عبد الله الجواري
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد و آله الطيبين الطاهرين وبعد أيها الأخوة المؤمنون : قال الله تبارك وتعالى ( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) حرص النبي (ص) على هداية الناس جميعاً ووضعهم في طريق الخير والهدى وكان من المتوقع أن يسعى قومه إلى هذا النور وقبول الدعوة ولكن صار الأمر بالعكس حيث وقف رجال قريش وصناديدها سداً منيعاً في طريق الإسلام في طريق رسول الله (ص) ومن تبعه فـتألم الرسول (ص) لذلك وحزن فجاءت هذه الآية لتهديء من أحزان النبي (ص) وتخفـيف آلامه وتسلية له ومثل ذلك آيات أخرى كقوله تعالى ( فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ )( طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) وغـيرها فـقوله تعالى ( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) لا علاقة له بإيمان أبي طالب وعدمه كما يزعم بعض المسلمين وإنما كان أبو طالب مؤمناً مدافعاً عن رسول الله (ص) ودينه ونـثـبت لكم ذلك بمجموعة من الأدلة العـقـلية والنقلية منها :1ــ إن أبا طالب سعى إلى نصرة الرسول (ص) والذب عنه والدعوة إلى دينه الحنيف منذ بدء البعـثة إلى النفس الأخير من حياته قولاً وفعلاً وكما ورد في أشعاره : والله لن يصلــوا إليــك بـجمـعـهـم حتى أوسـد فـي التــراب دفـيــنــاً فأصدع بأمرك ما عـليك غـضاضة وأبـشــر بــذاك وقـــر عـيــونــــاً ودعـوتـني وعلمـت أنك ناصـحـي ولقـد دعـوت وكـنت ثـم أمــيـــنـــاً ولـقـد عـلمت بأن ديـــن مـحـمـد مـن خــيــر أديـان الـبـريـة ديـنـا وفي موضع آخريا شاهـــد الله عـليَّ فـــاشـــهـــــد إنـــــي علــى ديــن الـنبي محـمــد من شك في الدين فإني مهــتــدي يا ربي فأجعـل في الجنان مورديفكل ذلك يدل على إيمان أبي طالب ونصرته لدين الله والله تعالى يقول ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ) 02ــ القرآن الكريم يبين الذين لا يهديهم الله في هذه الآيات ( وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )( وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ )( أَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ) هل أن محبة الرسول (ص) وحمايته وكفالته والدفاع عنه يعتبر ظلماً أو فسقاً أو خيانة ؟ ورغـب الرسول (ص) في هـدايته وهل أن رسول الله (ص) يحب شيئاً يبغـضه الله تعالى ؟ ( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ) 03ــ هـناك مسألة شرعـية في بداية الدعـوة ومجيء الإسلام وأحكامه كما ورد عن الإمام السجاد (ع) وهي أن الله تعالى نهى رسوله أن يقـر مسلمة على نكاح كافر وقد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلـى الإسـلام ولـم تـزل تحـت أبـي طالـب حتى مات فـلماذا أبقى رسول الله (ص) فاطمة بنت أسد مع زوجها إن لم يكن مسلماً ؟ في حين أن رسول الله (ص) لا تأخذه في الله لومة لائم 04ــ إن أبا طالب لم ينكـر علـى أبنـه علي (ع) إيمانه بدين محمد (ص) ولم يزجره على ذلك أو ينهه عنه بل أقره عليه ولما رأى النبي (ص) يصلي وعلي يصلي خلفه عن يمينه وكان معه ولد جعـفـر قال لجعـفـر ( صل جناح أبن عمك فصل عن يساره ) ففـي ذلـك دلالـة واضحـة علـى إيمـانه بدعـوة النبـي مـحمـد (ص) 05ــ إن أبا طالب صمد لتحدي قريش بالمقاطعة الإقـتصادية مقـيماً بشعـبه في مكة ثلاث سنوات وكان أبو طالب يخاف على رسول الله (ص) فإن عرف مـضجـعـه يـقـيـمه لـيلاً من مكانه ومـنامه ويـضجع أبنه عـلياً مكانه فهل من المعـقـول أن أبا طالب يقـدم أبنه علياً فـداء لرسول الله (ص) وهو غـير مؤمن برسالته السماوية ؟