قلة هم أولئك الذين يتسنّمون قمم الخلود والسمو والعظمة والانسانية، وقلة هم أولئك الذين ينفصلون عن آخر الزمان والمكان. ليكونوا ملكاً للحياة والانسان ونبراساٌ للحرية والعطاء والفداء لاعلاء كلمة الخالق المتعال.
أولئك القلة هم عظماء الحياة، وأبطال الإنسانية، ولذلك تبقى مسيرة الحياة، ومسيرة الإنسان، مشدودة الخطى نحوهم، وما أروع الشموخ والسمو والعظمة، إذا كان شموخاً وسمواً وعظمة، صنعه إيمان بالله، وصاغته عقيدة السماء.
من هنا كان الخلود حقيقة حية لرسالات السماء، ولرسل السماء، ورجالات المبدأ والعقيدة... وفي دنيا الاسلام المحمدي الاصيل، تاريخ مشرق نابض بالخلود... وفي دنيا الإسلام، قمم من رجال صنعوا العظمة في تاريخ الإنسانية، وسكبوا النور في دروب البشرية.
وإذا كان للتاريخ أن يقف وقفة إجلال أمام أروع أمثولة للشموخ... وإذا كان للدنيا أن تكبر لأروع تضحية سجلها تاريخ الفداء... وإذا كان للإنسانية أن تنحني في خشوع أمام أروع أمثولة للبطولة... فشموخ الحسين وتضحية الحسين، وبطولة الحسين، أروع أمثلة شهدها تاريخ الشموخ والتضحيات والبطولات.
الامام الحسين بن علي (عليهما السلام) قمة من قمم الإنسانية الشامخة، وعملاق من عمالقة البطولة والفداء.
فالفكر يتعثر وينهزم، والتعبير يتلكأ ويقف أمام إنسان فذّ كبير كالامام الحسين (ع)، وأمام وجود هائل من التألق والإشراق، كوجوده (ع)... وأمام إيمان حي نابض، كإيمانه(ع) ... وأمام سمو شامخ عملاق كسمو الامام الحسين (ع)... وأمام حياة زاهرة بالفيض والعطاء كحياته المبارکة..
إننا لا يمكن أن نلج آفاق العظمة عند الامام الحسين (ع)، إلا بمقدار ما نملك من بعد في القصور، وانكشاف في الرؤية، وسمو في الروح والذات... فكلما تصاعدت هذه الأبعاد، واتسعت هذه الأطر، كلما كان الانفتاح على آفاق العظمة في حياة الامام الحسين (ع) أكثر وضوحاً، وأبعد عمقاً... فلا يمكن أن نعيش العطاء الحي لفيوضات الحسين (ع)، ولا يمكن أن تغمرنا العبقات النديّة، والأشذاء الرويّة، لنسمات الحياة تنساب من أفق الحسين (ع).
ولا يمكن أن تجللنا إشراقات الطهر، تنسكب من أقباس الحسين (ع).. إلا إذا حطمت عقولنا أسوار الانفلاق على النفس، وانفلتت من أسر الرؤى الضيقة، وتسامت أرواحنا إلى عوالم النبل والفضيلة، وتعالت على الحياة المثقلة بأوضار الفهم المادي الزائف.
فيا من يريد فهم الامام الحسين (عليه السلام)، ويا من يريد عطاء سيد الشهداء، ويا من يتعشق نوره المبارك ويا من يهيم بعلياء أبي الأحرار (ع)، افتحوا أمام عقولكم مسارب الانطلاق الى دنيا آبي عبد الله الحسين (ع) ، اكسحوا من حياتكم أركمة العفن والزيف، حرّروا أرواحكم من ثقل التيه في الدروب المعتمة، عند ذلك تنفتح دنيا الامام الحسين (ع)، وعند ذلك تتجلى الرؤية، وتسمو النظرة، ويفيض العطاء، فأعظم بإنسان.. جدّه محمد(صل الله عليه وآله وسلم) سيد المرسلين، وأبوه الامام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام) بطل الإسلام الخالد، وسيد الأوصياء، وأمه الزهراء فاطمة (عليها السلام) سيدة نساء العالمين، وأخوه السبط الامام الحسن بن علي (ع) ريحانة رسول الله (ص)، نسب مشرق وضّاء، ببيت زكي طهور.
في أفياء هذا البيت العابق بالطهر والقداسة، ولد سبط النبي محمد (ص)، وفي ظلاله إشراقة الطهر من مقبس الوحي، وتمازجت في نفسه روافد الفيض والإشراق، تلك هي بداية حياة السبط الحسين، أعظم بها من بداية صنعتها يد الرسول محمد والوصي علي وخيرة النساء فاطمة (صلى الله عليهم أجمعين)، وأعظم به من وليد، غذاه فيض رسول الله محمد (ص) وروي نفسه إيمانأمير المؤمنين علي (ع)، وصاغ روحه حنوسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع)، وهكذا كانت بواكير العظمة تجد طريقها إلى حياة الوليد الطاهر، وهكذا ترتسم درب الخلود في حياة السبط الحسين.
فكانت حياة الامام الحسين بن علي (عليهما السلام) زاخرة بالفيض والعطاء، وكانت حياته شعلة فرشت النور في درب الحياة، وشحنة غرست الدفق في قلب الوجود
26/5/13117
https://telegram.me/buratha