د.مسعود ناجي إدريس
الابتلاء و الاختبار من أحد سنن القرآن الكريم حيثُ يؤثر على سعادة، شقاء، مكافأة وعقاب الأنسان لهذا السبب من الواجب توضيح كل الزوايا الكاملة عن نظرة القرآن لهذه السنة. على الانسان ان يمتلك الدراية الكاملة عن حقيقة هذا الابتلاء ويسلُك الطريق الصحيح للنجاح بالأختبار الإلهي. لهذا السبب تم تجميع الآيات القرآنية المتعلقة بالابتلاء والحصول على إجابات للأسئلة المتعلقة بهذا الأمر من القرآن لتوعية الجميع.
ما هي فلسفة الأختبار الإلهي؟ الا يعلم الله الأسرار والغيبيات؟ الله الذي لا يخفى عليه شيء في الارض و لا في السماء لماذا يختبر الأنسان ؟ كما قال الله تعالى في القرآن الكريم:
(إِنَّ اللَّهَ لا یَخْفَى عَلَیْهِ شَیْءٌ فِی الأرْضِ وَلا فِی السَّمَاء)(آل عمران/٥)
هٌناك آيات كثيرة عن معرفة الله بالغيب و المعرفة المطلقة لكل شيء. إذاً لماذا يختبر الأنسان؟ ورداً على هذا السؤال ، من وجهة نظر الآيات القرآنية ، هناك عدة أسباب للأختبار الإلهي ، وهي:
١- إظهار حقيقة شخصية الافراد
من وجهة نظر القرآن الكريم ، فإن أهم فلسفة وحكمة للأبتلاء (الأختبار) هي إظهار الوجه الحقيقي للإنسان، حيث يُظهر مؤهلاتهم ومواهبهم ، ونقاء روحهم والخبث الدفين في النفس البشرية ، وبالتالي فمعنى الابتلاء الإلهيّ للبشر هو تكليفهم بأمور الغرض منها إخراج ما في نفوسهم من استعدادات وقابليّات حسنة إلى مقام الفعل أي لتصبح أفعالاً خارجيّة لهم وصفات فعّالة في نفوسهم لأن الفضائل البشرية والكرامة الروحية تظهر في سياق الأختبار المعطاة لهم.
صرح القرآن الكريم في عدة آيات عن حقيقة الابتلاء وقال :
(وَلَنَبْلُوَنَّکُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِینَ مِنْکُمْ وَالصَّابِرِینَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَکُمْ)(محمد/٣١)
إن جملة حتى نعلم المجاهدين لا تعني أن الله لا يعلمهم، بل المراد ان تتحقق هذه المعلومة عمليا، وتشخيص هؤلاء المجاهدين، فالمعنى: ليتحقق علم الله سبحانه في الخارج، وتحصل العينية، وتتميز الصفوف. (مکارم الشیرازي،٢١/٤٨٢)
(وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَیَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِینَ صَدَقُوا وَلَیَعْلَمَنَّ الْکَاذِبِین)(عنکبوت/٣)
تفسير هذا الآية مطابق مع تفسير آية ٣١ من سورة محمد.
(وَلِیَبْتَلِیَ اللَّهُ مَا فِی صُدُورِکُمْ وَلِیُمَحِّصَ مَا فِی قُلُوبِکُمْ وَاللَّهُ عَلِیمٌ بِذَاتِ الصُّدُور)(آل عمران/١٥٤)
٢- المعايير الاساسية للثواب و المكافأة
يقول عن ذلك أمير المؤمنين عليه السلام: "... وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم ولكن لتظهر الأفعال التي بها تستحقّ الثواب والعقاب". (نهج البلاغة، قصار/٩٣)
الصفات العامة للإنسان غير كافية في تحديد الثواب و العقاب له، فقط عندما يتعرض للبلاء و الاختبار ي
تتبين صفاته الحقيقية من خلال اعماله. استعداد الانسان لتحمل البلاء هو الذي يحدد مصير الثواب و العقاب بالنسبة له. البلاء هو وسيلة لتفجير طاقات البشر وتطوير قابليّاتهم ليرتقوا في الدّنيا ويتطوّروا، وكذلك ليبنوا أنفسهم بما يجعلهم من أهل الخلود في دار النعيم المقيم.. (مكارم الشيرازي، ١/٥٢٨)
وبحسب تفسير العلامة محمد جواد مغنية ، فإن اللّه سبحانه يعلم الأتقياء و الأشقياء و لكنه يعامل الناس معاملة المختبر بالأمر و النهي، لتظهر الأفعال التي يستحق عليها الثواب و العقاب. على سبيل المثال المؤمن بسبب ايمانه و حكمته لا ينحرف عن دينه أثناء الابتلاء ولا ينطق بالكفر والحماقة والجهل ، بل ينتظر ويصبر حتى يرفع عنه البلاء. لكن الرجل الذي تكون حكمته وإيمانه ضعيفين ، فإن الشيطان سيهيمن عليه ، وسيتبع طريقة الكفر والإهانة ، ويسقط في بئر السفاهة والحمق.
