قال رسول الله صلوات الله عليه وآله ( لا يوم كيومك يا أبا عبد الله وقال حسين مني وأنا من حسين ). عالمية المشروع الحسيني في هذين الحديثين الشريفين تبرز في تفرد يوم أباعبدالله لا يوم كيومك وكون رسول الله من الحسين . واستجلاء ذلك يأتي من .
اولاً - في محاولة معرفاتية للفلاسفة لتوضيح مصاديق الحديثين الشريفين من خلال فهم روح النهضة الحسينية بعملية اسقاط التطبيقات الواقعية لبعض مفردات المشروع الحسيني على مضامين هذين الحديثين الشريفين بالإضافة الى قرأه حيادية عصرية وحوكمة النصوص التاريخية التي سجلت الاحداث والتداعيات المعروفة آنذاك تكشف بعمق ولو نسبي ،أن النهضة الحسينية شمولية وعالمية وسرمدية وخالدة متجددة ، كما استشعرنا من طروحات الفلاسفة ان في صفحة عاشوراء الامام الحسين عليه السلام ما ليس في غيره وفيه ما لا يتكرر، وهنا استبدل مفهوم الثورة بمفهوم النهضة لأن الثورة محدودة بعاملي الجغرافية والزمان .
ثانياً- عندما ننظر الى النهضة الحسينية الاصلاحية من زوايا المضامين والمفاهيم والأهداف تتبن أن ابعادها لا سبيل للإحاطة بها فنجدها متفردة .
ثالثاً- شاهد المعاصرون ليوم عاشوراء عام 61 للهجرة النبوية شاهدوا خوارق كونية وآيات اقترنت بمقتل الامام الحسين ولم تتكرر في التاريخ فكانت حدث منفرد. منها تقبُل السماء للدم الذي رمى به الحسين باتجاهها،ومنها كسوف الشمس في غير وقتها، ومنها تضطرب السماء وتمطر دم . وبعض هذه الايات شاهدها الخاصة فقط من ذوي البصيرة .فلقد اقشعرت اظلت العرش لفاضحة ما جرى على الإمام الحسين . وقد لا نجد تفسير للعلاقة بين ما بداء من ظواهر كونية وبين فضاحة الحدث في عرصات كربلاء عام 61 هـ لكن النقل المتواتر يؤكد اقتران هذه الظواهر بالحدث (ولا رأي لمن سمع ) فتكون قد مثلت صدأ الغضب الكوني الرافض لمقتل الإمام و دلت على غضب السماء لما يجري على أبن النبي الاعظم. وقد حدثنا القرآن الكريم عن مصاديق غضب السماء على اقوام تجاوز فسوقهم حتى بلغ الطغيان أذن العلمية عقلانية .
رابعاً- يُجمع كتاب ألطف وبعض المستشرقين على أن حجم ونوع تضحية الامام الحسين يوم عاشوراء أمر لم يتكرر وهو سر خلود وبقى عاشوراء حي كمفاهيم متحركة في ضمير الإنسانية لتحقيق المشروع العالمي (المجتمع الفاضل) فكان شعار الحسين الخالد (لم اخرج اشرا ولا بطرا بل لطلب الإصلاح ) هدف إنساني مشترك لكل الشعوب ومن المؤكد أن ادوات هذه الاصلاح كانت نظيفة جدا لأنها بأتباع سيرة جده وأبيه وبالأدوات الناعمة لكن توقف مفعول هذه الادوات في اصلاح مجتمع أنحرف كثيرا كانت من وراء قرار المنازلة العسكرية ، ثم أن الحسين لم ينثني عن المضي قدماً في تنفيذ فصول مشروع السماء لإقامة المجتمع الفاضل و تثبيت اهداف سفراء الرحمان وترسيخها في الارض وهي مترابطة فيما بينها ومترابطة مع حجم التضحية الواعية فمن لا ينجز من خلال الوسائل والآليات الناعمة فأن الحكم أللاهي يأذن بإراقة الدماء لتحقيقه حتى لا يخلوا الطريق امام سيف الباطل والبطش الجسدي من سيف الحق والعدل والإصلاح ، وأن كانت سرمدية مسيرة الاصلاح لا تستقيم بدون ان يتعرض الجسد الطاهر للإمام الى القتل والتمثيل وأن يضحي بالطفل ذو ستة اشهر والشيخ ذو التسعين ويكون جريان الاحداث في كربلاء كما جرت،فهو القائل يا سيوف خذيني ،وبذلك أسس الامام للفكر الثوري في تحقيق المجتمع الفاضل فكانت ملحمة كربلاء مصداق لهذا المفهوم ،وهذا من الواضحات تدل عليه الفصول والبرامج التي اشتملت عليها النهضة وشعارات وبرامج النظرية الاصلاحية الحسينية ، ويبقى هذا الفهم غير مكتمل ،لأن الفهم الحق الواقعي القطعي غير متيسر للسببين القصور الذي يلفنا كبشر والخلود المتجدد للأهداف التي جسدها مشروع الحسين الاصلاحي .
