قيل دخل رجل على سلمان فلم يجد في بيته إلا سيفا و مصحفا فقال له :
ما في بيتك إلا ما أرى !! قال سلمان(رض) : (( إن أمامنا عقبة كؤود فإنا قد قدمنا متاعنا إلى المنزل أولا فأولا )) .و قيل وقع حريق بالمدائن فأخذ سلمان سيفه و مصحفه و خرج من البلد و قال:(( هكذا ينجو المخفون ))عظم الله تعالى أجورنا وأجوركم
اسمه وكنيته ونسبه (رضي الله عنه) (1):
أبو عبد الله، سلمان بن عبد الله الفارسي، ولقّب بسلمان المحمّدي.
أخباره (رضي الله عنه):
من أهل بلاد فارس، قرأ أخبار الأديان، وسافر إلى الحجاز، ويعدّ من السابقين الأوّليين إلى الإسلام، كما شهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بدراً.
حظي سلمان بمراقي الشرف والكرامة، لموالاته للنبي وآله (عليهم السلام)، فكان أحد الأركان الأربعة مع عمّار والمقداد وأبي ذر، وكان أحد الماضين على منهاج نبيّهم (صلى الله عليه وآله) من جماعة الصحابة الأبرار الأتقياء، الذين لم يبدّلوا تبديلاً.
أقوال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه: نذكر منها ما يلي:
عَنْ الإمام الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ( عليهم السلام ) ، أنهُ قَالَ : " دَعَا سَلْمَانُ أَبَا ذَرٍّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا إِلَى مَنْزِلِهِ ، فَقَدَّمَ إِلَيْهِ رَغِيفَيْنِ ، فَأَخَذَ أَبُو ذَرٍّ الرَّغِيفَيْنِ فَقَلَبَهُمَا .فَقَالَ سَلْمَانُ : يَا أَبَا ذَرٍّ لِأَيِّ شَيْءٍ تَقْلِبُ هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ ؟!قَالَ : خِفْتُ أَنْ لَا يَكُونَا نَضِيجَيْنِ .فَغَضِبَ سَلْمَانُ مِنْ ذَلِكَ غَضَباً شَدِيداً ، ثُمَّ قَالَ : مَا أَجْرَأَكَ حَيْثُ تَقْلِبُ هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ ، فَوَ اللَّهِ لَقَدْ عَمِلَ فِي هَذَا الْخُبْزِ الْمَاءُ الَّذِي تَحْتَ الْعَرْشِ ، وَ عَمِلَتْ فِيهِ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى أَلْقَوْهُ إِلَى الرِّيحِ ، وَ عَمِلَتْ فِيهِ الرِّيحُ حَتَّى أَلْقَتْهُ إِلَى السَّحَابِ ، وَ عَمِلَ فِيهِ السَّحَابُ حَتَّى أَمْطَرَ إِلَى الْأَرْضِ ، وَ عَمِلَ فِيهِ الرَّعْدُ [ وَ الْبَرْقُ ] وَ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى وَضَعُوهُ مَوَاضِعَهُ ، وَ عَمِلَتْ فِيهِ الْأَرْضُ ، وَ الْخَشَبُ ، وَ الْحَدِيدُ ، وَ الْبَهَائِمُ ، وَ النَّارُ ، وَ الْحَطَبُ ، وَ الْمِلْحُ ، وَ مَا لَا أُحْصِيهَا لَكَ ، فَكَيْفَ لَكَ أَنْ تَقُومَ بِهَذَا الشُّكْرِ ؟!فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ : إِلَى اللَّهِ أَتُوبُ ، وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِمَّا أَحْدَثْتُ ، وَ إِلَيْكَ أَعْتَذِرُ مِمَّا كَرِهْتَ " مستدرك وسائل الشيعة : 16 / 294 ، للشيخ المحدث النوري ، المولود سنة : 1254 هجرية ، و المتوفى سنة : 1320 هجرية ، طبعة : مؤسسة آل البيت ، سنة : 1408 هجرية ، قم
فَقَالَ مُوسَى ( عليه السَّلام ) : " مَا جَهِلَ وَ لَا ضَاعَ امْرُؤٌ عَرَفَ قَدْرَ نَفْسِهِ .
أَ تَدْرُونَ مَا مَثَلُ هَذَا ؟هَذَا شَخْصٌ قَالَ : أَنَا مِثْلُ سَلْمَانَ ، وَ أَبِي ذَرٍّ ، وَ الْمِقْدَادِ ، وَ عَمَّارٍ ، وَ هُوَ مَعَ ذَلِكَ يُبَاخِسُ فِي بَيْعِهِ ، وَ يُدَلِّسُ عُيُوبَ الْمَبِيعِ عَلَى مُشْتَرِيهِ ، وَ يَشْتَرِي الشَّيْءَ بِثَمَنٍ فَيُزَايِدُ الْغَرِيبَ يَطْلُبُهُ فَيُوجِبُ لَهُ ، ثُمَّ إِذَا غَابَ الْمُشْتَرِي قَالَ : لَا أُرِيدُهُ إِلَّا بِكَذَا ، بِدُونِ مَا كَانَ طَلَبَهُ مِنْهُ .أَ يَكُونُ هَذَا كَسَلْمَانَ وَ أَبِي ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادِ وَ عَمَّارٍ ، حَاشَ لِلَّهِ أَنْ يَكُونَ هَذَا كَهُمْ .وَ لَكِنْ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَقُولَ : إِنِّي مِنْ مُحِبِّي مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَ مَنْ يُوَالِي أَوْلِيَاءَهُمْ ، وَ يُعَادِي أَعْدَاءَهُمْ
1ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لو كان الدين عند الثُريَّا لناله سلمان) (2).
2ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (سلمان منَّا أهل البيت) (3).
3ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (سلمان منِّي، مَن جفاه فقد جَفَاني، ومَن آذاهُ فقد آذاني) (4).
4ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الجنّة تشتاق إليك ـ يا علي ـ وإلى عمّار، وسلمان، وأبي ذر، والمقداد) (5).
أقوال الأئمة ( عليهم السلام ) فيه: نذكر منهم ما يلي:
1ـ قال الإمام الصادق (عليه السلام): (أدرك سلمان العِلمَ الأوّل والآخر، وهو بَحرٌ لا ينزح، وهو منّا أهل البيت) (6).
2ـ قال الإمام الصادق (عليه السلام): (لا تَقُل: سَلمان الفَارِسي، ولكن قل: سلمان المُحمَّدي) (7).
3ـ روي أنّ سلمان الفارسي كان محدّثاً فسئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن ذلك، وقيل له: من كان يحدّثه؟ فقال: (رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين، وإنّما صار محدّثاً دون غيره ممّن كان يحدّثانه، لأنّهما كانا يحدّثانه بما لا يحتمله غيره من مخزون علم الله ومكنونه) (8).
4ـ قال الإمام الكاظم (عليه السلام): (إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين حواري محمّد بن عبد الله رسول الله (صلى الله عليه وآله)، الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه؟ فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر... ثم ينادى ساير الشيعة مع ساير الأئمّة (عليهم السلام) يوم القيامة، فهؤلاء المتحورة أوّل السابقين، وأول المقرّبين، وأوّل المتحوّرين من التابعين) (9).
موقفه من بيعة الإمام علي (عليه السلام):
كان سلمان أحد الذين بقوا على أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد وفاته، وكان من المعترضين على صرف الأمر عن علي (عليه السلام) إلى غيره، وله احتجاجات على القوم في هذا المجال، هو وأُبَيّ بن كعب.
رأيه (رضي الله عنه) في حفر الخندق: أشار سلمان على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحفر الخندق لما جاءت الأحزاب، فلمّا أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحفره، احتج المهاجرون والأنصار في سلمان، وكان رجلاً قوياً، فقال المهاجرون: سلمان منّا، وقال الأنصار: سلمان منّا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (سلمان منّا أهل البيت).
وفي ذلك يقول أبو فراس الحمداني:
كانت مودة سلمان لهم رحما ** ولم يكن بين نوح وابنه رحم
ولمّا رأى المشركون الخندق قالوا: هذه مكيدة ما كانت العرب تعرفها، فقيل لهم: هذا من الفارسي الذي معه.
توليه (رضي الله عنه) المدائن:
تولّى سلمان المحمّدي المدائن في خلافة عمر بن الخطّاب بأمر الإمام علي (عليه السلام) تقية.
ممّن روى عنهم: نذكر منهم ما يلي:
النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، الإمام علي (عليه السلام).
الراوون عنه: نذكر منهم ما يلي:
سُليم بن قيس الهلالي، أبو الأغر، أبو سعيد الخدري.
صلاته على جنازة الزهراء (عليها السلام):
قال الإمام علي (عليه السلام): (خلقت الأرض لسبعة بهم يرزقون، وبهم يمطرون، وبهم ينصرون: أبو ذر وسلمان والمقداد وعمّار وحذيفة وعبد الله بن مسعود)، ثمّ قال: (وأنا إمامهم، وهم الذين شهدوا الصلاة على فاطمة).
قال الشيخ الصدوق (قدس سره): معنى قوله: خلقت الأرض لسبعة نفر، ليس يعني من ابتدائها إلى انتهائها، وإنّما يعني بذلك أنّ الفائدة في الأرض قدّرت في ذلك الوقت لمن شهد الصلاة على فاطمة (عليها السلام)، وهذا خلق تقدير لا خلق تكوين (10).
وفاته (رضي الله عنه):
توفّي سلمان ( رضي الله عنه ) في 8 صفر 34 هـ، ودفن بالمدائن في جنوب العاصمة بغداد، وقبره معروف يزار.
تجهيزه (رضي الله عنه):
تولَّى الإمام علي (عليه السلام) غسله، والصلاة عليه، ودفنه، وقد جاء من المدينة إلى المدائن من أجل ذلك، وهذه القضية من الكرامات المشهورة للإمام علي (عليه السلام).
وقد نظم أبو الفضل التميمي هذه الحادثة، فقال:
سَمعتَ مِنِّي يَسيراً مِن عَجائِبه ** وكُلّ أمرِ عَليٍّ لَمْ يَزَل عَجَبا
أُدرِيتُ في ليلةٍ سَارَ الوصيُّ إلى ** أرضِ المَدَائِنِ لمَّا أنْ لَهَا طَلَبا
فَألحَدَ الطُّهرَ سلمَاناً وعَادَ إِلَى ** عراصِ يَثْرِبَ وَالإِصبَاح مَا قَرُبَا
كَآصِف لَم تَقل أأنت بَلى ** أنا بِحيدر غالٍ أورد الكَذِبا
ـــــــــ
1ـ أُنظر: معجم رجال الحديث 9/194، أعيان الشيعة 7/279.
2ـ الاستيعاب 2/636.
3ـ عيون أخبار الرضا 1/70.
4ـ الاختصاص: 222.
5ـ الخصال: 303.
6ـ الاختصاص: 11.
7ـ بحار الأنوار 22/327.
8ـ علل الشرائع 1/183.
9ـ الاختصاص: 61.
10ـ الخصال: 361
https://telegram.me/buratha