حسن الهاشمي
"فو الله لا تمحو ذكرنا"و لو أحيل الأمر إلي لنقشت هذه العبارة في كل كتاب سطرته يد البشرية، ونقشتها على كل تمثال نحته فنان، وصورة رسم ملامحها يراع رسام، وخطاب سبك وحبك مفرداتها خطيب مقدام، وقصيدة سطرها مبدع شاعر ولهان، ومقالة أردفها كاتب أديب همام، وعبارة نطق بها حكيم بل كل من يتسم بكلمة إنسان، هذه الكلمات حري بنا أن نكتبها بأحرف من ذهب، ونعلقها في أعلى عليين لعلها تنتقش في أذهان المصابين بعتمة الظلام ودهاليز النسيان، لماذا؟ لأن بيان الناس مهما بلغ من الدقة والرقة، ما يزال ألثغا من أن يتسع لجميع المشاعر والأفكار، إذا ما سطرت وليس فيها إبداع التقى وتقى الإبداع، وهذه وتلك تستقي استقامتها وتستوفي حقوقها ويستقيم عودها بهذه الكلمات التي أفرغت من تلك الخفرة الحوراء الإنسية التي تكون بحق تاجا على رؤوس جميع الكلمات والبيانات والخطابات من دون منازع... إن مواجهة الشدائد والمحن بالصبر والتوكل والإيمان لهي من سبل النجاة وطرق الخلاص، لمن أراد الوصول سالماً في سلك المؤمنين وساحل الناجين.. حيث نتخطى العقبات بكل حزم ورباطة جأش؛ لينهل الراضي ما ينهل من معين الرضا الإلهي اللا متناهي.. وبقراءة واعية للتأريخ، وما خط فيه من سير العظماء؛ نرى كيف اتخذوا من هذا الطريق مسلكاً لرضوانه عز وجل.. حيث أنهم قد اختطوا طريق الإستقامة وعبروه بكل جدارة وصلابة ورباطة جأش. ومن الضروري إزاء ما نمر به من ابتلاءات ومحن أن نتعرض إلى طريقة الحوراء زينب عليها السلام كيف إنها تخطت كل الخطوب واجتازت كل العقبات بقلب مفعم بالإيمان والصبر والتجلد، واستقبال القدر بروح ملؤه اليقين، ونفس مطمئنة بحكمة الرحمن.. وبرؤية معبرة لآيات القرآن العابقة، تستوقفنا هذه الآية لتكون لنا درساً بليغاً، ومعيناً لا ينضب بالصلابة أمام مواجهة البلايا وعدم الرضوخ للعصف مهما كان عاتيا، حيث أن الرضا بالقضاء والقدر والمواجهة الحكيمة لعواصف الدهور، لمن أهم سبل جلب الاطمئنان للنفوس، التي تضطرب لأدنى مكروه يحل بها.. (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا).. والحقيقة التي لا غبار عليها: أنه لن يصيبنا إلا ما فيه مصلحتنا.. فإذا التفت العبد إلى هذه النتيجة، هل يبقى له أدنى اضطراب في أحلك الظروف؟!..وقد ضربت العقيلة زينب (ع) أروع الأمثلة في الصمود والتصدي لعاديات وخطوب الزمان عندما قالت: (ما رأيت إلا جميلا)!.. حيث أنها ترى استشهاد أخيها جميلا؛ لأن الله تعالى شاء أن يراه قتيلا، وشاء أن يراهن سبايا.. ومشيئة الله تعالى هي بعينها الجمال وكلما شابه العذاب الدنيوي الزائل كلما ازداد ثباتا وتألقا وجمالا وخلودا، وإذا ما أردنا العزة والمنعة ما علينا إلا الإقتداء بالسيدة زينب (ع) حينما وقفت صامدة قوية في أحلك الظروف؛ لتعطي شيعتها ومحبيها درساً بليغاً في مواجهة التحديات بصبر وأناة ليس لهما مثيل على مر التاريخ.. وهكذا فبقوة العزيمة في تحمل المصائب؛ تتفتح أبواب الفرج، وترسل أنوار الأمل ضياءها، وتنسج ثياب الرحمة سرابيلها؛ لتعود الحياة تدب في عزيمتنا من جديد.فالبعض قد يوقعه سخطه في الكفر، ويبتعد عن دائرة الإيمان، ويخلد في لظى النيران؛ لجزعه وفزعه.. وأما البعض الآخر يعيش الصلادة في الإيمان لمواجهة المحن والأقدار؛ لينهل من معين الرضا الإلهي، ليستشعر حلاوة الصبر، وأنس المكابدة؛ ليفوز بالمعاينة الخالدة في الدارين.. أما حالة الوسطية ما بين الحالتين؛ فهو في شاطئ الرحمة والأمان إن تغلب على المشاكل والخطوب بنهاية المطاف ولو بالجملة، وفي حال التيه والخسران إن انجرف بالتيار من أول وهلة أو استدرج في ذلك بمرور وكرور الأيام.وعليه فالناس إزاء المشاكل والتحديات على طوائف: 1ـ فمنهم من يسخط بما يلاقيه من محن بالوهلة الأولى فهو من الهالكين.. 2ـ ومنهم من يصبر على دواهي ودوالي الزمان ولكن على مضض؛ فقد يكتب بذلك من الناجين.. 3ـ ومنهم من يرضى بالقضاء الإلهي؛ لأنه يرى الله عز وجل أولى بتدبير أموره من نفسه.. فوجوده بأصله فيض من الله تعالى، فضلا عما يحل به، فهذه الشريحة هي المؤمنة حقا وما يصل إليها إلا المعصومين أو من هم بمقامهم في الفضل والصبر والإيمان، ولا أعتقد إن العقيلة زينب عليها السلام بمواقفها البطولية تتخطى تلك الشريحة، بل هي من صلبها ومن معدنها الأصيل.
https://telegram.me/buratha