عدنان السريح
الى المظلوم الاول في العالم : إن الناس خذلوا رسول الله بعد وفاته، وكان الخذلان يمر من مرحلة إلى مرحلة أشد، بدءاً من منع أمير المؤمنين علي عليه السلام من إستلام الحكم، ثم ظهر بشكل قاسٍ جداً، عندما تفرد الأعداء بالإمام الحسين عليه السلام، إلى أن إستشهد ومن معه، واستمر الخذلان والتقاعس إلى أن جاء وقت الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، وكان الخطر عليه وهو جنين، وهو في بطن أمه، ولهذا بدأت الغيبة من حين إنعقاد النطفة، وخفى أمر حمله على الملأ كلهم، ولهذا إختلفنا وُلِدَ أم لم يولد؟ واستمر، وكان ظهوره نادراً، وبدأت الغيبة الصغرى، ثم الغيبة الكبرى، في الروايات أنه لماذا غاب الإمام؟ من المعروف وهذا أمر يذكره علماؤنا كلهم، يخاف القتل، إذا كان يخاف القتل فلماذا لم يظهر؟ وإن قتل؟ ما يقوله علماؤنا، وهذا أمر يحتاج إلى تدقيق، طبعاً أنا شخصياً أؤمن بهذا لكلام، ولست في مورد إثبات له، فلو كان هناك بديلاً في طول التاريخ عن الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف لم يكن هناك مانعاً، لكان ظهر وقتل، ثم جاء الإمام المعصوم الآخر، أما إذا انكشف لنا أن وجود إمام معصوم انحسر تاريخياً ومستقبلاً بهذا الإمام، فكان حفظه لا بد منه، وإذا كانت الناس غير مستعدة لحفظه ومواكبته ونصرته، فالناس تعاقب بغيبته، ولهذا ورد لدينا في بعض الروايات المروية عن الباقر عليه السلام، رواها الصدوق في كتابه كمال الدين، أن الله إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم، ولهذا إتفقت كلمة العلماء السابقين، أن الذي يتحمل مسؤولية الغيبة، هم الناس. وبالتالي الذين يتحملون مسؤولية وجود ، هذا الظلم وهذا الخلل هم الناس، وإلا فليس الخلل من جانب الله تعالى، ولا من جانب الإمام المعصوم، وليست هواية أن يغيب الإمام المعصوم، فليست المسألة إذاً أن هناك تعبداً محضاً في غيبة الإمام المعصوم، الأصل هو ظهور الإمام، والإستثناء السلبي هو غيبته عجل الله تعالى فرجه، وللأسف الإستثناء إستمر ما يزيد عن ألف سنة، والأصل لم يعمر أكثر من مائتي وخمسين سنة، وهذا الأصل أيضاً كان فيه إستثناءات.كان الأصل أن يكون الإمام حاكماً، ولكن الاستثناء إستمر، لم يحكم المعصوم ابتداءً من رسول الله إلا فترة 23 سنة، ثم خمس سنوات في أثناء حكومة الإمام علي عليه السلام، والباقي كله إستثناء سلبي. وصل إلى قمته في مسألة الغيبة، أن يقتل الإمام الحسين مع من معه ليس الأصل، بل إستثناء. إذا كانت الغيبة في كل مفاعيلها من حرمان لبعض الشريعة بسبب ضياعها، أما المقصود أو الطبيعي بسبب التاريخ أو الحرمان من العدل الإلهي ونيل الهداية الإلهية مستندة إلى الناس، فالناس مسؤولون عن رفع هذا السبب لكي ينالوا الخلاص، ولكي ينالوا العدل الإلهي، ولهذا لن يكون ظهور الإمام المعصوم مسألة تعبدية محضة، وهذا موجود في كتب علمائنا وأن حركة الإمام الحجة حركة إعجازية، وإلا كان يمكن للإعجاز أن يبدأ عمله من حين توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما المطلوب من الناس أن ترفع الحائل، ولهذا ورد لدينا أن إنتظار الفرج خير عبادة، ما معنى أن تكون منتظراً ولا تمهد لظهور المنتظر؟ إذاً أنت لست منتظراً، ما معنى أن تكون مأموراً بالإنتظار وأن تكون أسمى عبادة بينما يكون إهتمامنا بالحجة أقل من اهتمامنا بغيره من العبادات؟ مع أنه أفضل العبادات، وسؤل الإمام الصادق (ع) عن العبادة مع الإمام منكم المستتر في السرّ في دولة الباطل أفضل ؟.. أم العبادة في ظهور الحقّ ودولته مع الإمام الظاهر منكم ؟.. فقال : يا عمار !.. الصدقة في السرّ والله أفضل من الصدقة في العلانية ، وكذلك عبادتكم في السرّ مع إمامكم المستتر في دولة الباطل أفضل ، لخوفكم من عدوكم في دولة الباطل وحال الهدنة ، ممن يعبد الله في ظهور الحقّ مع الإمام الظاهر في دولة الحقّ ، وليس العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة مع الأمن في دولة الحقّ . إعلموا أنّ مَن صلّى منكم صلاة فريضة وحداناً ، مستتراً بها من عدوه في وقتها فأتمّها ، كتب الله عزّ وجلّ له بها خمسة وعشرين صلاة فريضة وحدانية ، ومن صلّى منكم صلاة نافلة في وقتها فأتمها ، كتب الله عزّ وجلّ له بها عشر صلوات نوافل، ومن عمل منكم حسنةً كتب الله له بها عشرين حسنة، ويُضاعف الله تعالى حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله ، ودان الله بالتقية على دينه وعلى إمامه وعلى نفسه ، وأمسك من لسانه أضعافا مضاعفة كثيرة ، إنّ الله عزّ وجلّ كريم . فقلت : جعلت فداك !.. قد رغّبتني في العمل ، وحثثتني عليه ، ولكني أحب أن أعلم : كيف صرنا نحن اليوم أفضل أعمالاً من أصحاب الإمام منكم الظاهر في دولة الحق ، ونحن وهم على دينٍ واحدٍ ، وهو دين الله عزّ وجلّ ؟.. فقال (ع) : إنكم سبقتموهم إلى الدخول في دين الله وإلى الصلاة والصوم والحجّ وإلى كل فقه وخير ، وإلى عبادة الله سرّاً من عدوكم مع الإمام المستتر ، مطيعون له ، صابرون معه ، منتظرون لدولة الحق ، خائفون على إمامكم وعلى أنفسكم من الملوك ، تنظرون إلى حقّ إمامكم وحقكم في أيدي الظلمة ، قد منعوكم ذلك واضطروكم إلى جذب الدنيا وطلب المعاش ، مع الصبر على دينكم ، وعبادتكم ، وطاعة ربكم ، والخوف من عدوكم ، فبذلك ضاعف الله أعمالكم ، فهنيئاً لكم هنيئاً . فقلت : جعلت فداك !.. فما نتمنى إذاً أن نكون من أصحاب القائم (ع) في ظهور الحق ؟.. ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالاً من أعمال أصحاب دولة الحق ؟.. فقال : سبحان الله !.. أما تحبون أن يُظهر الله عزّ وجل الحقّ والعدل في البلاد ، ويحسّن حال عامة الناس ، ويجمع الله الكلمة ، ويؤلف بين القلوب المختلفة ، ولا يُعصى الله في أرضه ، ويُقام حدود الله في خلقه، ويُردّ الحقّ إلى أهله ، فيظهروه حتى لا يستخفي بشيءٍ من الحقّ مخافة أحدٍ من الخلق؟.. أما والله يا عمار !.. لا يموت منكم ميّتٌ على الحال التي أنتم عليها ، إلا كان أفضل عند الله عزّ وجلّ من كثير ممن شهد بدراً وأُحداً، فأبشروا !.. وقال الرضا (ع) : ما أحسن الصبر وانتظار الفرج !.. أما سمعت قول الله تعالى : { وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ }هود93 ، وقوله عزّ وجلّ : { فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ } يونس102؟.. فعليكم بالصبر!.. فإنه إنما يجيئ الفرج على اليأس ، فقد كان الذين من قبلكم أصبر منكم . الحافز والداعي في قلب كل إنسان، لكي يجعل نفسه مستعدة لظهور الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف، وبالتالي المطلوب من الإنسان أن يكون قد ربّى نفسه على التسليم لله تعالى عقائدياً وفكرياً وسلوكياً وتشريعياً، والتسليم بما يأتي به صاحب العصر والزمان، والاستسلام المطلق له .
https://telegram.me/buratha