. الشيخ عبد الحافظ البغدادي بسم الله الرحمن الرحيم{ ولقد آتينا لُقمان الحِكمةَ أن اشكر للِه ومن يشُكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فان الله غني حميد} لقمان 12المقدمة :..... اسم لقمان الحكيم اشتهر من خلال القران الكريم , كما اشتهر اسم علي بن أبي طالب(ع) في العدل والحق, وكما اشتهر اسم حاتم الطائي في الكرم من خلال القصص التاريخية ... غير إن التاريخ لم يكتب عن لقمان كما كتب عن علي (ع) وعن حاتم الطائي , حيث تتبع المؤرخون قصصهم وحياتهم ومآثرهم لغاية مماتهم , بينما لقمان الحكيم ذكره القران الكريم فقط.. ادخله القران في ذاكرة الناس , وخصص النبي الكريم (ص) اسما لسورة كاملة باسمه , فمن هو هذا الرجل وما هي ترجمة حياته..؟؟ اسمه لقمان بن عنقاء بن سدون, ويقال لقمان بن ثاران كما يقول السهيلي عن ابن جرير . قال السهيلي وكان{ نوبيا من أهل آيلة} وكان رجلا صالحا كثير العبادة وله حكمة وكلام مؤثر حتى وردت اغلب كلماته في سورة لقمان انزلها الله على نبيه ليبينه للناس كمشروع أخلاقي تعليمي اجتماعي وحكمه عظيمة تصلح لكل جيل ,ويقال : كان قاضيا في زمن داود عليه السلام , بينما يقول سفيان الثوري عن ابن عباس قال : كان عبدا حبشيا نجارا يعمل بالأعمال الصناعية في صناعة القوارب والمواد الداخلة في مادة الخشب ....وقال قتادة : عن عبد الله بن الزبير قلت لجابر بن عبد الله : ما انتهى إليكم في شأن لقمان قال كان قصيرا أفطس من النوبة .أما يحيى بن سعيد الأنصاري قال : كان لقمان من سودان مصر ذو مشافر أعطاه الله الحكمة ولم يعطيه النبوة.من هنا يتبين إن الرجل في اغلب الروايات انه حبشيا زنجيا ...جاء رجل أسود إلى سعيد بن المسيب يسأله فقال له سعيد : لا تحزن من أجل أنك أسود ، فإن لقمان الحكيم كان أسوداً نوبيا ذا مشافر . قال الأعمش كان لقمان عبدا أسود عظيم الشفتين مشقق القدمين وفي رواية مصفح القدمين وقال : عمر بن قيس كان عبدا أسود غليظ الشفتين مصفح القدمين فأتاه رجل وهو في مجلس أناس يحدثهم فقال له : ألست الذي كنت ترعى معي الغنم في مكان كذا وكذا ؟ قال : نعم ,قال : فما بلغ بك ما أرى ؟ قال : صدق الحديث والصمت عما لا يعنيني .وفي رواية عن أبي حاتم إن الله رفع لقمان الحكيم لحكمته فرآه رجل كان يعرفه قبل ذلك فقال ألست عبد بن فلان الذي كنت ترعى غنمي بالأمس قال : بلى قال : فما بلغ بك ما أرى ؟ قال : قدر الله وأداء الأمانة وصدق الحديث وترك ما لا يعنيني .... وقف رجل على لقمان الحكيم فقال : أنت لقمان... أنت عبد بني الحسحاس.؟؟ قال : نعم قال : فأنت راعي الغنم الأسود..؟؟ قال : أما سوادي فظاهر فما الذي يعجبك من امرئ قال : وطء الناس بساطك وغشيهم بابك ورضاهم بقولك , قال : يا ابن أخي إن صنعت ما أقول لك كنت كذلك ...قال : ما هو ؟ قال لقمان : غض بصري ، وكف لساني ، وعفة مطمعي وحفظي فرجي وقيامي بعدتي ووفائي بعهدي وتكرمي ضيفي وحفظي جاري وتركي ما لا يعنيني فذاك الذي صيرني كما ترى.وقد ذُكر في محفل أعراب يتفاخرون , وحيث هو اسودا نوبيا ولكنه يذكر لكثرة فضائله فقال عنه أبو الدرداء :..ما أوتي عن أهل ولا مال ولا حسب ولا خصال ، ولكنه كان رجلا صمصامة سكيتا , طويل التفكر عميق النظر لم ينم نهارا قط ولم يره أحد يبزق ، ولا يتنحنح ، ولا يبول ولا يتغوط ولا يغتسل ، ولا يعبث ، ولا يضحك ، وكان لا يعيد منطقا نطقه إلا أن يقول حكمة يستعيدها إياه أحد وكان قد تزوج وولد له أولاد ، فماتوا فلم يبك عليهم وكان يغشى السلطان ، ويأتي الحكام لينظر ويتفكر ويعتبر فبذلك أوتي ما أوتي ومنهم من زعم أنه عرضت عليه النبوة فخاف أن لا يقوم بأعبائها فاختار الحكمة لأنها أسهل عليه ( هذا الرأي غير دقيق , وفيه مبالغة واضحة , لان الله تعالى اختار ملائكته ورسله واصطفاهم على العالمين ) لذلك يأتي من يكتب عن مزايدات لا داعي لها في مبالغة لا تغني ولا تسمن من جوع... نعم هو يمتلك الحكمة والمشهور عن المفسرين أنه كان حكيما وليا ولم يكن نبيا وقد ذكره الله تعالى في القرآن فأثنى عليه وحكا من كلامه فيما وعظ به ولده الذي هو أحب الخلق إليه ، وهو أشفق الناس عليه فكان من أول ما وعظ به أن قال(( يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)) فنهاه عن الشرك بالله وحذره منه. ولما نزلت " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم " شق ذلك على أصحاب رسول الله {ص} وقالوا : أينا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ فقال رسول الله {ص} إنه ليس بذاك ألم تسمع إلى قول لقمان ؟.... " يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم " ثم بين لولده قدرة الله وإحاطته بالكون وسرعة حسابه لأنه سريع الحساب,((يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ))... ينهاه عن ظلم الناس ولو بحبة خردل فإن الله يسأل عنها ويحضرها في حوزة الحساب ويضعها في الميزان كما قال تعالى:(إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ )) وقال تعالى (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ) هذا الظلم لو كان في القلة والحقارة كالخردلة .. ولو كانت في جوف صخرة صماء لا باب لها ، ولا فتحة لها ... أو وقعت في مكان من ظلمات الأرض أو السماوات في اتساعهما وامتداد أرجائهما يعلم الله مكانها .. (إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) أي علمه دقيق فلا يخفى عليه الذر مما في السماء وداخل الأرض ( وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) ..... ورد في الكافي عن هشام بن الحكم قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر{ع} يا هشام إن الله قال { ولقد آتينا لقمان الحكمة} لأنه أعطاه الفهم والعقل ..ما المقصود من الفهم والعقل..؟ الفهم ورد في القران الكريم في سورة الأنبياء { ففهمناها سليمان} حيث جعل الله له قوة الإدراك للمعنى في القول والعمل , أحيانا يشعر الإنسان بالخوف في داخله من أمر قبل حدوثه, ذلك لأنه استقرا الحوادث ففهمها ...الآن بعض الناس لا يدرك ولا يفهم بل توصيه بوصيه فلا يعيها, ويردد شعارات أعداء الدين , ويتحمس لموقفهم وهو لا يعلم ماذا يجري حوله وماذا يخطط أعداء الدين وكيف امتدت قوتهم في الوطن الإسلامي بالأعلام المضلل , لا زال لحد الآن يعتبر ما يردده الإعلام صحيحا ويتخذ موقفا متوافقا معه... هذا اكبر مشكله اجتماعية لأنه لا يستقرا ولا يفهم ما يدور حوله.. والمشكلة إذا حاولت أن تفهمه يعتبرك عدوا له وليس ناصح.. ربما تستوضح له الرؤيا بعد أن يقع الفأس في الرأس .. اقرب لك المعنى لتوضيح النقطة رغم علمي بوضوحها .... المؤمن المتدين الملتزم بالتعاليم الدينية , بكل الفروع , صلاة وصوم وحج , وعرف العبادات على نحو أجمالي , هذا لا يعني انه يعرف الفروع الدينية كالدارس في الحوزة بشكل صحيح , وأصبح قادرا على التوصل لفهمها وتوضيحها بعللها وأسباب تشريعها والدليل عليها وأحكامها.. هذا المتدين كالمريض إذا أصيب بعارض صحي , وراجع طبيبا عنده خبرة وتمكن من معالجته واخبره إن سبب العارض القضية الفلانية , وتتبع إرشاداته وأصغى إلى توجيهاته , مع هذا لا يمكن للمريض أن يدعي انه أصبح قادرا على علاج الآخرين وتشخيص العلاج حتى لنفسه .. السبب { لأنه غير فاهم علم الطب } كذلك المواطن المتلقي للأخبار والحوادث لا يمكنه ربط الحوادث والإحاطة بالمؤامرات والإشاعات الإعلامية , اليوم في الساحة الإعلامية فضائيات متخصصة لفتنة وإثارة الحرب الطائفية , وأشهرها وضوحا الجزيرة والشرقية والرافدين .. أما فضائيات الحركة الوهابية فلا حديث ولا برامج ثقافية عندهم سوى القتل والفتنة . لذلك يقول الإمام الكاظم لهشام : رزق لقمان الفهم والعقل.. هذا أعظم رزق من الله وسط هذه الفوضى .....والعقل هي القوة التي تتقبل العلم ... لذلك قوة العقل تقاس بمقدار ما يكتبه العقل في الذاكرة { يسموه المناطقة حضور الشيء في الذهن } وإلا ما قيمة ما يقراه الإنسان أو يسمعه ثم يمحى بعد دقائق..!! لذلك تميز لقمان بالفهم والعقل ... وهذا يبين قوة الفهم والعقل عند النبي {ص} في قوله تعالى { سنقرؤك فلا تنسى} ورد في الميزان قصة عنه ذكرها في الجزء 16 عن ابن عمر عن رسول الله{ص} قال: حقا لم يكن لقمان نبيا , ولكنه كان عبدا كثير التفكر وحسن اليقين .. أحب الله فأحبه الله ومن عليه بالحكمة ... ثم يقول : كان نائما في نصف النهار إذ جاءه النداء يا لقمان هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس بالحق ..؟ أي يعطيك سلطة حاكمة على الناس.. فأجاب صوت المنادي .. إن خيرني الله قبلت العافية.. ولم اقبل البلاء .. وان عزم علّي فسمعا وطاعة فاني اعلم إن فعل ذلك عصمني وأعانني ... فقالت الملائكة بصوت لا يراهم , لم يا لقمان ..؟فقال: لان الحكم اشد المنازل يغشاها الظلم من كل مكان .... فان وفى الحاكم فبالحري أن ينجو , وان أخطا فقد أخطا طريق الجنة, ثم قال من يكن ذليلا في الدنيا وشريفا في الآخرة خير من أن يكون في الدنيا شريفا وفي الآخرة ذليلا فعجبت الملائكة من حسن منطقه .. فنام نومةً فأعطي الحكمة فانتبه وهو يتكلم بها.. وكان يؤازر النبي داود {ع} في حل بعض أموره المستعصية فقال له طوبى لك يا لقمان أُعطيت الحكمة وصرفت عنك البلوى ... ويعني بلوة الفتيا والفصل بين الناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر....... إذن الآية الكريمة تقول انه رُزق من الله الحكمة , فما هي الحكمة..؟؟ , يستفاد من الكلمة إنها المعرفة النافعة للإنسان بذاته وللمجتمع , لان العلم إذا شح به صاحبه عن الناس تكون عواقبه سيئة جدا على العالم يقول النبي {ص} " إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه , وإلا فعليه لعنة الله وملائكته والناس أجمعين" والبدع تعني كل ما هو زيادة أو نقص في الدين , وأنت ترى عزيزي القارئ المستحدثات المبتدعة في العالم الإسلامي التي أرهقت المسلمين وجعلت وحدتهم ممزقة , يقتل بعضهم بعضا , ويُكفرُ بعضهم بعضا ... يستخدم الأدباء كلمة الإبداع في إنتاجهم الأدبي " باعتبار انه ليس له احتذاء من غيره, فيكون الأديب هو من أنتج وصلة أدبية في الشعر والقصة أو الفن , فيسمى أبداع , وهو شيء جديد يضيفه إلى عالم الأدب, ولذلك البدعة شيء جديد خارج عن العقيدة الإسلامية والشارع المقدس يدخله