نرفع اسمى آيات العزاء الى مقام سيدنا وامامنا صاحب العصر والزمان(عجل الله فرجه الشريف) والمراجع العظام وجميع المؤمنين الكرام من شيعة أهل البيت أعزهم الله بعزه ونصرهم بنصره وأيدهم بجنده وقمع عنهم عدوهم وكيده..بمناسبة وفاة سيد البطحاء وشيخ قريش ابي طالب (عليه السلام) عم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله).
روي عن الامام الصادق(عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام): «أنَّ أمير المؤمنين كان ذات يوم جالساً في ـ الرحبة ـ والنّاس حوله مجتمعون، فقام إليه رجل فقال: يا أَمير المؤمنين! أنْتَ بالمكان الذي أَنزَلَكَ اللّهُ بهِ وأبوك معذّب في النار؟
فقال له عليُّ بن أبي طالب: مه، فضّ اللّه فاك، والذي بعث محمّداً بالحقّ نبيَّاً لو شفع أبي في كلِّ مذنب على وجه الاَرض لشفّعه اللّه فيهم، أبي معذّب في النَّار وابنه قسيم الجنَّة والنار؟!!
والذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً إنَّ نور أبي يوم القيامة ليطفىَ أنوار الخلائق كلّهم إلاّ خمسة أنوار: نور محمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم )، ونوري، ونور الحسن، ونور الحسين، ونور تسعة من ولد الحسين، فإنّ نوره من نورنا خلقه اللّه تعالى قبل أن يخلق آدم (عليه السلام) بألفي عام».المصدر :الخصائص الفاطمية : ج2ص86.
أبو طالب ( عليه السلام )
اسمه وولادته :
اسمه عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم ، وكنيته أبو طالب ، ولد قبل مولد النبي (صلى الله عليه وآله ) بخمس وثلاثين سنة ، وكان سيد البطحاء وشيخ قريش ورئيس مكة .
زواجه :
تزوج أبو طالب فاطمة بنت أسد ، وهو أول هاشمي يتزوج بهاشمية ، فولدت له أكبر أبناءه من الذكور :
وهو ( طالب ) وبه يكنى ، وعقيل ، وجعفر ، وعلي ، ومن الإناث :
أم هاني واسمها ( فاخته ) ، وجمانة .
وكانت فاطمة بنت أسد بمنزلة الأم لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، رَبَى ( صلى الله عليه وآله ) في حجرها ، فكان يناديها أمي ، وكانت تفضـله على أولادها في البِرِّ ، وكان له زوجات أُخَرٌ غير فاطمة بنت أسد.
كفالته للنبي ( صلى الله عليه وآله ) :
مات عبد الله بن عبد المطلب والنبي ( صلى الله عليه وآله ) حمل في بطن أمه ، وحينما ولد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تكفله جده عبد المطلب .
ولما حضرت الوفاة عبد المطلب أوصى ولده أبا طالب بحفظ رسول الله (صلى الله عليه وآله ) وحياطته وكفالته ، وكان عمره ( صلى الله عليه وآله ) ثماني سنين .
فكفله أبو طالب وقام برعايته أحسن قيام .
وكان أبو طالب يحب النبي ( صلى الله عليه وآله ) حبا شديداً ، وفي بعض الأحيان إذا رأى النبي ( صلى الله عليه وآله ) يبكي ويقول : إذا رأيته ذكرت أخي عبد الله ، وكان عبد الله أخاه لأبويه .
إيمانه :
لما بعث النبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) إلى البشرية مبشراً ومنذراً ، صَـدّقه أبو طالب وآمن بما جاء به من عند الله ، ولكنه لم يظهر إيمانه تمام الإظهار بل كتمه ليتمكن من القيام بنصرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومن أسلم معه .
فإنه لم يكن يعبد الأصنام ، بل كان يعبد الله ويوحده على الدين الذي جاء به إبراهيم (عليه السلام) ، وخير دليل على ذلك هو خطبته التي ألقاها في طلب يد خديجة لابن أخيه محمد ( صلى الله عليه وآله ) قبل أن يبعث بخمسة عشر عاماً .
وقد صرح أبو طالب عما في داخل نفسه وما يؤمن به في اشعاره الكثيرة المشحونة بالإقرار على صدق النبي ( صلى الله عليه وآله ) وحقيقة دينه ، ناهيك عن الروايات الواردة عن النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته المعصومين ( عليهم السلام ) في شأن إيمانه .
وفاته :
لم يمهل القدر سيد قريش ورئيس مكة الذي ساد بشرفه لا بماله ، فمات في السابع من رمضان سنة عشرة للبعثة النبوية الشريفة ، وكان عمره آنذاك ست وثمانون سنة ، وقيل تسعون سنة .
