حكمت مهدي جبار.
عبر تلك المسافة التي أستغرقت مايقارب الخمس ساعات وبضعة دقائق في مسيرة ليلية,كنت القي بخطواتي على الطرق الممتدة الطويلة,منها طرق عريضة معلقة فوق الأرض ومنها المارة في محلات وأزقة المدينة الكبيرة.كنت واحدا من بين هذه الحشود الزاحفة في هذه الليلة الرجبية الحزيرانية شبه الحارة.فيها السماء تتلألأ بنجومها في فضاءات كونية ساكنة.كأن جلال تخشع له المخلوقات,وطقوس ممسوحة بحزن دفين.يهيمن على الأشياء.وجسدي المثقل بالهموم يسير بأتجاه مبتغاه.تحمله أرجلي وهي تكبت عناءها وتخفي آلامها مستسلمة لرغبات روحي المدللة..روحي التي تقبع في دهاليز جسدي الخفية أشعر وكأنها قد أوعزت لي بأن أذهب في هذه الليلة لزيارة مرقد الأمام موسى بن جعفر(ع) رغم تعاظم أوجاعي وشدة آلامي وتكالب أمراضي المزمنة.خمس ساعات وقليل من الدقائق قضيتها سائرا بلا توقف,ألا عندما يندسني جسدي ويقول لي عبر جوف معدتي أنه قد ناشه الظمأ.فأرتشف قطرات من قنينة الماء التي حملتها معي.ثم اواصل السير.وكنت كلما أشعر بتسلل التعب كلما أحث الخطى أسرع,وكأنني بذلك اقول لجسدي :تحمل لم يبقى إلا القليل حتى نصل..غير أن جسدي وبسبب ثقله صار يشكل عبئا على أطرافي ..وبين لحظة وأخرى تشن علي شياطين الترف والراحة وتلقي علي بعض سهامها.فترسم امام صور وتساؤلات عدة:ــ أأنت مجنون؟ ألى أين أنت ذاهب؟ أتلك عبادة تتوسل بها الى الله؟ لماذا كل هذا العذاب في سفرة مضنية في ليل لاتلاقي فيه إلا التعب؟.وعندما لايحقق الشيطان مبتغاه في تراجعي عن المسير,يواجهني بسلاح آخر,عندما يجانب أمرأة ربما هو هيأها لي فيرفع طرف ثوبها أو يكشف عن احد مفاتنها ليلفت نظري ويشغلني عن مقصدي النقي..وهكذا اشهد حربا شعواء مع الشيطان,غير أن روحي كانت تستهزيء بدعاوي وأوهام الشيطان وتقول لي : انت أنقى منه..فسر نحو أنسانيتك وأحرق سمومه بلذات أيمانك ..تركت هذه الحرب آثارها على نفسي.فنضحت جبهتي عرقا وتصاعد زفيري وشهيقي وتعاظم بذلك التعب وجسدي لم يتوقف ولو لحظة واحدة يقطع المسافات غير عابئا بكل ماحدث.. بعد تعب عم كل جسدي,شعرت بلذة أستطابت لها روحي وكأنها تستمتع بلذة تقرحات اقدامي أو أوجاع ركبتي.نشوة فاضت عليَّ وأنا القي بآخر خطوة عند عتبة مرقدي الأمامين العظيمين موسى بن جعفر وحفيده محمد بن علي عليهما السلام.وآنئذ أطمأنيت بالوصول وكأنني أشعر بزهو النصر..وأنا اصل مرقد الأمام العظيم.كنت أرى أن كل شيء فيَّ كان صادقاً.جسدي وأطرافي ونفسي وروحي وقلبي..عندما التصق بدني المعرق بجدار المزار المهيب.لم أكن أرى قبابا ومنائرا ومصابيح تصطج وأصوات تدعو وتتضرع.أنما كنت أشعرفي هذه اللحظة بأني اتشرف برؤية الله تعالى.انه جل شأنه بدى يتجلي لي في هذه الأجواء الملكوتية الباهرة. فعندما تجلت النجوم في أفق السماء رغم ظلام الليل وظهرت التماعاتها كنت اراها على غير ماهي في كل ليلة.وعندما كانت أنوار القباب والمنائر تشع جلالا وقدسية كنت اتبرك بروح الأمام تنهال مع تلك الأضواء.هنا وفي حضرة الأمام العظيم كاظم الغيظ وقاضي الحوائج.كنت أراني أنسانا حقيقيا.تجلت صورتي النقية وتشذبت زوائد السوء وتطهرت من أدران الماديات.تجليت بحقيقتي كتجلّي ماء البحر بصورة الأمواج،ووجه القمر بصورة هلاله.تجلت آيات الله بتضرعات الزائرين وأدعيتهم وتوسلاتهم..نعم تجلى الله لكل مؤمن يقتدي بروحه المتمثلة بآل بيت محمد (ص).مثلما تجلي لأوليائه وأنبيائه وأصفيائه من قبل ، فهو يوجب لهم مزيد العناية والشوق والخشوع واللذة.
https://telegram.me/buratha