بقلم/عدنان السريح
روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: "لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً"مفهوم الحرية يقصد بالحرية قدرة الإنسان على فعل الشيء أو تركه بإرادته الذاتية. وهي ملكة خاصة يتمتع بها كل إنسان عاقل ويصدر بها أفعاله، بعيداً عن سيطرة الآخرين لأنه ليس مملوكاً لأحد لا في نفسه ولا في بلده ولا في قومه ولا في أمته. وهي منحة إلهية للإنسان الذي حباه الله تعالى بكل المقوّمات الأخرى اللازمة خلال مسيرته الحياتية والتي تضمن له أداء دوره الريادي على الأرض في أحسن صورة. والحرية ليست شيئاً ثانوياً في حياة الإنسان بل حاجة ملحّة وضرورة ماسّة من ضروراته، باعتبارها تعبيراً حقيقياً عن إرادته وترجمة صادقة لأفكاره، فبدون الحرية لا تتحقّق الإرادة، وعدم تحقيق الإرادة يعني تكبيل الإنسان ووأد كافة طموحاته وتطلعاته، وهو ما لا ينسجم أبداً والغاية من وجود هذا الكائن الإلهي والدور المناط به، وبدون الحرية لا تتحقّق ذاتية الإنسان وكرامته وقدرته على تقرير مصيره، وبدونها أيضاً لا تتحقّق سعادته.الحرية لا تعني الإطلاق من كل قيد، لا يعني بطبيعة الحال إقرار الإسلام للحرية أنه أطلقها من كل قيد وضابط، لأن الحرية بهذا الشكل أقرب ما تكون إلى الفوضى، التي يثيرها الهوى والشهوة. وبما أن الإسلام ينظر إلى الإنسان على أنه مدني بطبعه، يعيش بين كثير من بني جنسه، فلم يقر لأحد بحرية دون آخر، ولكنه أعطى كل واحد منهم حريته كيفما كان، سواء كان فرداً أو جماعة، ولذلك وضع قيوداً ضرورية، تضمن حرية الجميع، وتتمثل الضوابط التي وضعها الإسلام في الآتي:ـألا تؤدي حرية الفرد أو الجماعة إلى تهديد سلامة النظام العام وتقويض أركانه.ألا تفوّت حقوقاً أعظم منها، وذلك بالنظر إلى قيمتها في ذاتها ورتبتها ونتائجها.ألا تؤدّي حريته إلى الإضرار بحرية الآخرين. وبهذه القيود والضوابط ندرك أن الإسلام لم يقر الحرية لفرد على حساب الجماعة، كما لم يثبتها للجماعة على حساب الفرد، ولكنه وازن بينهما، فأعطى كلاً منهما حقه.مقوّمات الحرية ليكون الإنسان حراً ينبغي أن ينطلق من مجموعة من الثوابت منها:ـمبدأ العبودية والخوف من الله: تنبع أهمية العبادة من كونها الغاية التي خلق الله الخلق لأجلها قال تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون)الذاريات 56 وذم المستكبرين عنها بقوله (الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) الأنبياء19 ونعت أهل جنته بالعبودية له، فقال سبحانه (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرً)الإنسان6 ونعت نبيه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالعبودية له في أكمل أحواله، فقال في الإسراء:"سبحان الذي أسرى بعبده ليلا" وينظر أبن عربي إلى الحرية على أنها "عبودية محققة لله فلا يكون عبداً لغير الله الذي خلقه ليعبده فوفى بما خلق له فقيل نعم العبد انّه أواب, أي رجع إلى العبودية التي خلق لها لأنه خلق محتاجاً إلى كل ما في الوجود". ويرى الشهيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه أن الحرية في المفهوم الإسلامي ثورة، وهي ليست ثورة على الأغلال والقيود بشكلها الظاهري فحسب، بل على جذورها النفسية والفكرية، وبهذا كفل الإسلام للإنسان أرقى وأسمى أشكال الحرية التي ذاقها على مرّ التاريخ"مبدأ قوة الإيمان بالله تعالى وثباته: لا شكّ بأن الإيمان بالله قابل للزيادة والنقصان، وهو خاضع لجملة من العوامل تؤثِّر عليه قوة وضعفاً، وفيما يلي عرض لجملة من الأساليب من شأنها تقوية الإيمان بالله وتعميقه، نذكر منها:ـالاعتزاز الدائم بالله تعالى: قال الله تعالى(وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)آل عمران139، وقال تعالى (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) المنافقون8. فالاعتزاز بالإيمان والانتساب إلى الإسلام ينبغي أن يشكل شعوراً مرافقاً للمؤمن أينما كان، وكيف حلّت به الدنيا.