خامساً - تميز مشروع الحسين بتفرد من نوع آخر هو آليات تسويق المشروع والخطاب التسويقي ففي استراتيجية الحسين كما في التكتيك الاني ادوار متعددة ومهام لتسويق المشروع تم الاعداد لها منه وممن سبقه من المعصومين عليهم صلوات الله وسلامه ،وقد اوكل الحسين تنفيذ بعض فصوله للمعاصرين له ،وأبقى قسط ليس باليسير للأمة من بعده ولمن اقتدى بهم من احرار العالم مستمر الى يومنا الحاضر ،فما سوقه المعاصرون كان بخطب أصحاب الحسين امام اهل الكوفة في عرصة كربلاء ، وما بعد المعركة العسكرية نهض به الامام السجاد والسيدة زينب عليهم السلام ،حيث الخطاب المبين الذي كشف العتمة التي عمل عليها الاعلام الاموي أكثر من عشرين سنة وسلط الاضواء الكاشفة على تداعيات المرحلة وكانت الخطبة البليغة المؤثرة في مسجد الكوفة لمولاتنا زينب ولأختها أم كلثوم ثم الإمام السجاد في الشام ،والمساجلة الحوارية الرصينة والمركزة والحادة بين مولاتنا زينب و يزيد بن معاوية بحضور جمع من رجالات الدولة في الجامع الاموي ،وكانت جمعيها ذو بلاغة وفصاحة تدرس وتحلل مفرداتها ومضامينها الى اليوم وما كانت من اجل أن يستحسنها المؤرخون ،بل التوضيح الصادق والدقيق للأفعال المجسدة على صعيد كربلاء باعتبارها العلاج الاخير الذي لا بد منه لتقويم الانحراف الخطير المتمثل بالطغيان والظلم والاستعباد الاموي وكل السلبيات المترتبة عليه ،وكيف كان يهدد مستقبل الانسانية ومشروع السماء الذي كلف الله به رسوله الامين ،وأي حال ستكون عليه هذه الاساسيات لو لم يخرج الحسين ويشرعن الخروج المسلح على الظلم ،وهو لم يخرج اشرا ولا بطرا بل تلبية نداء أركان عقائدية مثل أقامة العدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حيث تطلب الامر التضحية التي ترون .ثم أن الخطاب الحسيني عرف النصر الحقيقي في بقى شريعة الرسول الاعظم حية متيسر تناولها للبشرية وبقى النضال متواصل متقد الجذوة عندما خاطب بني هاشم وأهل مكة (ومن تخلف لن يبلغ الفتح). ثم تتابع شرح مضامين وأهداف النهضة الحسينة من الموكلين بها .
كانت للممارسة الجهادية للسيدة زينب سلام الله عليها في تسويق المشروع الحسيني النصيب الاوفر في دوام ايصال الحقيقة الى الانسانية وفيه وصل نضال المرأة ودورها في بناء المجتمع الفاضل قمم العطاء وبلغت ذروتها البطولة والتضحية والشجاعة وترجيح الافضل والسيطرة على هوى النفس في طريق تحقيق اهداف السماء .
وهكذا يستوضح المتابع المتخصص مصاديق الحديثين الشريفين
1/5/131124
https://telegram.me/buratha