذكر الإمام نوعية المواساة. المرحلة الأولى هي الدعم المالي، الذي يعطي المال للفقراء متى رأي محتاج. المرحلة الأخرى هي أن نتكفل الفقير. هناك مرحلة آخرى وهي المواساة المالية. الأئمة يقولون إن المواساة من أفضل الأعمال.
قال النبي (ص) لأمير المؤمنين (ع) أن أفضل الأعمال ثلاث: عامل الناس بإنصاف. وواسي إخوتك بالدين في سبيل الله واذكر الله دائمًا في كل الأحوال.
قال أمير المؤمنين إن لشيعتي مواساة في أموالهم، وكيف تكون هذه المواساة؟ «درهم درهم» درهم لك ودرهم له.
قال الإمام الكاظم (عليه السلام) - لجعفر بن محمد العاصمي -: يا عاصم! كيف أنتم في التواصل والتواسي؟ قلت: على أفضل ما كان عليه أحد، قال: أيأتي أحدكم إلى دكان أخيه أو منزله عند الضائقة فيستخرج كيسه ويأخذ ما يحتاج إليه فلا ينكر عليه؟ ! قال: لا، قال: فلستم على ما أحب في التواصل
قال الإمام الباقر (عليه السلام) - للوصافي -: أرأيت من قبلكم إذا كان الرجل ليس عليه رداء، وعند بعض إخوانه رداء يطرحه عليه؟ قال:
قلت: لا، قال: فإذا كان ليس عنده إزار، يوصل إليه بعض إخوانه بفضل إزاره حتى يجد له إزارا؟ قال: قلت: لا، قال:
فضرب بيده على فخذه ثم قال: ما هؤلاء بإخوة. ولم يتحقق شيء من التشيع.
قال: إنه الآن بما أن مثل هذا الشيء غير موجود في مجتمعنا، فهل ستصل أعمالنا إلى الهلاك؟ قال الإمام كلا لم يصل الناس بعد إلى هذا النمو الفكري.
لذلك فإن من مطالب أهل البيت منا هو النمو الفكري. لأن الإنسان يتفوق في ظل تطوره الفكري، ومن السهل جِدًّا القيام بهذه السلوكيات التي تبدو صعبة.
عندما يقول الإمام إن من علامات الشيعة هي المواساة، فهذا يدل على أن المواساة ليست خارجة عن سيطرة الشيعة ويمكنهم فعل ذلك. لكن لماذا لا نتنازل الآن؟ لأننا لم نصل إلى ذلك النمو الفكري.
يجب أن نقود المجتمع نحو النمو الفكري. إذا لم يحدث هذا فلن يكون هناك استعداد والتأخير في الظهور خطير.
لم يصل الناس بعد إلى التميز الفكري. لا يحدث الظهور بالمعنى الحقيقي إلا إذا حدث النمو الفكري. يجب أن يكون لدينا نمو عقلي ونمو قلبي حتى تكون المواساة سهلة بالنسبة لنا.
الشكل الرابع من أشكال الإنفاق هو الإيثار. أي أنه يعطي كل ما لديه للطرف الآخر.
إذا حدث النمو الفكري، فإن الإيثار يحدث بسهولة أيضًا. يجب أن نلجأ إلى المواساة لكي تحدث مسألة الظهور.
يقول جابر الجعفي إننا كنا في خدمة الإمام الباقر «دَخَلْنَا عَلَی أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِي (عَلَیْهِمَا اَلسَّلاَمُ) وَ نَحْنُ جَمَاعَةٌ بَعْدَ مَا قَضَیْنَا نُسُکَنَا، فَوَدَّعْنَاهُ وَ قُلْنَا لَهُ: أَوْصِنَا یَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ . فَقَالَ: لِیُعِنْ قَوِیُّکُمْ ضَعِیفَکُمْ، وَ لِیَعْطِفْ غَنِیُّکُمْ عَلَی فَقِیرِکُمْ، وَ لِیَنْصَحِ اَلرَّجُلُ أَخَاهُ کَنَصِیحَتِهِ لِنَفْسِهِ، وَ اُکْتُمُوا أَسْرَارَنَا وَ لاَ تَحْمِلُوا اَلنَّاسَ عَلَی أَعْنَاقِنَا، وَ اُنْظُرُوا أَمْرَنَا وَ مَا جَاءَکُمْ عَنَّا، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُ لِلْقُرْآنِ مُوَافِقاً فَخُذُوا بِهِ، وَ إِنْ لَمْ تَجِدُوهُ مُوَافِقاً فَرُدُّوهُ، وَ إِنِ اِشْتَبَهَ اَلْأَمْرُ عَلَیْکُمْ فِیهِ فَقِفُوا عِنْدَهُ وَ رُدُّوهُ إِلَیْنَا حَتَّی نَشْرَحَ لَکُمْ مِنْ ذَلِك مَا شُرِحَ لَنَا، وَ إِذَا کُنْتُمْ کَمَا أَوْصَیْنَاکُمْ، لَمْ تَعْدُوْا إِلَی غَیْرِهِ، فَمَاتَ مِنْکُمْ مَیِّتٌ قَبْلَ أَنْ یَخْرُجَ قَائِمُنَا کَانَ شَهِیداً، وَ مَنْ أَدْرَك مِنْکُمْ قَائِمَنَا فَقُتِلَ مَعَهُ کَانَ لَهُ أَجْرُ شَهِیدَیْنِ، وَ مَنْ قَتَلَ بَیْنَ یَدَیْهِ عَدُوّاً لَنَا کَانَ لَهُ أَجْرُ عِشْرِینَ شَهِیداً»
ومن اتبع هذه التوصيات للإمام كأنه مع إمام الزمان. أي أنه إذا فعل هذه الأشياء، سوف يظهر الإمام.
المطلوب هو الإسراع في الظهور، وإحدى طرق الإسراع في الظهور هي المبادرة بالمواساة المالية. يختلف المواساة المالية عن الكفالة المالية عن الدعم المالي وكل الأنواع تتطلب نُمُوًّا فِكْرِيًّا. لن يحدث الظهور إذا لم يصل المجتمع إلى النمو الفكري....
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha