بقلم حازم عبد الجبار
لا شك أن مبدأ انحراف الاديان هو الانحراف عن مصادر التشريع في كل دين ، فما من دين الا وله مصادر للتشريع خاصة به ، وترك هذه المصادر او استحداث مصادر اخرى لم يقرّها هذا الدين ، هذا هو منشأ وبداية الانحراف والابتعاد عن الدين ومن تلك الآيات التي تشير الى هذا الخطر الكبير قوله تعالى : }اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ{.حيث قال الامام الصادق عليه السلام في تفسير هذه الآية : أما والله ما دعوهم الى عبادة أنفسهم ولو دعوهم الى عبادة أنفسهم ما أجابوهم ، ولكن أحلوا لهم حراما وحرّموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون . وقال الرازي : الاكثرون من المفسرين قالوا : ليس المراد من الارباب أنهم اعتقدوا فيهم أنهم آلهة العالم ، بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم .وكذلك نُقل أن عدي بن حاتم كان نصرانيا ، فانتهى الى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقرأ سورة براءة ، فوصل الى هذه الآية ، قال : فقلت : لسنا نعبدهم ، فقال صلى الله عليه وآله : أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ، ويحلون ما حرم الله فتستحلونه ؟! فقلت : بلى ، قال صلى الله عليه وآله : فتلك عبادتهم ..اذن الميزان في عدم انحراف الامة هو ان تعمل بمصادر التشريع من حيث امر الله عزّ وجل ، وما اتفق عليه بين المسلمين ان مصادر التشريع هي كتاب الله وسنة رسول الله(صلى الله عليه وآله)لأنه تعالى قال : { مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله } ،{ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى } أي ليس يتكلم بهواه وشهوته ، إنما يتكلم بما يوحي الله إليه { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحى }.وان الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) بعد ان دنى اجله نزلت عليه الاية المباركة ، }يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ{ وهذه الآية الشريفة المشهورة التي تُعرف بآية التبليغ تتحدث عن أهم مسألة وقضية في العالم الإسلامي بعد مسألة النبوّة، و تخاطب النبي الأكرم في أواخر عمره الشريف بإصرار بالغ أن يتحدث للناس بصراحة تامة عن مسألة الخلافة والخليفة الذي يليه، ويبيّن للناس تكليفهم الشرعي. وقد جمع الناس يوم غدير خم موضع بين مكة والمدينة بالجحفة وذلك بعد رجوعه من حجة الوداع ،وجمع الرجال ، وصعد عليها ، وقال مخاطبا : معاشر المسلمين ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا : أللهم بلى ، قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، أللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله .وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي»، ولم يرحل خاتم الاَنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ وقد اكتملت معالم الدين الاِسلامي الحنيف بأبعادها المختلفة (اليومُ أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الاِسلام ديناً) وبعد تمام الدين واكماله وتحديد الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم مصادر التشريع التي أمر بها الله تعالى، ليس ثمة أحد يمتلك حق الزيادة أو النقصان في أمر الدين القويم وشريعته السمحة، ومن يحاول ذلك فهو مبتدع ومفترٍ .اذن لسان حال رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : الرسالة سوف تستمر فيما تركته عندكم، وسوف أكون معكم وبينكم من خلال ما خلفته فيكم.........الخ ، وعليه اتضحت مصادر التشريع لدين الاسلام .الا انه ما حصل خلاف ذلك ؛ فقد تربى المسلمون على قبول كل ما يصدر من الخلفاء بعد الرسول الاكرم(صلى الله عليه وآله) وأصبحت اقوالهم وافعالهم حجة ، ودليل على الحكم الشرعي والاعتقادي ، حتى معاوية بن ابي سفيان قوله حجة عند عدة من المسلمين . وعليه دخلت كثير من البدع الى هذا الدين الحنيف ، فبدأ الاسلام ينتشر عنوان بدون محتواه الرباني . ولولا ثورة الامام الحسين (عليه السلام) لكانت سنة يزيد بن معاوية حجة الذي استنكف المسلمون أن يدخلوا تحت طاعة رجل مثله لا يؤمن بالله ولا بالرسول، ويحمل عقيدة الإلحاد والزندقة كما صرّح بذلك يوم قال: لَعِبتْ هاشمُ بالملك فلا***خَبَر جاء ولا وحي نزلْ ...