نعم مات المربّي والكافل والناصر ، فيا لها من خسارة جسيمة ونكبة عظيمة ، و يالها من أيام محزنة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) فإنه يفقد فيها سنده القوي ، وملجأه الأمين من عتاد قريش .
وحينما علم النبي ( صلى الله عليه وآله ) بذلك ، قال لابنه :
( إمضي يا علي فتول غسله وتكفينه وتحنيطه ، فإذا رفعته على سريره فأعلمني ) .
ففعل ذلك ، فلما رفعه على السرير اعترضه النبي (صلى الله عليه وآله ) وقال :
( وصلتك رحم ، وجزيت خيراً يا عم ، فلقد ربيتَ وكفلتَ صغيراً ، ووازرت ونصرت كبيراً ) .
ثمّ أقبل على الناس وقال : ( أنا والله لأشفعن لعمي شفاعة يعجب لها أهل الثقلين ) .
فقد اجمع علماء الشيعة على اسلام ابي طالب (رضوان الله عليه) تبعاً لأئمتهم (عليهم السلام) .
والأحاديث الدالة على ايمانه ، والواردة عن أهل بيت العصمة كثيرة ، وقد جمعها العلماء في كتب مفردة ، وكان من الكتب الأخيرة : ( منية الراغب في ايمان ابي طالب ) للشيخ الطبسي .
وقد ألّف في اثبات ايمانه الكثير من الكتب من السنة والشيعة على حد سواء ، وقد انهاها بعضهم الى ثلاثين كتاباً ، ومنها كتاب : ( أبو طالب مؤمن قريش للاستاذ عبد الله الخنيزي ) .
هذا عدا البحوث المستفيضة المبثوثة في ثنايا الكتب والموسوعات ، ونخص بالذكر هنا ما جاء في الغدير للعلامة الأميني «قده» ج7 و 8 .
وقد نقل العلامة الاميني عن جماعة من أهل السنة : أنهم ذهبوا الى ذلك أيضاً ، وكتبوا الكتب والبحوث في اثبات ذلك ، كالبرزنجي في أسنى المطالب / 6 , 10 والاجهوري ، والاسكافي ، وأبي القاسم البلخي ، وابن وحشي في شرحه لكتاب : شهاب الاخبار ، والتلمساني في حاشية الشفاء ، والشعراني ، وسبط ابن الجوزي ، والقرطبي ، والسبكي ، وأبي طاهر ، والسيوطي ، وغيرهم .
بل لقد حكم عدد منهم ـ كابن وحشي والاجهوري ، والتلمساني بأن من أبغض أبا طالب فقد كفر ، أو من يذكره بمكروه فهو كافر [ راجع : الغدير 7 / 382 وغير ذلك ] .
بعض الأدلة على ايمان أبي طالب :
1 ـ ما روي عن الائمة (عليهم السلام) والنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مما يدل على ايمانه ، وهم أعرف بأمر كهذا من كل احد .
2 ـ نصرته للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتحمله تلك المشاق والصعاب العظيمة ، وتضحيته بمكانته في قومه ، وحتى بولده ، اكبر دليل على ايمانه .
3 ـ استدل سبط ابن الجوزي على ايمانه بانه لو كان ابو طالب كافراً لكان شنّع عليه معاوية وحزبه ، والزبيريون وأعوانهم ، وسائر أعدائه ( عليه السلام ) ، [ أبو طالب مؤمن قريش /272 , عن تذكرة الخواص ] .
4 ـ تصريحاته وأقواله الكثيرة جداً ، فانها كلها ناطقة بايمانه واسلامه ومنها اشعاره التي عبر عنها ابن ابي الحديد المعتزلي بقوله : ان كل هذه الاشعار قد جاءت مجيء التواتر ، من حيث مجموعها . شرح النهج 14 / 78 .
5 ـ قد صرح ابو طالب في وصيته بأنه كان قد اتخذ سبيل التقية في شأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وان ما جاء به الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد قبله الجنان وانكره اللسان ؛ مخافة الشنآن . واوصى قريشاً بقبول دعوة الرسول ومتابعته على امره ، ففي ذلك الرشاد والسعادة [ الروض الأنف 2 / 171 ـ ثمرات الاوراق / 94 ـ تاريخ الخميس 1 / 300 ـ السيرة الحلبية 1 / 352 ـ البحار 35/ 107 ـ الغدير 7 / 366 عن مصادر أخرى ] .
6 ـ ترحّم النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عليه ، واستغفاره له باستمرار ، وحزنه عليه عند موته [ تذكرة الخواص 8 ] وواضح أنه لا يصح الترحم إلاّ على المسلم .
7 ـ وبعد كل ما تقدم نقول :
إن اسلام أي شخص أو عدمه ، إنما يستفاد من أمور أربعة :
أ ـ من مواقفه العملية ، ومواقف أبي طالب ، قد بلغت الغاية التي ما بعدها غاية في الوضوح والدلالة على اخلاصه وتفانيه في الدفاع عن هذا الدين .