بعض الناس في الدين , لذا وقف الرسول {ص} موقفا متشنجا من البدع في الدين , والآن تظهر لدينا بين فترة وأخرى مبتدعات في الدين من صنع الغرب وإسرائيل , مثل كثرة حالات الزواج الجديدة , في الوقت الذي قر الإسلام أربعة حالات هي الزواج الدائم والمؤقت وملك اليمين وزواج الآمة, اختلف المسلمون في اثنين واتفقوا في اثنين ,وعندهم بحوث كثيرة في تفاصيلها .. ثم جاءت موجة البدع في الزواج الحديث فأصبحت عناوينها الجديدة عديدة .. وكذلك صلاة الجماعة التي روعي فيها وحدة المسلمين واجتماعهم ,وضرورة اختيار الإمام العادل عند الأمامية , وحسن القراءة وصحة النسب والأيمان والبلوغ والعقل ... غير إن الغرب ابتدع صلاة جماعة بإمامة امرأة يصلي الرجال والنساء باختلاط خلفها في مسجد في أمريكا .!! هنا الحكمة والعلم يلعب دوره الكبير في الحفاظ على وحدة الأمة , والثبات على الدين " اللهم ثبتني على دينك ما أبقيتني ولا تزغ قلبي بعد إن هديتني , وهب لي من لدنك رحمة , انك أنت الوهاب " هذا يحتاج إلى علم وحكمة ويحتاج رجل دين يمتلك علما وتقوى وورعا وخوفا من الله ..لان انجرار العالم وراء مصالحه , أو وقوفه وراء السلطان الجائر يؤدي بالأمة إلى كارثة ... الآن رجل دين معروف في بلد خليجي بيته على بعد كيلو متر واحد من القاعدة الأمريكية في عاصمة تلك الدولة , لم يلتفت لهذا الحاكم الظالم رب نعمته الذي أباح كل محظور ديني ووطد علاقته مع إسرائيل علنا , ويتآمر على الإسلام بعلانية مدعومة من كل رجعية العالم والمنطقة... ولكن بدلا أن يأمر هذا الشيخ بالمعروف وينهى عن المنكر , بدلا من أن يحقن دماء المسلمين , أصبح هو فتنة الزمان , وفتاواه تهرق دماء المسلمين في مصر وسوريا والعراق وغيرها ... هنا العلم النافع من العلم الذي يلعنه رسول الله{ص} " حتى نعرف حقيقة الإسلام يجب أن نرجع إلى القران الكريم , والى الرسول {ص} لأنهما حقيقة مصدر الإسلام , ولا اسمع نقدا من فلان وفلان ضد الإسلام " هذا يقول إن الإسلام يشجع الإرهاب , وذاك يقول الإسلام يبيح القتل , هذه كلها بدع دخلت في الإسلام رعاها وشجعها كل ملوك وزعماء المصالح السياسية في تاريخ الإسلام ... جاءت بعد الحكمة كلمة " أن اشكر لله" ما هو الشكر ..؟ وهل يجوز أن اشكر غير الله إذا أعطاني شيئا باعتبار إن الشكر جسر من جسور التواصل الاجتماعي.. الشكر معناه تصور النعمة وإظهارها , ومعناها الحقيقي هو الكشر ومعناه الإظهار , إذا كشرت فاني اظهر ما في نفسي من فرح وسرور او حقد وانتقام , فيكون الشكر تصور النعمة وإظهارها لان الله يحب أن يرى نعمته على عبده , ومقابل الشكر والعرفان , الكفر بنعمة الله وعدم الاعتراف بها , جحودها وسترها ... والشكر على ثلاث أنواع..اولا: شكر القلب ومعناه ان تتصور الروح والعقل عطاء الله ورحمته ورزقه وما يتمتع به الإنسان , هذا التفكر هو نوع من الشكر ...والثاني شكر اللسان : وهو التعبير باللسان عن العطاء للمحسن , فيكون الإنسان مشتركا مع الخالق لان المجتمع يساعد بعضه بعضا , وتتوقف احتياجاته على بعض الناس وحين يؤديها لك أخوك الإنسان فانه يحتاج منك الشكر , وأشرك الله تعالى الوالدين ببعض الفضل الذي يستحق عليه الشكر, فقال:" أن اشكر لي ولوالديك .. الثالث شكر الجوارح : هو شكر حيث يترجم الإنسان عبوديته لله كل عبادة خالصة دون رياء ولا تعالي . يشعر بعبوديته فيؤدي شكره للذي انعم عليه ,{ إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا } ويصف إبراهيم ونوح {ع} بقوله تعالى لإبراهيم { شاكرا لأنعمه } النحل 121 ولنوح { انه كان عبدا شكورا}الإسراء 3.. وهناك التفاتة رائعة في هذا المجال .. حين يصف رب العزة الانبياء بالشكور لنوح , وشاكرا لأنعمه لابراهيم فانه يبين عظمة الشكر والتوجه القلبي واللسان والجوارح وكل شيء لله , فذكرهما في القران بالشاكِريَن .. ولكنه حين يذكر قصة التصدق في سورة الإنسان ( الدهر ) يشكر علي بن أبي طالب على فعله فيقول :{ وكان سعيكم مشكورا} ولم يقل الله لأي من أنبيائه هذه الكلمة , وهي ليست امتياز او مغالاة منا في شرح هذا المعنى , ولكن هذا الرجل حاول أعداءه أن ينسفوا فضائله وان لا يوصلونها إلى الناس , بل يقتل الذي يتحدث بهذا الحديث ...يذكر الشعبي رواية عن الحجاج بن يوسف الثقفي . يقول: دعانا الحجاج في يوم افتتاح واسط حين اسسها وسط العراق , وكان يوم عيد الاضحى , وحين اسطف الناس والشخصيات في مجالسهم , كان مجلس الى جوار الحجاج تماما, باعتباره من علماء البلاط الأموي ووعاظهم , فجاء مدير الشرطة وهمس في إذنه , إن الشرطة قبضوا على امرأة تقول بتفضيل علي بن أبي طالب (ع) على الخلفاء ... يقول الشعبي امتعضت لان الحجاج سيقتلها في صبيحة يوم العيد , ويتحول الفرح إلى قتل ودماء , ولكن من الذي يمكنه أن يتحدث معه في مثل هذه الجرائم ( الولائية لعلي) فأُحضرت بين يديه تتوكأ على عصا , وقد أحنت السنون ظهرها .. فقال لها أنت تقولين بتفضيل علي بن أبي طالب {ع} على الخلفاء الثلاثة ..؟ , قالت كذب من قال ذلك , بل أن تفضيله من الله على بعض الأنبياء في أمور يذكرها القران .. فبهت وفتح أحداق عينيه على سعتها , والتفت الّي متعجبا .. ثم عاد إليها وسألها , أي الأنبياء قالت كل الأنبياء سوى محمد (ص) الذي هو نفسه ... قال تجيبيني عن هذه النقطة من كلام الله وألا سيكون مصيرك القتل .!! قالت أي منهم تريد ..؟؟ قال : ما فضله على ادم ..؟ قالت قوله تعالى { فعصى ادم ربه فغوى} وقال عن علي { وكان سعيكم مشكورا} فهل ترى تفاضل أو لا تراه ..؟ قال وما فضله على إبراهيم ..؟ قالت إبراهيم يقول لله تعالى {وإذ قال إبراهيم رَب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي }البقرة 260 وعلي يقول: { والله لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا } يعني لو رأيت الله تعالى جهرة .. أيهما أكثر يقينا..؟؟ فسكت الحجاج ...ثم سألها ما فضله على نوح ..؟ قالت زوجة نوح ولوط يذكرهما القران { وضرب الله مثلا للذين كفروا زوجة نوح وزوجة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما} ويعني الخيانة العقائدية لأننا لا نقول بتاتا ولا ننبز أعراض الأنبياء بخيانة , ومن يتهمنا بأي قضية تنال أي زوجة من زوجات الأنبياء بسوء او شتائم او أي ما يسيء لعرض النبي (ص) فانه يرى ذلك في نفسه ... بينما الحديث في فاطمة {ع} ( ان الله يرضى برضاها ويغضب لغضبها) فهل ترى مقارنة بين زوجاتهم ... فسكت .ثم سألها : وما فضله على سليمان (ع) قالت سليمان يقول لله تعالى { هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي } وعلي يقول للذهب والفضة ( يا صفراء يا بيضاء غري غيري) .... يقول فيه احد الشعراء ... وقد عهدناه والصفراء منكرة لعينه.. وسواها عنده لهب .. ما قيمة الذهب الوهاج عند يد ... تساوى الكل بها التبر والترب, .. قال : وما فضله على موسى..؟ قالت : لما أمر الله موسى أن يحارب قوم فرعون , قال { ربي نجني من القوم الظالمين , وعلي حين أَمرهُ رسول الله أن يبات في فراشه ليلة الهجرة قال : أتسلم يا رسول الله ..؟ قال {ص} نعم .. قال علي إذن لا أبالي .. ونزل فيه { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله } هل ترى فرقا في الموقفين يا حجاج ..؟ قال لها وما فضله على عيسى ..؟ قالت الله عاتب موسى ليظهر تفاهة رأيهم فيه وفي أمه ,حيث قال: { يا عيسى ابن مريم أنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله قال سبحانك} وعلي بن أبي طالب اعتبره المخرفون إلها , فعاقبهم بنفسه ولم يعاتبه الله ولا رسوله بذلك ... فقال أخرجوها .. إذن الشكر لله يتكون من ثلاث مراحل وفي الآية المشار إليها في لقمان نوع من التعليم والتربية أن يشكر بلسانه ويترجمها قلبه وعبادته الروحية والجسدية , لان الشكر بحقيقتها وضع النعم في مواضعها التي يجب ان يشير لها المُنعم عليه , وهو نوع من أنواع الإيفاء لله تعالى , فتكون نتائجه كبيرة وظاهرة على الإنسان والجماعة لو تمسك بها الناس , لاننا مهما شكرنا فإننا نحتاج الى شكر على الشكر كما يقول الإمام زين العابدين{ع} يقول تعالى { لئن شكرتم لازيدنكم }.. مقابل الشكر التكبر لذلك جاءت الآية توضح هذا الخلق السيئ , والتكبر داء يقع فيه الإنسان فيرى نفسه وجسده وثوبه وبيته أفضل من جميع الناس .. وجه التكبر والازدراء عند أهل اللغة يسمى الصعر { ولا تصعر خدك} : أصل الصعر داء يأخذ الإبل فتصاب في أعناقها فتلتوي رؤوسها وتصبح غير سوية في المشي ..فشبه القران الرجل المتكبر الذي يميل وجهه كالبعير المريض إذا كلم الناس أو كلموه يتحدث لهم مصعرا خده يرى نفسه أفضل منهم , هذه العادة كانت عند كثير من العرب وقد شذبها الإسلام .. خاصة أثناء جلوسهم في محفل عام يعتبر كل واحد منهم مكانه يمثل شرفه فيتحسس حين يجلس في مكان خلف غيره , هذه عند كل الرؤساء والشخصيات ,حيث يترك مكانه فارغا لا يجرا احد أن يجلس فيه .. بينما كان يجلس رسول الله في أي مكان في المسجد , ولما يدخل أعرابي يسألهم .. أيكم محمد .؟ ... ومن الروايات في هذا الجانب إن النبي جلس يوما في جانب من المسجد عند (أصحاب الصفة) فتجمعوا عليه فرحين بجلوسه بين الفقراء , فجاء ثلاثة من المهاجرين ممن حضروا بدرا واحد , وقفوا لان المكان مكتظ ولا يسع لرجل واحد , فتحرج النبي {ص} من تصرفهم .!! فنزلت الآية الكريمة تهذب جلوس الناس وتعلمهم الخلق الرفيع { يا أيها الذين امنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل لكم انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين امنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } .. وقد حرص القران في تربيته للمسلم ان يدخل في تفاصيل بالغة الدقة , فجعل لقمان من الحكماء ونقل تفاصيل حياته وكلامه إلى الناس ..ومن روائع الكلم أقوال رسول الله{ص} وتعليمه لامته في كل حياته وتصرفاته كانت أعلى من أي نبي وولي , فخاطبه رب العزة { وانك لعلى خلق عظيم } كان يبين للأمة كل ما يصلح دنياهم وأخرتهم حتى لا ينحرفوا نحو الكفر والشرك والصراع على حطام الدنيا.. ووقف ولده الحسين بن علي {ع} من بعده يذب عن دين جده بالدم والمال حتى نال الشهادة في يوم عاشوراء .. يقول إنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي ....
https://telegram.me/buratha