حسن الهاشمي
ونحن نعيش في أعتاب رمضان المبارك لنتعرض باستمرار لنفحاته النورانية مما يضفي علينا بصيرة واشراقة ونورا، والعبد في هذا الشهر الكريم يحيا في صفاء نفسي يدفعه إلى الارتقاء لأعلى درجات الإحسان والخلق القويم حيث يحرص على أداء الصلاة بخشوع ، وإتمام الصيام بإيمان وحب والسعي إلى قيام رمضان طامعا في أن يحظى برضا الله، ثم تهجده وحرصه على تلاوة ما تيسر من القرآن الكريم مما يجعله يحيا في روحانية تسمو به إلى حياة الصفاء النفسي والسلام الروحي التي يفتقدها طوال أيام السنة الأمر الذي يحثه للوقوف وقفة تأمل مصحوبة بالإيمان والحب مع نفسه، ويجعل من نفحات رمضان الروحية فرصة لتزكية هذه النفس الأمارة بالسوء.الموت لا محالة يلاحقنا وهو يتربص بنا ليأخذ بتلابيبنا إليه شئنا أم أبينا إذعانا لقوله تعالى: (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) هذه سنة الله تعالى في الحياة جارية على جميع الأحياء فإن مصيرهم الموت والفناء، وفي هذا الإطار قيل لأحد المجانين وقد أقبل من المقبرة: من أين جئت؟ فقال من عند هذه القافلة النازلة، قيل ماذا قلت لهم وماذا قالوا لك؟! قال: قلت لهم: متى ترحلون؟ فقالوا: حين تقدمون، نعم كلنا نقدم على الموت هذا مصير جميع الخلائق، ولكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه، ماذا أعددت لما بعد الموت؟! والحال إن الكثير من الأحاديث تطرق مسامعنا: كفاكم بالموت واعظا، كيف يكون الموت واعظا؟! يكون كذلك إذا فكر الإنسان في نهاية مطافه إنه ينزل في تلك الحفرة المظلمة الضيقة وحيدا فريدا لا أموال ولا ذهب ولا أثاث ولا زوجة ولا أولاد ولا فراش يأخذ معه، نعم الشيء الوحيد الذي ينفعه في ذلك الموقف هو عمله الصالح وتقواه، فيتعظ بالموت استزادة للصالحات وازدراء للموبقات، ونفحات شهر رمضان المبارك هي خير بوصلة للوصول إلى ذلك الهدف المقدس. إن لحظات التأمل ومكاشفة الذات تتيح للإنسان فرصة للتعرف على أخطائه، وتدفعه لتطوير ذاته إلى الأفضل وسبيله في ذلك محاسبة النفس إذ حينما يمتنع الإنسان في هذا الشهر الكريم عن الطعام والشراب وبقية الشهوات يعطي لنفسه فرصة للتعمق في ذاته حيث تأتي الروحانية التي تجلي البصيرة وتعطيها إشراقة على عيوب النفس.ولقراءة القرآن الكريم في هذا الشهر الكريم أثر في تزكية النفس فهو شهر القرآن يقول الله تعالى: " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " وفي الحديث الشريف: " لكل شيء ربيع ، وربيع القرآن شهر رمضان" وهذه التلاوة تساعد الإنسان في الانكشاف على ذاته ومحاسبة النفس بشرط التدبر في معاني القرآن، والتذوق بحلاوة أحكامه وأوامره، والتسامي في نورانياته وروحانياته مما يضفي على النفس إصرار على غلق باب الذنوب وفتح باب الإصلاح حبا ومرضاه لله وحده.فلنجعل من نفحات رمضان الروحية فرصة لتجديد العهد، وإخلاص النية في التوبة، وترك المعاصي، والتخلص من الآفات، ومعالجة أمراض القلوب، والسعي في طريق الإصلاح للقرب من الله، للارتقاء بالنفس حيث يجب أن تكون من الصفاء والنورانية.فهذه المحطة الإلهية المهداة إلى البشرية للتزود بموجبات السعادة بين أيدينا نمر عليها مرور الكرام إلا عباد الله المخلصين فإنهم يتزودون منها صفاء وكرامة وعطاء وتكاملا، بينما لا يزداد عنها المنافقون والذين في قلوبهم مرض إلا نفورا وبعدا وضياعا، وها هي تلك النفحات النورانية التي تلفح وجوهنا وربما لا يمكننا التعرض إليها في القابل، يمكن أن تغير فينا مسالك الطريق إلى أقومها وأوضحها وأقصرها في الوصول إلى سبل النجاة، وحري بالمؤمن المتوكل أن يرتادها وهي لا تتطلب منا سوى إرادة التغيير ودافع الإصلاح المضمور في دواخل كل منا، وطوبى لمن تزود ويتزود منها في محطات الرضا الإلهي وعلى رأسها رمضان المبارك.
https://telegram.me/buratha