التدبر في القرآن: والقرآن يمثل كلمات الله التي تتضمّن المبادئ العالية لتربية الإنسان وارتباطه بالله تعالى، قال تعالى:(إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) الاسراء9. ممارسة الشعائر الإسلامية: فإنها بمثابة الغذاء للمؤمن الذي ينمّي لديه قوّة الإيمان بالله ويصعد بوجوده نحو الكمال الإلهي، ومن مصاديق الشعائر الإسلامية: الصلاة، الصوم، الإنفاق، الحج، قال تعالى(إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) فاطر10الذكر: ويتمثّل بأنواع الدعاء وبألفاظ التهليل والتكبير والتسبيح والتمجيد، قال تعالى(أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)الرعد28. وقال تعالى(وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً) آل عمران41، وعن الصادق عليه السلام: " من أشدّ ما فرض الله على خلقه، ذكر الله كثيراً".تذكر الموت وحساب القبر والمراحل التي سوف يواجهها الإنسان في الحياة الآخرة، وما أعدّ الله للمطيعين من نعيم وما أوعد به العاصين من عذاب، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذكروا هادم اللذات) وقال الإمام علي عليه السلام في كتابه إلى محمد بن أبي بكر بقوله:(وكفى بالموت واعظاً) وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوصي أصحابه بذكر الموت فيقول: "أكثروا ذكر الموت، فإنه هادم اللذات".الشعور بالأمل الدائم وحتمية الانتصار: فالاعتقاد بأن الصراع الدائر بين الحق والباطل، ومعاناة الناس من الباطل وأهله, هما نوع من التمهيد الضروري والتغيير الاجتماعي تمهيداً لتحقق وعد الله بالنصر والتمكين، قال تعالى(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)النور55، وقال تعالى: (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ). الروم47.مخالفة الأهواء والمحاسبة، والنقد الذاتيّ: إن كل إنسان له أهواؤه قلَّت أو كثرت وهي تتعلق بالمال، الأكل والشرب، الجاه والمركز، التحكّم والسيطرة على الآخرين، إلخ. والهدف النهائي الذي يطمح إليه المؤمن هو إلغاء هذه الأهواء من نفسه، وتطهير مشاعره، ووجدانه ودوافعه منها تطهيراً كاملاً. أما المهمة الملِحّة هنا، فهي إضعاف تأثير هذه الأهواء على السلوك، والتحكم فيها، وعدم السماح لها بالسيطرة على النفس، وهذا ما ينتج من مجموعة عوامل من أهمها مخالفة الهوى. قال تعالى(وأمّا من خاف مقام ربّه ونهى النفس عن الهوى فإنّ الجنّة هي المأوى)النازعات 40ـ41 . ولا بد من مراعاة أمور أخرى في هذا المجال، مثل الصدقة، والإنفاق السرّي، وأن يصون لسانه عن الكذب، والغيبة، والثرثرة، وأن تكون قاعدته الصمت إلا في موارد الحجة والضرورة، وأن يتعلَّم الصوم المستحب، فهو من أروع العبادات الإسلاميّة، التي تربط الإنسان بالله تعالى، وتنمّي الإرادة، وتصعد من ملكة الصبر. وقد ورد عن أبي الحسن علي الرضا عليه السلام قال: "ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم، فإن عمل حسناً استزاد الله، وإن عمل سيئاً استغفر الله منه، وتاب إليه" .الزهد بالدنيا وعدم الخضوع للشهوات: وهنا يقول سلمان الفارسي التلميذ الكبير لمدرسة الوحي:"ثَلاَثٌ أعجبتني حَتَّى أضحكتني: مُؤَمِّلُ الدُّنْيَا وَالْمَوْتُ يَطْلِبُهُ، وَغَافِلٌ لَيْسَ بَمَغْفُول عَنْهُ، وَضَاحِكٌ بمل فِيهِ لاَ يَدْرِي أساخط رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَيْهِ أم رَاض عَنْهُ". وفي الروايات الإسلامية إشارات واضحة إلى هذا المعنى حيث يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "مَنْ أيقن اَنَّهُ يُفَارِقُ الأحباب وَيَسْكُنُ التُّرَابَ وَيُوَاجِهُ الْحِسَابَ وَيَسْتَغْنِي عَمَّا خَلَّفَ، ويَفْتَقِرُ إلى مَا قَدَّمَ كَانَ حَرِيّاً بِقَصْرِ الأمل وَطُولِ الْعَمَلِ". كما يجب أن يتفكر في اهتزاز الدنيا وتغيّرها الدائم وعدم اعتبارها.
https://telegram.me/buratha