خضير العواد
لقد أمتاز رسول الله (ص) على كل ما خلق الله سبحانه وتعالى في جميع الصفات الحسنة حتى أصبح حبيب الله ، فقد عمل رسول الله (ص) ما لم يعمله جميع الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم أجمعين ، فلم يستطع أي نبي من 120 ألف نبي أو رسول من 25 رسول صلوات الله عليهم أجمعين أن ينشروا عبادة الله سبحانه وتعالى في أمة كاملة كما قام به رسول الله محمد (ص) ، فجميع الأنبياء والرسل أرسلوا الى أقوامهم وحتى أقوامهم في أغلب الأحيان بل جميعها لم تؤمن بالرسالة المرسلة إليهم فكانت نتيجتهم العذاب من الله كقوم عاد وصالح وثمود ولوط وشعيب وغيرهم من الأنبياء والرسول صلوات الله عليهم أجمعين وحتى أولي العزم من الرسل فنوح عليه السلام قد أرسل الى قومه ولبث فيهم 950 سنة ولم يستطع أن يهدي منهم إلا تسعة قال الله سبحانه ( ولقد أرسلنا نوحاً الى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً فأخذهم الطوفان وهم ظالمون)... (1) وكذلك إبراهيم عليه السلام فلم يستطع أن يهدي قومه فتركهم وهاجر من العراق الى بلاد الشام ، وأما موسى عليه السلام فقد بعث الى بني إسرائيل قومه وهم كانوا يعبدون الله ولكن طرأت بعض التحريفات على ديانتهم وكذلك أتى لينقذهم من عبودية فرعون وظلمه ، أما عيسى عليه السلام فقد بعث الى بني إسرائيل أيضاً وكانوا أيضاً يعبدون الله ولكن كثرت التحريفات في ديانتهم أدت الى إنتشار الفساد والظلم فيما بينهم فأرسل اليهم ليهديهم الى الطريق القويم ، علماً لم تكن المسافات الزمنية التي تفصل ما بين الرسل والأنبياء الذين سبقوا الرسول محمد (ص) طويلة بل كانت لا تتعدى عشرات السنين قال الله سبحانه وتعالى (ثم أرسلنا رسلنا تترى كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعداً لقوم لا يؤمنون )....(2) إلا الفترة التي سبقت رسالة خاتم الأنبياء كانت طويلة حيث أستمرت حوالي 570 سنة بعد ولادة نبي الله عيسى عليه السلام التي فيها تغير المجتمع جذرياً الى الشرك وعبادة الأوثان قال الله سبحانه وتعالى(يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير) ...( 3) ، ولكن بالرغم من ذلك فالرسول الوحيد الذي أرسل الى قومه وهم يعبدون الأوثان ويشركون بالله وهم أكثر الأمم جهالةً وتخلفاً وتمزقاً وضعفاً فتحمل منهم ما تحمل من الآذى بل أجهد نفسه بما يملك من طاقات من أجل هدايتهم حتى قال الله سبحانه وتعالى ( طه ، ما أنزلنا عليك القرأن لتشقى )...(4) وقال رسول الله (ص) (ما أوذي نبي مثل ما أوذيت ) .....(5) وهداهم الى الصراط المستقيم وبنى منهم مجتمعاً وأمةً قادت البشرية لمئات من السنين في كل المجالات هو الرسول محمد صلى الله عليه وأليه وسلم ، ولكن بالرغم من كل هذا العمل العظيم من أجل هدايتهم ونقلهم من عالم الجهالة والإنحطاط والعذاب والنيران الى عالم العلم والترقي والسعادة والجنان ، فكان جزاء هذا الرسول العظيم (ص) من أمته الجفاء بل العداء التي نتجة منها قتل أهله وتعذيبهم وتشريدهم فلم نسمع في تاريخ أمة من الأمم أن فعلت بأبناء وأهل نبيها كما فعلت هذه الأمة علماً لم يطلب منهم رسول الله (ص) أي جزاء لهدايتهم الى نور الحق إلا حب أهل بيته قال الله سبحانه وتعالى (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ).....(6) ، ولكن هذه الأمة لم تصبر ساعات حتى غصبت حقوق أهل بيته بل هجمت على دار أبنته الصديقة الكبرى سيدة نساء العالمين عليها السلام فأحرقوا بابها وكسورا ضلعها فلم تزل مريضة عليلة حتى ماتت عليها السلام وهو القائل فيها (ص) عن مجاهد أنه قال خرج النبي (ص) وهو أخذ بيد فاطمة ,فقال : (من عرف هذه فقد عرفها , ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد , وهي بضعة مني وهي قلبي , وهي روحي التي بين جنبي , من أذاها فقد أذاني , ومن أذاني فقد أذى ألله )...... (7) وغيرها من الأحاديث الكثيرة ، فلم تترك هذه الأمة من أهل بيته إلا وقتلته بالسيف أو السم كما في الحديث الشريف ( ما منا إلا مقتول أو مسموم) ....(8) وأجتهدت هذه الأمة في مواجهة أهل البيت ومعاداتهم وكأن رسول الله (ص) قد أوصاهم بذلك ؟؟؟ حتى قال بن عمر في قومه وأتباعه ( ما منا إلا خاذل أو قاتل ).... (9)، وحتى بعد قتلهم لم يتركوهم بل ذهبوا الى قبورهم ليهدموها وينبشوها ، وحتى أتباعهم ومواليهم لم يسلموا من هذه الأمة بل واصلوا فيهم القتل والتعذيب والإعتقالات والتشريد ، وما يعيشه أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام هذه الأيام من المآسي إلا حلقة من سلسلة الجفاء والعداء التي تكنه هذه الأمة لأهل بيت رسولها صلى الله عليه واله وسلم ، فما أعظمك يا رسول الله (ص) حيث حولت أجهل وأضعف أهل الأرض الى أعلمها وأقواها ، وما أجفاك أيتها الأمة عندما أدرت بظهرك الى رسولك الكريم الذي هداك الى طريق الله القويم الذي لا أعوجاج فيه وأظهرت له الجفاء والعداء.(1) سورة العنكبوت آية 14(2) سورة المؤمنون أية 44(3) سورة المائدة أية 19(4) سورة طه آية 1،2(5)مناقب آل أبي طالب ج3ص247، كشف الغمة ج2ص 537(6) سورة الشورى أية 23(7) نور الأبصار للشبلنجي ص52(8) كفاية الأثر- الخزاز القمي ص 162 ، منهاج الصالحين_ الشيخ وحيد الخراساني ج1 ص341(9) وضوء النبي (ص) - السيد علي الشهرستاني ج1 ص111
https://telegram.me/buratha