هو....
كاظم الغيظ سابع أئمة المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأحد أعلام الهداية الربّانية في دنيا الاسلام وشمس من شموس المعرفة في دنيا البشرية التي لا زالت تشع نوراً وبهاءً في هذا الوجود.
إنه من العترة الطاهرة الذين قرنهم الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بمحكم التنزيل وجعلهم قدوة لاولي الألباب وسفناً للنجاة وأمناً للعباد وأركاناً للبلاد.
إنه من شجرة النبوة الباسقة والدوحة العلوية اليانعة ومحطّ علم الرسول وباب من أبواب الوحي والايمان ومعدن من معادن علم الله.
ولد الإمام موسى بن جعفر في نهاية العهد الاُموي سنة ( 128 هـ) وعاصر أيّام انهيار هذا البيت الذي عاث باسم الخلافة النبويّة في أرض الاسلام فساداً.
وعاصر أيضاً بدايات نشوء الحكم العبّاسي الذي استولى على مركز القيادة في العالم الإسلامي تحت شعار الدعوة الى الرّضى من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وعاش في ظلّ أبيه الصادق عليه السلام عقدين من عمره المبارك وتفيّأ بظلال علوم والده الكريم ومدرسته الربّانية التي استقطبت بأشعتها النافذة العالم الإسلامي بل الإنساني أجمع.
فعاصر حكم السفّاح ثم حكم المنصور الذي اغتال أباه في الخامس والعشرين من شوال سنة ( 148 هـ ) وتصدّى لمنصب الإمامة بعد أبيه الصادق عليه السلام في ظروف حرجة كان يخشى فيها على حياته.
وقد أحكم الإمام الصادق عليه السلام التدبير للحفاظ على ولده موسى ليضمن استمرار حركة الرسالة الإلهية في أقسى الظروف السياسية حتى أينعت ثمار هذه الشجرة الباسقة خلال ثلاثة عقود من عمره العامر بالهدى، وتنفّس هواء الحرية بشكل نسبي في أيّام المهدي العبّاسي وما يقرب من عقد في أيام حكم الرشيد.
لقد عاش الإمام موسى الكاظم عليه السلام ثلاثة عقود من عمره المبارك والحكم العبّاسي لمّا يستفحل ، ولكنه قد عانى من الضغوط في عقده الأخير ضغوطاً قلّما عاناها أحد من أئمة أهل البيت(عليهم السلام) من الأمويين وممن سبق الرشيد من العباسيين من حيث السجن المستمرّ والاغتيالات المتتالية حتى القتل في سبيل الله على يدي عملاء السلطة الحاكمة باسم الله ورسوله. وقد روي أنّ الرشيد خاطب الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم معتذراً منه في اعتقال سبطه موسى بن جعفر عليه السلام. زاعماً أنّ وجوده بين ظهراني الاُمة سبب للفرقة... وهكذا تحكم القبضة على رقاب المسلمين بل وأئمة المسلمين..فإنا لله وإنا إليه راجعون.
لقد سار الإمام موسى الكاظم عليه السلام على منهاج جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآبائه المعصومين علي أمير المؤمنين والحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر... في الاهتمام بشؤون الرسالة الالهيّة وصيانتها من الضياع والتحريف، والجدّ في صيانة الاُمّة من الانهيار والاضمحلال ومقارعة الظالمين وتأييد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر للصدّ من تمادي الحكام في الظلم والاستبداد.
وقد كانت مدرسته العلمية الزاخرة بالعلماء وطلاّب المعرفة تشكّل تحدّياً اسلاميّاً حضاريّاً وتقف أمام تراث كل الحضارات الوافدة وتربي الفطاحل من العلماء والمجتهدين وتبلور المنهج المعرفي للعلوم الإسلامية والإنسانية معاً.
كما كانت نشاطاته التربوية والتنظيمية تكشف عن عنايته الفائقة بالجماعة الصالحة وتخطيطه لمستقبل الاُمّة الإسلامية الزاهر والزاخر بالطليعة الواعية التي حفظت لنا تراث ذلك العصر الذهبي العامر بمعارف أهل البيت عليهم السلام وعلوم مدرستهم التي فاقت كل المدارس العلمية في ذلك العصر وأخذت تزهر وتزدهر يوماً بعد يوم حتى عصرنا هذا.
لقد اشتهر الإمام موسى بالكاظم الغيظ لشدّة حلمه وبالعابد والتقي وباب الحوائج الى الله، ولم يستسلم لضغوط الحكّام العباسيين ولألوان تعسفهم من أجل تحجيم نشاطه الربّاني الذي كانت تفرضه عليه ظروف المرحلة صيانة للرسالة والدولة الإسلامية من الانهيار وتحقيقاً لهويّة الاُمة ومحافظة على الجماعة الصالحة من التحديات المستمرّة والمتزايدة يوماً بعد يوم.
لقد بقي هذاالإمام العظيم ثابتاً مقاوماً على خط الرسالة والعقيدة لاتأخذه في الله لومة لائم حتى قضى نحبه مسموماً شهيداً محتسباً حياته مضحّياً بكل ما يملك في سبيل الله وإعلاءاً لكلمة الله ودين جدّه المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الخامس والعشرين من رجب سنة ( 183 ) أو ( 184 هـ ).
فسلام عليه يوم ولد ويوم جاهد في سبيل الله ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.
من مواعظ وحكم الإمام الكاظم عليه السلام
روي عن الكاظم عليه السلام أنه قال: صلاة النوافل قربانٌ الى الله لكل مؤمن.
والحج جهاد كل ضعيف.ولكل شيء زكاة، وزكاة الجسد صيام النوافل.
ومن دعا قبل الثناء على الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله كان كمن رمى بسهم بلا وتر.
ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية، وما عال امرىً اقتصد. والتدبير نصف العيش. والتودّد الى الناس نصف العقل. وكثرة الهم يورث الهرم، والعجلة هي الخرق. وقلة العيال أحد اليسارين. ومن أحزن والديه فقد عقّهما.ومن ضرب بيده على فخذه، أو ضرب بيده الواحدة على الاُخرى عند المصيبة فقد حبط أجره، والمصيبة لا تكون مصيبة يستوجب صاحبها أجرها إلاّ بالصبر. والاسترجاع عند الصدمة.
والصنيعة لا تكون صنيعة إلاّ عند ذي دين أو حسب.والله ينزل المعونة على قدر المؤونة، وينزل الصبر على قدر المصيبة.ومن اقتصد وقنع بقيت عليه النعمة، ومن بدر وأسرف زالت عنه النعمة.وأداء الأمانة والصدق يجلبان الرزق، والخيانة والكذب يجلبان الفقر والنفاق.
واذا أراد الله بالذرة شراً أنبت لها جناحين فطارت فأكلها الطير.
ومن عجّل ما وعد فقد هنئ العطيّة.
وقال عليه السلام: كلّما أحدث الناس من الذنوب مالم يكونوا يعملون أحدث الله لهم من البلاء مالم يكونوا يعدّون.
وقال عليه السلام: إذا كان الإمام عادلا كان له الأجر وعليك الشكر وإذا كان جائراً كان عليه الوزر وعليك الصبر.
