حسن الهاشمي
الدنيا سوق ربح فيها أناس وخسر آخرون، تعالوا لنكون من الرابحين، تعالوا لنرحم أنفسنا وننقذها من تيه الغافلين ومن زيغ المنحرفين ومن كيد الظالمين ومن تدليس المطففين ومن خدع الماكرين ومن حيل السياسيين ومن إغراء المفسدين ومن زبارح الدنيا الفانية ومغرياتها الزائلة وبهارجها المزيفة، تعالوا لنطرق أبواب الخير والرشاد، ولنتمتع بالدنيا بقدرها ونجعل الدار الآخرة هي مبتغانا لأنها الباقية وما سواها زائلة لا محالة ولو عمر الإنسان عمر النبي نوح عليه السلام فإنه ميت وملاقي مصيره هناك إن خيرا فخير وإن شرا فشر. ما أحوجنا إلى الاغتراف من المعنويات والأخلاقيات في زمن بات هو أبعد ما يكون عن موجبات السعادة، ونحن نعيش زمن التكفير والكيل بمكيالين والعهر السياسي علينا أن نخضع نفوسنا وأرواحنا بين الفينة والأخرى لحمامات التقوى والقرب الإلهي، ريثما نطهر ما علق بها من حب الدنيا ومغرياتها التي باتت في زمننا هذا تفتك بالإنسان فتكا، مغريات السلطة والمال والفساد الأخلاقي باتت في بيوتنا تهددنا بأعراضنا ومستقبل أطفالنا لولا الالتفات إليها ومعالجتها بالوقت المناسب فنحن لا محالة قد نكون من المنجرفين بسيلها العارم وقد لا ندري حتى نصطدم بالواقع المر ولات حين مناص، وها هي محطات الرحمة الإلهية تستصرخنا لنتزود منها ما هو صالح ومفيد وندع ما يلفنا من طالح ومدمر.شاءت الحكمة الإلهية أن يفضل بعض الأيّام على بعض وبعض الشّهور على بعض وبعض السّاعات في اللّيل والنّهار على بعض، كما فضّل بعض الأماكن على بعض لأسرار يعلمها الله تعالى والراسخون في العلم.من الأشهر المباركة الطيّبة، شهر شعبان الّذي جعله الله تعالى من أشهر الرحمة والرضوان وإنه بوابة لشهر رمضان الكريم، وفيه من الخيرات والبركات والنّفحات ما لم نراها سوى في رمضان المبارك، جاء في الأثر: ''إنّ لربّكم في الدهر لنفحات فتعرّضوا لها''، والنّفحات جمع نفحة وهي الفرصة العابرة التي قد تكون في كل آن من آنات ذلك الزمن المعلوم وشهر شعبان من ضمنها قطعا.وإذا كان شهر شعبان من الأشهر المباركة، فعلينا أن نجتهد في إعماره والتّعرّض لنفحاته فما من يوم يطلع علينا فجره إلاّ ويقول يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزوّد منّي فإنّي لا ألقاك إلى يوم القيامة، وإنّ اللّيل والنّهار يعملان فيك فاعمل فيهما.لقد جعل الله تعالى شهر شعبان مباركًا لأنّه بوابة رمضان يتدرّب فيه المسلم على الاستجابة للواحد الدّيان ويستعد فيه لشهر المغفرة والرضوان، ولأنّه أحبّ الشّهور إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ولهذا فقد اقترن به، شهر شعبان هو منزلٌ آخر من منازل العمر لمَن سلك إلى الله تعالى .. ولهذا الشهر المبارك شأن عظيم وفضل كبير، وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا رأى هلال شعبان أمر منادياً ينادي في المدينة: يا أهلَ يثربَ إنّي رسول الله إليكم، ألا إنّ شعبان شهري، فرحم اللهُ من أعانني على شهري.وقد قال أمير المؤمنين عليه السّلام: ما فاتني صومُ شعبان مذ سمعت منادي رسول الله صلّى الله عليه وآله ينادي في شعبان، فلن يفوتني أيّامَ حياتي صوم شعبان إن شاء الله، وقال الصادق (ع) : سُمي شهر رمضان شهر العتق ، لأن لله فيه كل يومٍ وليلةٍ ستمائة عتيق ، وفي آخره مثل ما أعتق فيما مضى، وسمي شهر شعبان شهر الشفاعة ، لأن رسولكم يشفع لكل من يصلي عليه فيه، وهنالك مظاهر أخرى في إعانة النبيّ صلّى الله عليه وآله على شهره الشريف.. من الصلاة والصدقة والمناجاة والدعاء والاستغفار.قال تعالى ''لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة'' فعلينا أن نستغله وأن نستفيد منه اقتداءً بالرّسول الأكرم وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين، وعلينا أن نجتهد في الطاعات من توبة ننصح بها أنفسنا ونجدِّد بها إيماننا وعهدنا مع الله تعالى، وأن نحافظ على الصّلوات في وقتها فهي خير من الدنيا وما فيها، وأن نجتهد في صوم شعبان مخلصين للواحد الدّيان ونكثر من تلاوة القرآن والتّقرّب من الله بكلّ ما يرضى من أنواع البرّ والإحسان.ربما ينشغل الإنسان بمصالحه الدنيوية وينسى مصالحه الأخروية وهي أهم وأفضل بلا أدنى شك، ولكن الإنسان بطبعه المادي ميال للماديات أكثر من ميله للمعنويات، فهو بحاجة إلى تذكير عله يرفع عنه غبار الترهل والكسل وينتفض إشفاقا لنفسه وتخليصا لها من عثرات ونكبات النفس الأمارة بالسوء، وها هي كلمات المعصومين تقرع آذان الإنسان أن اعمل لدنياك بقدر مقامك فيها، واعمل لآخرتك بقدر بقائك فيها، واعمل لله بقدر حاجتك إليه، واعمل للنار بقدر صبرك عليها.هذه إشارات سريعة، ذكّرتُ بها نفسي وإخواني من منطلق الشّعور بالمسؤولية حتّى نكون ممّن قال فيه أمير المؤمنين عليه السلام ''من تساوى يوماه فهو مغبون، ومَن استوى يومه مع أمسه فهو مغبون، ومَن كان غده شرًّا من أمسه فهو ملعون''.
https://telegram.me/buratha