الصفحة الإسلامية

نبيُّنا سيرةٌ ناصعةٌ رغمَ الافتراءات


 

عباس قاسم المرياني ||

 

مهما كتبْنا من المقالاتِ والكتبِ وحتى الموسوعات في عَظَمةِ رسولِ الله محمدٍ (صلى الله عليه وآله) وفضائله، فإننا نبقى عاجزين ومُقصرين في حقِّ حضرته، لما له من الأوصافِ الحميدة والخصالِ الطيّبة الطاهرة التي امتازَ بها، فقد بلغ أوجَ الكمالِ الإنساني، وقد أثنى عليه (سبحانه وتعالى) فقال: "وإنّك لعلى خُلُقٍ عظيم"، وقال (عزّ من قائل): "لو كُنتَ فظًا غليظَ القلبِ لانفضوا من حولك".

إنَّ عظمةَ شخصيةِ النبيّ مُحمدٍ (صلى الله عليه وآله) لم تُستمد من جاهٍ أو مالٍ، ولا من الأُمّةِ التي عاشَ فيها، وليس لسمو حسبه ونسبه فحسب، بل لجلالِ شخصيتِه، وكمالِ خُلُقِه الفريد، وسعةِ أُفقِه العجيب، فكانَ المَثَلَ الأعلى للإنسان الكامل من جميعِ الجوانب.

وها هو (صلى الله عليه وآله) قد مضى على استشهاده أربعةَ عشرَ قرنًا وواحدٌ وثلاثون عاماً ولا يزالُ حُبُّه يملأ القلوب، وذكرُه يُطرِبُ الأسماع. عاش مُجاهدًا، وماتَ مُجاهدًا في سبيلِ الله (تعالى)، اختارته العنايةُ الإلهيةُ من بين جميعِ الخلقِ ليُبلِّغَ رسالةَ ربِّه، حاربَ الشركَ والضلال، وتمكَّنَ من هدايةِ الناسِ إلى هُدى الله (سبحانه)، فكانتْ دعوتُه قد انتشلتِ الأمّةَ من الانحدارِ والتخلُّفِ إلى أوجِ العَظَمةِ والسعادة.

رغم ذلك فقد عانى رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) بعد أنْ صَدَحَ برسالةِ ربِّه، وأعلنَ ثورتَه الإلهية العظيمة على واقعِ الوثنيةِ والشركِ والإلحادِ، وعانى مُعاناة لا مثيلَ لها مطلقًا؛ فقد انقلبت أوضاعُ حياتِه رأسًا على عقب، إذ لم يكنْ من السهلِ على المُشركين الذين اعتادوا عبادة الأصنام، وتربّوا على الوثنيةِ والفسادِ أنْ يتخلّوا عن عاداتِهم، وممارساتِهم المُتجذِّرةِ في حياتهم، كما أنّ زعاماتِ قُريشٍ ومراكزِ القوى فيها كانتْ تبذلُ كُلَّ جُهدِها للحفاظِ على نفوذِها ومكانتِها، وترى في الرسالةِ المُحمّديةِ هدمًا لمواقعِها، وضربًا لمصالحِها؛ لهذا ولغيره انتفضتْ قريشُ وزعماؤها لصدِّ وردعِ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله)، وشنّوا عليه حربًا ضاريةً شاملةً، اتهموه فيها بالكذبِ، والجنونِ، والسحرِ، وغيرها، بعد ما كان يُعرفُ بينهم بالصادق الأمين، وكان لهذه الاتهامات والأكاذيب التي أُلصِقت به الأثرُ بعد ذلك، حيث تلقّفتْها الألسُنُ المُبغضةُ، وجعلتْ منها حقائقَ لتشويهِ صورةِ هذه الشخصية العظيمة بكُلِّ المقاييس.

من هذه الاتهاماتِ الباطلةِ تعدُّدُ زوجاتِه (صلى الله عليه وأله) فحرّفتْها الأقلامُ الغربيةُ المُغرضةُ من بعضِ المُستشرقين، واتهمته بحُبِّه للنساء؛ للنيلِ من كماله الإنساني، وفي الحقيقة لم يكنْ هذا التعدُّدُ لنزعةٍ شهوانية، أو لحُبّهِ للنساء، بل كان لحكمةٍ مُعينةٍ أرادها اللهُ (سبحانه) لرسولِه (صلى الله عليه وآله)، وتكمُنُ هذه الحكمة في تقويةِ رسالةِ الإسلام، وكسبِ المُناصرين له بالتقرُّبِ للقبائلِ وإدخالِهم في الإسلام، وكسبِ ودِّ بعضِ الأطرافِ ذوي الدورِ الفاعلِ لتقوية الدين بهم، أو جبرِ خواطرِ اللاتي استُشهِدَ أزواجهن وإعالةِ ذوات الأيتام، أو إرساءِ قواعدَ تشريعيةٍ، وإزالةِ قواعدَ جاهلية.

لكنَّ الأغربَ والأعجبَ من ذلك بعضُ التُهَمِ التي أُلصِقتْ به (صلى الله عليه وآله) والتي لم يأتِ بها المُستشرقون من وحيهم فقط، بل جاءتْ جاهزةً ومُقولبةً في كُتُبِ بعض المُسلمين، منها ما يُذكَرُ أنَّ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) كان يستمع إلى الغناء، وتُضرَبُ الدفوفُ في بيته، ومنها أنّه كان يقرأُ القرآنَ الكريم في حُضنِ إحدى زوجاته وهي حائض! ومنها أنّه كان مُغرمًا بزوجةِ ربيبِه زيد بن حارثة؛ لذلك طلّقَها زيدٌ وتزوّجها رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله).

لا أعرفُ كيفَ قبلوا مثلَ هذه الروايات على من طهّرَه اللهُ (تعالى)، وعصمَه، وأكمَلَه، وأعلى منزلتَه، وحباهُ بقوله: "وَإٕنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ"، وخصّه بمكارمِ الأخلاقِ التي يقولُ فيها هو (صلى الله عليه وآله): "بُعِثْتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاق"، ويقولُ فيها الإمامُ الصادق (عليه السلام): "اللهُ (تبارك وتعالى) خصَّ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) بمكارمِ الأخلاق، فامتحنوا أنفسَكم فإنْ كانت فيكم فاحمدوا الله (عزّ وجل)، وارغبوا إليه في الزيادةِ منها، فذكرها عشرة: اليقين، والقناعة، والصبر، والشكر، والرضا، وحُسن الخُلُق، والسخاء، والغيرة، والشجاعة، والمروءة".

لذلك نقولُ: إنَّ سيرتَه العَطِرة قد شابَها من الدسِّ والتلفيق، سواء عن قصدٍ من مُبغضيه، أو عن جهلٍ، وعليه يجِبُ التحرّي والتأكُدُ والتيقُنُ مما يُنقلُ عن هذه السيرة، ويَجِبُ استبيانُ الخبرِ قبلَ قولِه، يقولُ أميرُ المؤمنين علي (عليه السلام): "اعقلوا الخبرَ إذا سمعتموه عقلَ درايةٍ، لا عقلَ رواية؛ فإنّ رواةَ العلمِ كثيرٌ، ورُعاتَه قليل"، ويُنقَلُ عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إنّ على كُلِّ حقٍّ حقيقة، وعلى كُلِّ صوابٍ نورًا، فما وافقَ كتابَ اللهِ فخُذوه، وما خالفَ كتابَ اللهِ فدعوه".

من هذا يَجِبُ أن لا نظلمَ حبيبَ الله (صلى الله عليه وآله) بهذه الشائعات الخبيثة التي لا نقبلُها لشخصٍ عادي، فما بالك بمنِ اصطفاه وخصّه وشرّفه على سائرِ خلقِه، وهو النبيُّ المُخلصُ ومُلهِمُ الإيمانِ في القلوب، رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) قدوةٌ نستنيرُ بنوره، لا أنْ نُلصِقَ به العيوبَ ونرميه بالافتراءاتِ (حاشاه اللهُ عن ذلك).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك