د.مسعود ناجي إدريس||
التضحية والمقاومة من المبادئ الأساسية التي بدونها لن ينجح الأنبياء السماويون في أداء رسالتهم في ذلك الزمان.
بالوقوف والمقاومة ضد التقاليد والسنن والعلاقات الاجتماعية الخاطئة ، وبالتضحية بالنفس قام الأنبياء بإصلاح المجتمع ، ودون الخوف من المصاعب والمشاكل، قاموا بإيصال رسالاتهم الإلهية الثقيلة. حيث قال الله عنهم:
«الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا.» [الأحزاب، ٣٩]
في هذا المقال ، حاول المؤلف أن يخصص سطورًا للبحث في موضوع التضحية بالنفس والمقاومة في القرآن. دعونا نُلقي نظرة على هذه المقالة معًا:
● الإيثار علامة من علامات المؤمن
من السمات المهمة للمؤمنين الحقيقيين أن يكون لديهم روح الإيثار. [وقد عَرَفَ العلماء اللغة الإيثار أن يقدّم غيره على نفسه في النفع له والدفع عنه].
في رواية ، اعتبر أمير المؤمنين علي (ع) التضحية بالنفس أفضل الكرامات الأخلاقية للبشر. (خیر المکارم الإيثار) وفي رواية أخرى أشار إلى الإيثار على أنه علامة على سمو الفضائل (الإيثار أشرف الإحسان). [غررالحکم، ص ٣٧٦ و .٤٩٥]
في تاريخ الإسلام ، بعد هجرة الرسول الكريم (صلى الله عليه واله وسلم) وأصحابه من مكة إلى المدينة المنورة ، رحب أهل المدينة والذين أصبحوا يعرفون بالأنصار في مصطلح التاريخ الإسلامي ، بالمهاجرين المسلمين وقاموا بحماية المهاجرين وضحوا بحياتهم وممتلكاتهم من أجل الدين .
بعد خمس سنوات ، عندما استسلم يهود بني نضير أمام المسلمين ، خاطب الرسول الكريم (صلى الله عليه واله وسلم) الأنصار:
«إن أحببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين ما أفاء الله عليَّ من بني النضير، وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في منازلكم وأموالكم، وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دوركم».
فقال سعد بن عبادة وسعد بن معاذ: يا رسول الله، بل نقسم بين المهاجرين ويكونون في دورنا كما كانوا وقالت الأنصار: رضينا وسلمنا يا رسول الله. [مجمع البیان: ج۹، ص٢٦١]
بسبب هذه التضحية بالنفس والإيثار من الأنصار نزلت الآية ٩ من سورة الحشر تكريمًا لهم:
... ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾[تفسیر راهنما، ج.۱۸]
· (الأنصار يفضلون الآخرون) حتى لو كانوا هم في حالة فقر وحاجة.
في هذه الآية الكريمة ، أشاد الله تعالى بالأنصار لروح التضحية بالنفس والإيثار وتفضيل المهاجرين على أنفسهم في الظروف التي هم في أمس الحاجة ؛واعتبرهم كمثال للمؤمنين الحقيقيين.
يعتبر الإمام الصادق (ع) في تفسير الآية التالية ، أن الإيثار صفة من صفات المؤمنين وخصائصهم ، ووصفهم الله سبحانه وتعالى بهذه الصفة [بحار، ج٦٧، ص .٣٥١].
· الوعد الإلهي للموحدين الثابتين
في الآية 30 من سورة فصلت ، أعطى الله سبحانه وتعالى بشرى للموحدين الثابتين في التوحيد ، أنه في اليوم القيامة ، سوف ينعم أولئك الذين استقاموا على طريق الحق وثابتين عليه بنعم الله. «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ» [فصلت،٣٠]
في الحقيقة أن الله تعالى وضع التوحيد إلى جانب الاستقامة والثبات وهذا الأمر يدل على القيمة العالية لهاتين الصفتين في طريق الحق. [مفردات راغب، ماده قوم- صحاح اللغة، ج٥، ص.۲۰۱۷]
هناك الكثير من يتحدث عن التوحيد والتقوى ، ولكن عندما يأتي وقت الفعل ، فإنهم لا يظهرون الاستقامة ولا الثبات ، يظهر الإيمان الحقيقي عند الإنسان عندما يواجه عاصفة من الشهوات. أو تتعرض مصالحه الشخصية واهتماماته للخطر وعندما يطأ قدمه على الشهوات الجسدية ويتجاوزها يخرج من الاختبار الإلهي بنجاح .