، وكلما جاء خليفة أضاف الى الاسلام مجموعة من البدع في العقيدة ، فيصل الاسلام الى الاجيال اللاحقة وهو لا يمت للإسلام الحقيقي بصلة أصلا ، وهذا ما حدث للأديان السماوية الاخرى وللمسيحية بشكل خاص ، فلقد دخل مجموعة من اليهود في دين المسيح ظاهرا فحملوا رآيته وتعصبوا له ، إلى ان وصلت زمام الأمور بيدهم فانحرفوا بالمسيحية عن دين المسيح. وهذا الخطر هو الذي يخاف منه على الاسلام ، ولكن ببركة الحسين عليه السلام وثورته وشهادته رفع هذا الخطر عن الاسلام ، وأوجد خندقا بين التشريع والحجية وبين الخلفاء وائمة الضلال ، وأيقظ المسلمين من سباتهم وعرّفهم أن كل من أُطلق عليه لقب « الخليفة » أو « أمير المؤمنين » لا يمكن أن تكون سنته وسيرته حجة ومصدرا للتشريع ، إلا اذا كان هذا الخليفة منصوصا عليه من قبل الله تعالى والرسول صلى الله عليه وآله.ومن اثار ثورته عليه السلام هو توعية عامة الناس الى ان الاسلام الحقيقي هو غير ذلك السائد ، بل على العكس منه تماما ، حيث اثار سبط النبي صلى الله عليه وآله انتباه المجتمع آنذاك الى الاسلام الحقيقي لكي لا ينخدع بأقوال الظالمين الذين لا دين لهم ، والذين كانوا يطمسون حقيقة الاسلام باسم الاسلام ، وليعلموا أن الاسلام الحقيقي يعني التسليم لأمر الله ويتطلب ان لا يشرك معه أحداً في عبادته ، وان تكون الاطاعة منحصرة في الله ومن يمثله حقاً ، واظهر الحسين عليه السلام بثورته للجميع حقيقة الحبّ والتعلق الصادقين وأنّ من الواجب أن يتعامل الانسان بطهر في ساحة المحبّة ، ويطرد عنه كل ما هو اناني وذاتي ، وأن يقدم روحه على طبق الاحسان للمحبوب وعلى طريقه ،لذلك كان لدور الحسين أعمق الاثر في الاسلام ، وقد فسر بعضهم الحديث النبوي المشهور "حسين مني وانا من حسين " بمعنى أن بقاء الاسلام ورسوخه كان ببركة الحسين عليه السلام . لقد اختار الحسين عليه السلام موضع الهجوم على سلطة زمانه وكان منطقه منطق المتسابق على الشهادة، لقد أراد أن يبين للعالم أجمع هذا الرفض وهذا المنطق من صحراء كر بلاء، ولم يكن في حينه لدى الإمام عليه السلام لا قلم ولا قرطاس ليكتب نداءه ولكنه سجل النداء على صفحة الهواء الدائمة الاهتزاز، وقد خلد هذا النداء لأنه انتقل من صفحة الهواء إلى صفحات القلوب وأصبح عليها كالنقش لا يمحي إلى أبد الدهر، ففي كل عام وكلما يحل شهر محرم الحرام نرى الإمام الحسين عليه السلام يبزغ علينا نوره كالشمس الطالعة وتحيي ذكراه من جديد ويرن نداءه في الآذان إذ يقول:" خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما أولهني إلى أسلافي، اشتياق يعقوب إلى يوسف " وكذلك قوله عليه السلام: "ألا وأن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين ، بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة، يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت" ويعني الإمام عليه السلام بهذا الكلام ابن زياد الذي بعث إليه يخبره بين السيف والاستسلام الذليل، فأين الحسين عليه السلام من الاستسلام؟ هيهات فالله يأبى له ذلك ورسوله والمؤمنون.اذن الحُسين(عليه السلام) بثورته ضد الطغاة فقد احيى الاسلام المحمدي الاصيل بعد ان حاول اتباع الاهواء الدنيوية ان يسلِبوا هذا العنوان محتواه الرباني ، وبعدها فقد نَصع الاسلام الحقيقي امام العالم واتضح للإنسانية جمعاء الاسلام المزيف الذي اتخذوه طريقاً للوصول الى اهدافهم الدنيوية والتسلط على رقاب المسلمين ، والى هذا اليوم فأن الاسلام المحمدي الاصيل ينادي هيهات منّا الذلة ولن نركع الا للواحد القهار وهو الشعار الذي اتخذه الحسين عليه السلام لثورته في عاشوراء ، بخلاف الاسلام الاموي الفاسد الذي يرفع راية الاسلام من اجل التسلط على رقاب الجهّال، وجعل دويلاتهم الصغيرة قواعد لأمريكا واسرائيل، وهذا خزي لهم في الدنيا والاخرة . وعليه كل ما اريد ان اقوله بصوت عالٍ ان الاسلام محمدي الوجود حسيني البقاء . وبه يثبت المطلوب .
السلام عليك يا ابا عبد الله يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا..
https://telegram.me/buratha