ب ـ من اقراراته اللسانية بالشهادتين ، ويكفي أن نشير إلى ذلك القدر الكثير منها في شعره في المناسبات المختلفة .
ج ـ من موقف ممثل الاسلام ورائد الحق النبي الاعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) منه (ص) المرضي ثابت منه (ص) تجاه أبي طالب على أكمل وجه .
د ـ من إخبار المطلعين على أحواله عن قرب وعن حس ، كأهل بيته ، ومن يعيشون معه . وقد قلنا : انّهم مجمعون على ذلك .
بل إن نفس القائلين بكفره لما لم يستطيعوا إنكار مواقفه العملية ، ولا الطعن بتصريحاته اللسانية ، حاولوا : أن يشبهوا على العامة بكلام مبهم لا معنى له ؛ فقالوا : (( إنه لم يكن منقاداً !! )) [ سيرة دحلان 1 / 44 , 47 ـ الاصابة 4 / 116 , 119 ] .
ومن أجل أن نوفي أبا طالب بعض حقه ، نذكر بعض ما يدل على إيمانه ، ونترك سائره ، وهو يعد بالعشرات ، لأن المقام لا يتسع لأكثر من أمثلة قليلة معدودة ، وهي :
1 ـ قال العباس : يا رسول الله ، ما ترجو لأبي طالب ؟ قال : كل الخير أرجوه من ربي [ الاذكياء / 128 ـ شرح النهج للمعتزلي14 / 68 ـ طبقات ابن سعد 1 /79 ـ البحار 35 / 151 , 109 ] .
2 ـ قال المعتزلي : روي بأسانيد كثيرة ، بعضها عن العباس بن عبد المُطلب ، وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة : أن أبا طالب مامات حتى قال : لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله [ شرح النهج للمعتزلي 14 / 71 ، ـ الغدير 7 / 369 عن البداية والنهاية 3 / 123 ـ سيرة ابن هشام 2 / 87 ـ الاصابة 4 / 116 ـ عيون الاثر 1 / 131 ـ المواهب اللدنية 1 / 71 ـ السيرة الحلبية 1 / 372 ـ السيرة النبوية لدحلان بهامشها 1 / 89 ـ اسنى المطالب /20 ـ دلائل النبوة للبيهقي ـ تاريخ أبي الفداء 1 / 120 ـ كشف الغمة للشعراني 2 / 144 ] .
3 ـ وكتب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) رسالة مطولة لمعاوية جاء فيها : « ليس أمية كهاشم ، ولا حرب كعبد المطلب ، ولا أبو سفيان كأبي طالب ، ولا المهاجر كالطليق ، ولا الصريح كاللصيق » [ وقعة صفين لنصر بن مزاحم /471 ـ الفتوح لابن أعثم 3 / 260 ـ نهج البلاغة الذي بهامشه شرح الشيخ محمد عبده 3 / 18 الكتاب رقم 17 ـ شرح النهج للمعتزلي 15 / 117 ـ الامامة والسياسة 1 / 118 ـ الغدير 3 / 254 عنهم ، وعن : ربيع الابرار للزمخشري باب 66 ـ مروج الذهب 2 / 62 ـ مناقب الخوارزمي الحنفي /180 ] .
فإذا كان أبو طالب كافراً وأبو سفيان مسلماً ، فكيف يفضل الكافر على المسلم ثم لا يردّ عليه ذلك معاوية بن أبي سفيان ؟ .
4 ـ وورد عنه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أيضاً قوله : إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي ، وأمي وعمي أبي طالب ، وأخ لي كان في الجاهلية [ ذخائر العقبى / 7 عن تمام الرازي في فوائده ـ الدرج المنيفة للسيوطي / 8 ـ مسالك الحنفا / 14 عن ابي نعيم وغيره وذكر أن الحاكم صححه ـ تفسير القمي 1 / 380 ـ تفسير البرهان 2 / 358 ـ تاريخ اليعقوبي 2 / 35 ـ تاريخ الخميس 1 / 232 ] .
5 وعنه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : إن الله عز وجل قال له على لسان جبرئيل : حرمت النار على صلب أنزلك ، وبطن حملك ، وحجر كفلك . أما الصلب فعبد الله ، وأما البطن فآمنة ، وأما الحجر فعمه، يعني أبا طالب ، وفاطمة بنت أسد . وبمعناه غيره مع اختلاف يسير [ أصول الكافي 1 / 371 ـ البحار 35 / 109 ـ التعظيم والمنة للسيوطي / 27 ـ روضة الواعظين / 139 ـ شرح النهج 14 / 67 ـ الغدير 7 / 378 عنهم ، وعن : كتاب الحجة لابن معد / 8 ـ تفسير أبي الفتوح 4 / 210 ] .
26513606
https://telegram.me/buratha