حسن الهاشمي
أيهما أصدق أن تدعو لأحكام الله تعالى وتدعو إلى الفضيلة والمناقب والتقى، أم ترتكس في وحل الرذيلة وتتوغل في الفساد والظلم والانتهاك، فلعمري ما الإمام الحسين عليه السلام إلا العامل بالكتاب والآخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس نفسه على ذات الله، ويزيد شارب الخمور وراكب الفجور وقاتل النفس المحترمة، ومثل طهر الحسين عليه السلام لا يبايع عهر يزيد، ومثل الحر عزيز النفس يبحر في نقاء الفضيلة بعيدا عن متاهات الرذيلة.من ضمن القيم الإصلاحية التي سطرها الإمام الحسين عليه السلام في رمضاء كربلاء تلك الصرخة المدوية التي أطلقها لأولئك الذين استحوذ على قلبهم الشيطان وعبدوا الدرهم والسلطان بدلا من رب الأرباب بقوله عليه السلام: إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم، وقبلها قال والده أمير المؤمنين عليه السلام: لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا، فعبادة الله تعالى تعني ما تعنيه نبذ جميع الآلهة البشرية والحجرية والانصياع لله تبارك وتعالى وحده لا شريك له، وإن العبادة لله تعالى قمة الحرية والتحرر من إسار الهوى والطاغوت ومغريات الدنيا الفانية، فبالحرية نستطيع أن نستنشق أريج العبادة المطلقة لله تعالى، وبالحرية يشعر الإنسان بإنسانيته وعقلانيته ويخوض غمار العلم والمعرفة من أوسع أبوابها وبمقدار ما يمتلك الإنسان من رصيد علمي ومعرفي سيحصل على درجة أعلى بين سائر الأمم، بما تمثل قيم المعرفة والعلم من هيمنة وتحكم في سائر الناس والأشياء من حول الإنسان، ولهذا أشار الإمام الحسين عليه السلام بأن الحرية قيمة إنسانية قبل أن تكون قيمة إسلامية أو سماوية.ومن الواضح إن العبادة الحقيقية هي التي تقود للتصديق، والتصديق هو البحث عن مصداق الحق وامتثال طاعته، كما قال نوح لقومه: "أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ" (نوح /3)، حيث دعاهم لعبادة الله التي تؤدي في نهاية المطاف إلى طاعة نبيه، وما لم تؤدِ عبادة الله غاياتها من الإمتثال للحق الذي يتجلّى للناس في أوليائه الذين اصطفاهم، فإن ذلك الإيمان يذهب أدراج الرياح ويصبح منزوع القيمة، فقد ادعت الأعراب أنها آمنت بالله، إلا أن الله قال: "قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ " (الحجرات /14)، وسفينة الحسين عليه السلام هي بالحقيقة سفينة الإيمان الحقيقية التي لا يأتيها الباطل من جوانبها.والتطبيق الجلي للعبادة يأتي من خلال الإيمان بالثقلين كتاب الله تعالى وأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وبالتحديد الإمام الحسين (ع)، والانتماء له هو أسمى مقام يصل إليه الإنسان من خلال قيمة العبادة التي تفرز الانتماء الحقيقي للإمامة ومصداقها الواضح الإمام الحسين (ع) لأنه وارث الرسالات وامتداد النبوة، وهو كما قال النبي صلى الله عليه وآله بشأنه: حسين مني وأنا من حسين، فالانتماء الحسيني هو الإيمان بعينه ويعد من صميم تعاليم السماء وعكسه يعد انتماء يزيديا وشيطانيا بامتياز.ومن هنا تتضح حقيقة إن الإمام الحسين (ع) كان تطبيقاً عملياً لسلطة الحق، حيث الإيمان بقيمة العبادة لله يقتضي طاعة الإمام كونه وارث رسالات الله كلها، وأن ذريته امتداداً لسلطة الحق حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فيتسامى الإنسان المنتمي للإمام الحسين (ع) حتى يرث حفيده المهدي عجل الله تعالى فرجه الأرض وما عليها ليأخذ بالثار ممن ظلمه ولينشر راية العدل الإلهي التي هي مطمح الرسالات السماوية جميعا.
https://telegram.me/buratha