إن السيدة فاطمة الزهراء قد نالت من العناية الربانية والتي لم تكن لمثيلاتها منالنساء وذلك للدور الكبير الذي خصها الله تعالى به في حقيقة الوجود الذي أرادهالله لعبادهِ الصالحين وهذا ما بدا واضح وبشكل جلي في هذه الروايات المستفيضة التيوصفت كل حيثيات الأمور بحيث لم تترك شاردة وواردة إلا ذكرتها بإسهاب وهذا يكشف عنمدى تعلق أمر فاطمة الزهراء (عليها السلام) بأمر عظيم له مدخليه في التركيبة الكونية التي خلق الله تعالى محمد وآله (عليهمالصلاة والسلام) لها ومن أجلها.
ولو تابعنا تلك الروايات بتأمل لوجدنا إن أمر الله تعالىللرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بأن يترك بيته أربعين يوماويصوم النهار ويصلي الليلة ثم يكون الإفطار من ثمار الجنة خالصة من دون حطامالدنيا الذي كان يقتاته رسول الله (صلى الله عليه وآله) على قلته وطهارته يعطي بعدا آخر يضاف إلى كون أبوها هو أشرف الخلق أجمعينوأمها سيدة نساء العالمين, لذلك الأمر الرباني الذي اختصت به دون غيرها والذيسجلته الرواية التي افتتحنا بها البحث والتي شبهة معرفتها بمعرفة ليلة القدر ونحننعرف عظمة ليلة القدر التي فضلها الله تعالى على سائر أيام السنة حيث جعل فضلهاخير من ألف شهر وهذا التفضيل نابع لما حدث فيها من تنزيل للقرآن الكريم ونزولالملائكة والروح فيها على صدر الرسول الأعظم وكذلك لما لها من تسجيل مقدرات الكونعلى جميع خلقة ومن تلك الأمور المهمة التي تحدث في تلك الليلة هو البركة والخيرعلى الناس وقد أكدت الروايات على استحباب إحياء تلك الليلة بالعبادة والدعاءوالاستغفار وقراءة القران وطلب كل خير.
ومن الأمور المهمة التي هي من فيض فضل الله تعالى علىعباده هو استجابة الدعاء التي يأمر ملائكته بكتابتها لعبادة رحمة منه وشفقة عليهمولو تأملنا الكثير من معالم تلك الليلة تجد إن الكثير من أسرارها لم تنكشف للعبادالعامة دون الخاصة بسبب عدم معرفتهم بها والوقوف عليها أما عن جهل أو قصور أوتقصير في الوصول للمعارف الكمالية التي تكمن في بواطن ذلك الكائن الغريب فيمقدراته التي خصه الله تعالى دون غيره من المخلوقات بحيث جعله سيدها وحاكمها ولكناهتمام ذلك الكائن البشري بما هو دني ومتسافل ضناَ من أنها الغاية المثلى والهدفالأسمى منعه من الوصول إلى تلك المدارك الكمالية المشرفة وبذلك قد حرم نفسه من لذتالعيش في مدار العروج نحوا المعشوق الحقيقي والاستئناس في فيوضاته النورانية التيتجعل من الروح والبدن مندمجة خارج نطاق الوجود المادي متعلقة في عالم النور التيتتفتح بها آفاق أرحب من المعرفة في صفات الخالق U ولذت القربالإلهي بحيث يكون العبد في كل لحظة يعيش في رحاب معبوده لا يشغله شاغل سوى رضاهوالتودد له وأعراب الشكر والامتنان بكل هواجسه وأحاسيسه ونظراته وسكناته ودموعالرغبة والرهبة تعانق وجنتيه كأنها لؤلؤاً براقة على ضوء القمر في ليلة ربيعيةتضيء عند السحر وقلوب الغافلين تبحر في أضغاث أحلمها التي عفنتها التخمة وقولالسوء وارتكاب المعصية.
ومن الأمور الأخرى التي أشار إليها الأئمة الأطهار(u) وهو ارتباط تلك الليلة بولايةأئمة أهل البيت (u) التي تعني أستمراريتها على خلقهإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها لأن منطوق آيات سورة القدر تتحدث عن نزولالملائكة في كل ليلة قدر إلى الأرض ومن الطبيعي أن الملائكة كانت تنزل على رسولالله (صلى الله عليه وآله) في عهده أما في زمن وفاته فإنها تنزل على وصيه في استخلاف قيادة الأئمةالإسلامية وقيادتها على ضوء المنهاج الرسالي الذي أمر به الله تعالى وهذا الأمر لايتحقق إلا بأتباع المنصوص عليه من الله وعلى هذا يكون الإمام (u) هو خليفة الله وحجته على عبادةوعلى هذا تنزل الملائكة علية بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم), ولو تأملنا الروايات التي سوف تأتي نجد إن شخص حقيقةالزهراء متجليةً في ليلة القدر والعكس صحيح من خلال تحقق وجود حقيقة القرآن العمليفي حياتها اليومية والأمر الآخر المهم في حياتها محور الولاية لأنها أم الأئمةوحجة الله عليهم والمدافع الأول عنها والمستشهد دونها أما بركات الزهراء ومحبتهافهي بالحقيقة هي نفس بركات ليلة القدر وسوف تبين تلك الحقيقة الروايات المروية عنالرسول الأكرم.
ونحن نعلم إن أي أمر مهما كان بسيطا إذا أردنا نجاحه يجبعلينا أن نقدم مقدمات النجاح حتى نضمن النتيجة وهذا ما يقوله جميع العقلاء وقد جعلالله تعالى الأمور بأسبابها, فكيف بأم الأئمة وحاملة علم أبيها وسيدة النساءجمعاء في جميع العوالم الدنيوية والأخروية, لذلك استحقت كل هذه العناية حتى تستطيعالنهوض بتلك المسؤولية المناط بها وفعلا هذا ما سطرته سيرتها الذاتية على الرغم منقلة المصادر وقلة الرواة وهذا عائد إلى عدة أسباب منها اعتكافها في بيت أبيها قبلالزواج وفي بيت زوجها بعد الزواج لذلك إن سيرتها الموجودة في طيات الكتب هو رشحقليل من فيض لا متناهي من فضائل تلك المرأة المؤمنة التي يتشرف في خدمتها ملائكةالسماء وسكان الأرض من الأنس والجن والشجر والحجر والهواء ولكنها أبت أن تعيش فيالظل حتى تحافظ على قداسة هذا الكيان وتلك المنزلة التي خصها الله بها على الرغممن قلة الزاد والكفاف الذي عاشته مع أبيها وزوجها ونحن نعلم أن كل مقدرات الوجودفي يد أبيها وزوجها وبين يديها هي وهذا من منطلق الولاية التكوينية التي وهبهاالله تعالى لهم في جميع العوالم, حتى جرتها الأمور أن تتصدى للطغاة والمنافقينضمن الواجب الذي يُحتّمهُ عليها تكليفها ..
42/5/13723
https://telegram.me/buratha