ورأى رجلين يتسابّان فقال عليه السلام: البادي أظلم ووزره ووزر صاحبه عليه مالم يعتد المظلوم.1
مراحل حياة الإمام الكاظم عليه السلام
تبعاً لطبيعة الظروف التي مرّ بها الإمام الكاظم عليه السلام في حياته تنقسم الدراسة عن حياته الى ثلاث مراحل متميّزة:
المرحلة الاُولى: إذا اعتبرنا المرحلة الاُولى من حياة الإمام عليه السلام هي مرحلة ما قبل التصدي للامامة الشرعية أي منذ ولادته في سنة (128) أو (129 هـ ) حتى استشهاد أبيه الصادق عليه السلام سنة (148 هـ ) . فالمرحلة الاُولى: هي مرحلة نشأته وحياته في ظلّ أبيه عليهما السلام وهي تناهز العقدين من عمره الشريف. وقد تميزت هذه المرحلة بظهور علمه الربّاني وقدرته الفائقة على الحوار والحجاج حتى أفحم مثل أبي حنيفة وهو صبي لم يتجاوز نصف العقد الواحد من عمره المبارك.
المرحلة الثانية: وتبدأ بتسلّمه لزمام الامور الدينية (العلمية والسياسية والتربوية) بعد استشهاد أبيه في ظروف سياسيّة قاسية كان يخشى فيها على حياته المباركة حتى اضطرالإمام الصادق عليه السلام لان يجعله واحداً من خمسة أوصياء فيوصيته المشهورة التي بدّد فيها تخطيط المنصور لاغتيال وصي الإمام الصادق عليه السلام.
واستمرت هذه المرحلة حتى مات المنصور سنة (158 هـ ) واستولى المهدي ثم الهادي سنة (169 هـ ) على مركز السلطة فهى تبلغ حوالي عقدين أو مايزيد عليهما بقليل وكانت مرحلة انفراج نسبي لأهل البيت عليهم السلام وأتباعهم سيما في عهد المهدي العباسي.
المرحلة الثالثة: وهي مرحلة معاصرته لحكم الرشيد حيث استولى على زمام الحكم سنة (170 هـ ) وهو المعروف بحقده للعلويين بعد أخيه الهادي وأبيه المهدي. واستمرت هذه المرحلة حتى سنة (183 هـ ) وهي سنة استشهاد الإمام الكاظم بيد أحد عمّال الرشيد . وهذه المرحلة هي من أحرج مراحل حياة الإمام عليه السلام وأدقّها من حيث تشديد التضييق عليه، ولم ينته العقد الأول من حكم الرشيد إلاّ والإمام في مطامير سجونه، تارة في البصرة واُخرى في بغداد. وتميّزت هذه السنوات العجاف بالتخطيط المستمر من قبل الرشيد لادانة الإمام عليه السلام والسعي المتواصل لسجنه واغتياله.
وقد أخذ الإمام يكثّف نشاطه ضد الحكم القائم. فيما إذا قيس الى مواقفه من المنصور والمهدي وانتهت هذه المرحلة بالتضييق والتشديد على أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم والإمام الكاظم بشكل خاص بالرغم من عدم قيام العلويين بالثورة ضد هارون الرشيد. ولكن الإمام قد استثمر كل طاقاته لبلوغ أهدافه رغم حراجة الظرف وتشديد القبضة على العلويين. وكان الإمام فيها يعلم بسياسة هارون وقراره النهائي باغتيال الإمام عليه السلام مهما كلّف الأمر حتى انه لم يتقبل وساطة أيّ واحد من مقربي بلاطه.
وانتهت هذه المرحلة بمقاومة الإمام عليه السلام وثباته على مواقفه وعدم تنازله عند رغبات الرشيد ومحاولاته لاستذلال الإمام عليه السلام بشكل وآخر ليركع أمام جبروته لقاء تنفّسه هواء الحرية خارج السجن. ولكن الإمام باشر مهامه بكل إحكام واتقان وأوصى الى ابنه الرضا وضمن للجماعة الصالحة استمرار المسيرة، وقضى مسموماً صابراً محتسباً. مكللا جهاده بالشهادة في سبيل الله تعالى.
تأريخ الاستشهاد: استشهد مظلوماً في حبس السندي بن شاهك في 25 من رجب سنة (183 هـ ) ودفن في مقابر قريش في بغداد .
.............
35/5/13604
https://telegram.me/buratha