رياض ابو رغيف
دراسة حياة الاعاظم من الرجال والقمم الشامخة في تاريخنا الاسلامي لا تعني معرفة قصة حياتهم وسرد وقائع ايامهم الماضية فحسب نعم قد يكون ذلك مهما لمعرفة ودراسة الصفات الذاتية والشخصية المميزة لتلك الشخصيات الا ان هذه المنهجية بمعزل عن عوامل بحثية تاريخية اخرى يكاد يكون قاصرا لان الامر الجوهري ليس هو الاطلاع على ماجرى في حياتهم من احداث يومية وقصص تاريخية مرت بهم بل الغاية المفيدة هو سبر نوعية حياتهم ودراسة سلوكهم الاجتماعي وطبيعة المواقف المحيطة بهم ثقافيا او سياسيا او اجتماعيا ان دراسة تاريخ حياة الائمة عليهم السلام ليس منفكا عما قدمنا فقد كتبت المؤلفات الكثيرة والبحوث المتعددة وبكل اللغات ولا يكاد يخلوا مجلسا او خطبة دينية عن السرد التاريخي لحياتهم الشريفة الطاهرة الا ان اغلب ذلك اصطدم بحدود السرد القصصي التاريخي وربما تعدى بعضه تلك الحدود قليلا دون الخوض بالتحليلات التي تتطلبها اهمية حياة تلك الانوار المحمدية تلك الطريقة التقليدية في طرح تاريخ الائمة الاطهار الذين هم لب وجوهر الحركة في تاريخ الاسلام منذ مبعث النبي الكريم ( ص ) امتدادا الى يومنا هذا يعكس واقع وجود فراغ كبير في مجال البحوث التحليلية العلمية العميقة وعلى الرغم من وجود بعضا منها في المكتبة الاسلامية الا انها اقتصرت على مؤلفات قليلة او انها كتبت بلغة اكاديمية او حوزوية من المتعسر على شباب اليوم فهمها الفهم الصحيح اوالتعامل معها بيسر . ليس عيبا ان نقر ونتصارح بان الاعم الاغلب منا يجهل الكثير عن تاريخ ائمة اهل البيت على المستوى التحليلي العلمي الواسع وقد يتعدد هذا الجهل بمستويات انخفاض معرفتنا الثقافية فمنا من يرى الائمة من زاوية اسطورية بحتة ومنا من يراهم من زاوية ارتباطهم النسبي والارثي بجدهم محمد ص وبعضنا يراهم بمستوى ارتباطهم بالنواحي الفقهية والدينية وهكذا تتعدد وتتجزأ مستوى معرفتنا بهم بتجزأ وتعدد علمنا وجهلنا بتاريخهم الرحب .وبالتاكيد اننا جميعا بحاجة الى معرفة اوسع بهم وعلم اكبر بتاريخهم بمستواه الواسع الاشمل لان ما يهمنا كمسلمين من دراسة سيرتهم ليس معرفة حياتهم الانسانية منفصلة عن جوانبها الاشراقية الاخرى لانه وبقدر حاجتنا الى معرفة حياتهم كاشخاص وافراد على المستوى الذاتي الانساني تبرز الحاجة الى معرفتنا بهم على اساس قيادتهم وامامتهم لا بمعنى تاصلها التكويني انما بمعناها كقدوة وحركة وطريقة دعوة ودراسة اساليب مواجهتم اعداء الاسلام بكل الوانها سياسية او ثقافية او علمية او عسكرية .ومن المهم ان لا ننسى ان تكاسلنا او تهاوننا في دراسة تاريخ الائمة (ع ) بالمنظور العلمي التحليلي الواسع الشامل سيعرض ذلك التاريخ الخالد الى التشويه وسيضعنا في زوايا الرؤية الضيقة لتاريخ ائمتنا (ع ) خاصة وان حوادث تاريخهم (ع) الواصلة الينا كما يقول الشهيد الصدر في كتابه (تاريخ الغيبة الصغرى ص 20 ) كان مقتضبا غامضا مقيدا وذلك لان دورهم كان يمثل على طول الخط دور المعارضة الاسلامية الصامدة ضد الجهاز الحكومي وكما هو مفهوم فان خط المعارضة هذا كان يستلزم ان تقتصر بعض نشاطاتهم العقائدية والثقافية والسياسية على الدوائر الخاصة من اصحابهم وفي حدود معينة تتناسب عكسيا والظرف السياسي الحاكم انذاك كل ذلك كان يستدعي من كتاب التاريخ الاسلامي سواءا من كان منهم مرتبطا بالجهاز الحكومي ام لا طمس او تشويه او تجاهل الكثير من الحقائق التاريخية و غاياتها الحكيمة
اننا اليوم نمر بصراع فكري عنيف وهجوم ممنهج غاياته ليست خافية على احد تلك الهجمات بدت واضحة انها تستهدف رموزنا العليا وقادتنا العظام من خلال خلط الاحداث التاريخية باهداف وافكار ودوافع تخدم مصالح المخططين لتلك الهجمات ومحاولات فرض التاريخ المشوه بالمصالح القومية والمكتوب بلغة المصلحة السياسية او العقائدية المفروضة على الواقع الثقافي والفكري وقد تبرز في تاريخ حياة الائمة (ع ) مواقف متعددة قد تبدو في ظواهرها متناقضة وغامضة وتثير التساؤلات لان تاريخهم يكشف ان منهم من كان ناصحا لخصومه ورضى ان يكون مستشارا بدلا من ان يثب على مناوئيه ومنهم من تنازل لعدوه وصالحه واخر اشعلها ثورة وأبى المبايعة حتى سقط شهيدا مذبوحا مسلوبا وثالث اسس لمدرسة علمية وفكرية وعقائدية حفظت تراث النبوة ومنعت من اندثاره وامام قاوم الاضطهاد والتنكيل والحبس بتراث ثقافي وتربوي قل نظيره ومنهم من قبل السلطان وولاية العهد ومنهم من استخدم اسلوب النيابة والوكالة في الدعوة والارشاد والتبليغ . كل ذلك لايمكن فهمه وازالة الشبهات من تفكير بعض شبابنا الا بعرض طبيعة الظروف المحيطة بالزمن الذي عاشه كل واحد منهم حينها تغدو افعالهم وقراراتهم المتباينة ظاهرا ذات حكمة وموضوعية وبدراستها الدراسة العلمية الصحيحة تتكشف طبيعة تحركاتهم التي لاتتناقض مع مبادئهم ونكشف للمتسائلين انهم ذات هدف واحد رغم اختلاف نوعية حركة كل واحد منهم وفقا لاختلاف طبيعة الظروف المحيطة بخصوصية حياة كل واحد منهم على انفراد .ان دراستنا وفهمنا لتاريخ ائمتنا الاطهار (ع ) ومالها من اهمية كبيرة على مستويات عديدة ليس اقلها تاثيرهم الكبير في الاسلام والمسلمين في الماضي والحاضر والمستقبل لابد ان تنحى منحى جديد من التعامل الفكري وعلى جميع الاصعدة بدءا بلغة الكتابة مرورا بالتحليلات العلمية وليس انتهاءا بدور الخطيب وثقافته وسعة معرفته العلمية بهم وبتاريخهم المجيد الوضاء .
https://telegram.me/buratha