من اهم الخطب في هذا الخصوص خطبة الامام الحسين ( عليه السلام ) يوم عاشوراء حيث قال: " النَّاسُ عَبِيدُ الدُّنْيَا ، وَ الدِّينُ لَعِقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ ، يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ ، فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُون " . (مغنية ١/٤٣٩)
٣- تحديد أفضل الاعمال
اعمال الانسان في ثقافة القرآن يقسم الى نوعين: النوع الاول (الاعمال الصالحة) اما النوع الثاني (الاعمال السيئة). الاعمال الصالحة يقسم الى قسمين ايضا وهما (العمل الحسن) و (العمل الاحسن). من خلال الفلسفة الالهية الاختبار يحدد الاشخاص الذين يقومون بالعمل الاحسن . في هذا الصدد قال الله تعالى:
(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَیَاةَ لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِیزُ الْغَفُورُ)(الملك/٢)
في شرح الحسنات يقال أن الحسنات لها صفتان: ١. كمية الحسنات ٢. نوعية الحسنات.
إن ما هو مهم وقيم في الثقافة القرآنية ، والذي يمنح الممارسة قيمة ومصداقية عظيمة هي لجودة العمل ، وليست الكمية. وهذا تم توضيحه في الآية «لیبلوکم ایکم احسن عملا»، حيث اعطى الله سبحانه و تعالى الاهمية للجودة العمل. لقد اختبر الله الإنسان حسب الافضلية في الاعمال وليس الاكثرية. وهذا ما ورد في الحديث أن ما تعنيه الآية «احسن عملا»، «اصوب عملا». (المطهري، التعرف على القرآن، ج٨، ص١٣٩-١٣٨)
وايضا قال تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرْضِ زِینَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَیُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا)(الکهف/7)
٤- العودة الى الباري الحق
ان الله سبحانه وتعالى اوجب على نفسه الرحمة حيث قال:(کَتَبَ رَبُّکُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَة)(الانعام/٥٤) و الهدف الاساسي لخلق الانسان هو عبادة رب العالمين.
(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُون)( الذاریات/٥٦)
ووفقًا للمبدأين المذكورين أعلاه ، وجب على نفسه الرحمة حتى لا يضع موانع امام الخليقة في الرجوع اليه . وعند الابتلاء يتذكر الانسان ربه و يرجع اليه ولا يدعوا سواه . الانسان عندما يقع في مشكلة او ضيق يحكم عقله ليفهم اسباب وقوع البلاء عليه و يعتبر منها و يصحح مسيرته نحو خالقه. ذكر الله حقيقة عودة الانسان الى الله في القران الكريم حيث قال:
(وَقَطَّعْنَاهُمْ فِی الأرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِك وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّیِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُون)(الاعراف/١٦٨)
واحدة من القضايا الرئيسية في تعاليم القرآن الكريم هي الاختبار ، والتي تم ذكرها في عدة آيات وتم النظر إليها من زوايا مختلفة. الابتلاء و الامتحان ضروريان في حياة الانسان حيث بدونها لا يرتقي ولا يتكامل تفكيره ولهذا السبب لا يستثني الله أي شخص حتى المقربين و المحببين اليه من الابتلاء و الاختبار. بسبب هذه السنه العامة ، يذكر القرآن الكريم مخرجًا للانتصار وهو ، الصبر والخضوع والتحكم في النفس وما إلى ذلك.
من أجل لفت انتباه الإنسان إلى عمومية هذه السنة ، ذكر كل الوسائل التي يختبر الانسان بها وذكر اختبار الأنبياء والائمة الاطهار ، وأعرب عن رد الفعل الصحيح للانسان على الاختبار الإلهي.
وهكذا ، يتضح من آيات القرآن الكريم أن الاختبار الإلهي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالرحمة الإلهية ، وأن دور الإنسان في الابتلاء لا يمكن التهرب منه، وأن الاختبار بالنعم أصعب من الاختبار بالنقم.
https://telegram.me/buratha