الإمام علي (ع) في إحدى خطب نهج البلاغة ، بعد أن شرح عظمة القرآن ونهى عن البدعة في الدين قال عن الآية السابقة : 《وقد قلتم ربنا الله فاستقيموا على كتابه، وعلى منهاج أمره، وعلى الطريقة الصالحة من عبادته. ثم لا تمرقوا منها ولا تبتدعوا فيها ولا تخالفوا عنها. فإن أهل المروق منقطع بهم عند الله يوم القيامة. ثم إياكم وتهزيع الأخلاق وتصريفها》. [نهج البلاغة، خطبة ١٧٦- تفسیر نمونه، ج۲۰، الآیة۳۰ سوره فصلت]
وفي رواية أخرى نقرأ عن نبي الإسلام ((صلى الله عليه وآله وسلّم)) أنه لما قرأ هذه الآية قال:« قد قالها ناس ثم كفر أكثرهم فمن قالها حتى يموت فهو ممن استقام عليها.» [مجمع البیان، ج۹، ذیل آیه ۳۰ سوره فصلت]
في قيمة الاستقامة والثبات على طريق الحق ، يكفي أن تنزل الملائكة على الإنسان ، حسب البشارة الإلهية السارة في الآية المذكورة ، وتعلن له الرسالة الإلهية المليئة بالنعمة والرحمة. [فصلت ، ٣٠]
· الصبر والاستقامة مفتاح النصر
إن الحروب التي خاضها الرسول الكريم صلى الله عليه واله وسلم مع أصحابه المخلصين ضد الوثنيين في مكة أو غيرهم من المعارضين للإسلام تظهر مثالاً واضحًا للصبر والاستقامة والإيثار. في نهاية معركة أحد ، انطلق جيش أبو سفيان المتكبر ، الذي شعر إلى حد ما بالنصر والفخر بعد تعرضه لهزيمة قاسية في معركة بدر ، بسرعة إلى مكة ، لكن لم يمض وقت طويل قبل أن يقرر العودة إلى المدينة المنورة وإكمال عمله في القضاء على المسلمين.
وصل هذا الخبر إلى الرسول الكريم صلى الله عليه واله وسلم. أمر على الفور فرقة أحد وكل من شارك في الحرب ، حتى الجرحى ، بالاستعداد لمعركة أخرى. وقد أطاع المسلمون وأتباع النبي الحقيقيون هذا المرسوم بغير ريب. حتى جرحى غزوة أحد أطاعوا أمر قائدهم وأعدوا أنفسهم لمعركة أخرى.
وصلت الأخبار إلى جيش قريش، أن المقاومة التي لا توصف والتضحية بالنفس والإيثار لدى المسلمين أخافت المشركين في مكة وأثنتهم عن العودة إلى المدينة المنورة. وفي إشارة إلى مثابرة أصحاب النبي (ص) واستقامتهم في هذا الحدث التاريخي ، أشاد القرآن الكريم بهم في الآية ١٧٢ إلى ١٧٤ من سورة آل عمران على النحو التالي: {الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيمانًا وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)} [تفسیر النور، ج۲، آیات ۱۷۲ الی . ١٧٤]
كان بعض الجرحى الذين كانوا يستعدون للمعركة في حالة سيئة لدرجة أنهم لم يتمكنوا حتى من الذهاب إلى المنطقة سيرًا على الأقدام ، ولكن لأنهم لم يخالفوا أمر النبي صلى الله عليه واله وسلم ، فقد ذهبوا إلى المنطقة بصعوبة كبيرة وبمساعدة المسلمين الآخرين. [تفسیر نمونه، ج۳، الآیة ۱۷۲ آل عمران]
إذا كان الإنسان يؤمن بهدفه ، فكلما زادت المشاكل التي يواجهها ، لا يستسلم للخوف فحسب ، بل يزيد أيضًا من قوته وتحمله ، ويسعى جاهداً بالتضحية بالنفس لتحقيق الهدف المقدس الذي ينتظره.
● إحدى الحسنیین
في الآية ٥٦ من سورة الأنفال قال الله تعالى بعد أن طلب من نبيه الكريم (ص) أن يشجع المؤمنين على محاربة الأعداء: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ » [الانفال، ٦٥]
قال العلامة الطباطبائي في تفسير هذه الآية:
«... النقطة المهمة هي أن المؤمنين في كل عمل يقومون به يرجع سبب هذا العمل إلى الإيمان بالله ، والإيمان بالله قوة لا تساويها قوة أخرى ولا تستطيع مقاومتها .... مثل هذا الشخص واثق ومتأكد أنه مهما حدث أن قُتل أو قَتل فالنصر معه ؛ لأن كلا المصيرين يأجر عليه من الله ، ولا يرى في نفسه مثالا للموت أو الفناء مثلما يرى الكفار .» [تفسیر المیزان، ج۹، الآیة ۹ سوره حشر]...
https://telegram.me/buratha