ضياء رحيم محسن
الغضب في اللغة، ضدُّ الرِّضَا والغَضْبة: الصَّخرة الصلبة. قالوا: ومنه اشتُقَّ الغَضَب؛ لأنَّه اشتدادُ السُّخط. يقال: غَضِب يَغْضَبُ غَضَبًا، وهو غضبان وغَضُوب، (لسان العرب لابن منظور).والغَضَب اصطلاحًا، هو ثورَانُ دم القلب لقصد الانتقام، (تاج العروس لمرتضى الزبيدي)، وقال الجرجاني: (الغَضَبُ: تغير يحصل عند غليان دم القلب، ليحصل عنه التشفي للصَّدر).يمكن إعتبار الغضب بأنه تصرف لا شعوري يدفع بالإنسان الى تصرفات قد تؤدي الى ما لا يحمد عقباه، ويعد الغضب من أهم الأسباب التي تؤدي الى العنف المجتمعي.إستنادا الى قول علماء النفس، فإن الغضب يقع على عدة أنواع؛ فهناك الغضب لله وهو غضب محمود، فقد يغضب أيا منا إذا ما انتهكت حرمات الله؛ كقوله جل جلاله (( وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)) (الأعراف :150)، كما أن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يغضب إلا عندما انتهكت حرمات الله. وعن أبي هريرة أن رجلا أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له يا رسول الله أوصني. فقال له: ((لا تغضب وجعل يرددها مرارا))، وفي حديث أخر؛ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خُلق من نار، وإنما يطفئ النار الماء؛ فإذا غضب أحدكم فليتوضأ)) وهناك الغضب الذي يريد به الإنسان الشر والباطل وهو محرم يجب إجتنابه، وهناك نوع ثالث من الغضب من غير معصية للخالق على أن لا يتجاوز الغضبان حدوده؛ وكظم الغيظ فيه اولى؛ كقوله تعالى (( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ))(آل عمران : 134)وهنا تروى رواية عن الإمام زين العابدين ( علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام) أن جارية جعلت تسكب عليه الماء, فتهيأ للصلاة, فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه, فرفع علي بن الحسين رأسه إليها ، فقالت الجارية : إن الله -عز وجل يقول: ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) فقال لها: قد كظمت غيظي . قالت (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) فقال لها: قد عفا الله عنك. قالت: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) قال: اذهبي فأنت حرة.أما وقد علمنا أنواع الغضب ولماذا يغضب الإنسان، نعود الى عنواننا؛ لماذا غضبت الزهراء (عليها السلام)؟ هل فعلا أنها غضبت لأن فدك سُلبت منها؟ أم لأن الأمة لم تجتمع على مبايعة زوجها الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام)؟ أم لأسباب أخرى خفيت على الأمة لسبب أو لأخر؟سنحاول هنا وبشكل مقتضب الإجابة عن هذه الأسئلة بموضوعية وبدون تشنج.تربت السيدة الزهراء (عليها السلام) في كنف والدها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الذي يقول فيه الله سبحانه وتعالى ((وإنك لعلى خلق عظيم)) (القلم 4). فهل يعقل أن يسهو عن تربية إبنته الوحيدة وهي التي يقول فيها ( فاطمة أم أبيها)، فإذا إتفقنا على أن الرسول الأكرم قد أحسن تربية إبنته، فلا يستقيم العقل إلا أن يقول أي منصف بأن تصرفات الزهراء تنم عن حكمة وتعقل ودراية وبدون تحيز على حساب الحق.تأسيسا على ما تقدم، فإن أرض فدك لم تكن إلا (القشة التي قصمت ظهر البعير) كما يقول المثل العربي، ذلك لأن الأمة وحتى قبل ان يوارى جثمان رسولها، بدأت المناحرات بينهم الى أن إستقر بهم الرأي على تولي الخليفة الأول للخلافة، وهو الذي يقول فيه الخليفة الثاني (كانت فترة خلافته فتنة وقانا الله شرها) (صحيح البخاري 8/210 باب الحدود). وعندما خرجت عليهم الزهراء (عليها السلام) لتذكرهم بحديث رسول الله في من هو أحق بالخلافة؛ ومطالبتها بفدك قيل ما قيل حتى غضبت على القوم، والرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول (يغضب الله لغضب فاطمة) (رواه الحاكم والسيوطي وجملة من علماء السُنة) ورواه الذهبي بطريقة أخرى ((فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني)) وغضبه هو غضب الله سبحانه وتعالى، واستشهدت السيدة الزهراء (عليها السلام) لكنها كانت واجدة على أبي بكر وعمر ( الوجد في اللغة: ووجد عليه في الغضب يجد ويجد وجدا وجدة وموجدة ووجدانا : غضب) (لسان العرب باب الواو).لما لم تكن الزهراء عليها السلام، قد غضبت على أبي بكر لأنه سلبها أرض فدك، فهل إنها غضبت لأن الأمة لم تجتمع على مبايعة علي بن ابي طالب (عليه السلام). من نافلة القول أن الامام علي بن ابي طالب أمير المؤمنين بتنصيب من الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وبمباركة الجميع بما فيهم الخليفة الأول والثاني، وهو أمر يتفق عليه جميع علماء أهل السنة، من ثم فإن مسألة الخلافة لم تكن في بالها كونها بديهية بالنسبة لها، لكن الذي حصل هو إنقلاب الأمة ولما تمضي على وفاة الرسول الأكرم حتى أيام فكيف بها بعد مرور هذه المدة الطويلة (قرابة 1400 سنة) ولم يكن يحصل الذي هو حاصل الأن لو كانت الأمة وافقت على وصايا رسولها قبل وفاته، لكن وكما ينقل البخاري عن عمر بن الخطاب ( دعوه فإن الرجل يهجر) (الفيروز آبادي في القاموس المحيط ص637 ).مما تقدم يتبين لما أن السيدة الزهراء (عليها السلام) عندما غضبت فلأن الأمة خانت وصية الرسول الأكرم في عترته وأهل بيته، الذين لم يرقب فيهم أحد إلا ولا ذمة فمن مقتول في محرابه وأخر دس له السم في طعامه الى من تقطعت أوصاله في كربلاء وسبي عياله وأهل بيته.فهل هذا جزاء الرسول الأكرم في عترته وأهل بيته وهو الذي أخرجهم من الظلمات الى النور.
https://telegram.me/buratha