6ــ إن أبا طالب دافع عن النبي (ص) ودينه ولم يزل ممنوعاً من كل اعتداء حتى توفي أبو طالب وبعد وفاة أبي طالب أذن له الوحي بالهجرة لأن حياته (ص) بعد وفاة عمه أصبحت في خطر حتى خططوا لـقـتـله واغـتـياله وجاء في الحديث الـمشهـور أن جبرئيل (ع) قال للنبي (ص) ليلة موت أبي طالب ( أخرج منها فـقـد مات ناصرك ) 07ــ لو كان أبو طالب كافراً فكان من المتوقع منه أن يعارض النبي (ص) ودعـوته كما قال ( آزر ) لإبراهيم (ع) والذي أشار اليه قوله تعالى ( قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) 08ــ ورد عن أبي عبد الله الصادق (ع) أنه قال نزل جبرئيل على النبي (ص) وقال ( يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول : إني قد حرمت النار على صلب أنزلك وبطن حملك وحجر كـفـلـك ) فالصلب صلب أبيه ( عبد الله بن عبد المطلب ) والبطن الذي حملك (آمنة بنت وهب ) وأمـا حجـر كـفـلـك فهـو حـجـر ( أبي طالب ) 09ــ إن آبــاء النبي (ص) كانوا مؤمنين بالله يسجدون له وحده ويعبدونه إلهاً واحداً كما أشار إلى ذلك قوله تعالى ( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) أي تقـلبه (ص) من أصلاب طاهرة إلى أرحام مطهرة من لدن آدم إلى صلب أبيه عبد الله بن عبد المطلب 010ــ ورد عن النبي (ص) أنه قال ( أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة وأشار بأصبـعـيـه السبابة والوسطى )والنبي (ص) كان يتيما وهو فيحجر عمه أبي طالب 011ــ قال النبي (ص) لعمه أبي طالب ( يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركـته حتى يظهره الله أو أهلك دونه ) فـقـوله (ص)( يا عم لو وضعـوا 00 ما قال لو وضعـتم 00 أي أبو طالب ليس منهم ) 012ــ إن رسول الله (ص) دعا عمه العـباس في سني المجاعة وعرض عليه أن يخفف عن عمه أبي طالب بعض عياله فأخذ العـباس جعـفـراً وأخذ رسول الله (ص) عـلياً فإن شفـقـة رسول الله (ص) ورحمته على أبي طالب دليل على إيمانه لأن الله تعالى يصف المؤمنين ( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ )( أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ) فلماذا لم يهتم ولم يعـتن بعمه بأبي لهـب لأنه كافـر ومشرك أما عمه أبو طالب فيعـتـني به لأنه مؤمن0 3ــ لما توفي أبو طالب بكى النبي (ص) بكاءً شديداً ثم قال لعلي (ع) ( يا علي امض فـتول أمره وتول غسله وتحنيطه وتكـفـينه فإذا رفعـت سريره فأعلمني ) ففعل ذلك أمير المؤمنين (ع) فلما رفعه على السرير اعترضه النبي (ص) فرق وتحزن وقال ( وصلتـك رحم وجزيت خيراً يا عم فلقد ربيت وكفلت صغـيراً ونصرت وآزرت كبيراً ) ثم أقبل على الناس وقال ( أما والله لأشفعـن لعمي شفـاعة يعجب بها أهل الثـقـلين ) فكيف يمكن للنبي أن يأمر بتغـسيله وتكفـينه والدعاء له إن لم يكن مؤمناً 00والله تعالى يقول ( وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ )14ــ قال تعالى ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى ) في حين أن الرسول (ص) استغـفـر لأبي طالب والإستغـفار للمشرك غير جائز في الإسلام فـكـيف يقدم رسول الله (ص) على ذلك إن لم يكن أبو طالب مؤمناً وهذا دليل على أن أبا طالب مؤمن ؟ 15ــ ورد عن رسول الله (ص) أنه قال ( إن أصحاب الكهف أسروا الإيمان واظهروا الكفـر فأتاهم الله أجرهم مرتـين وأن أبا طالب أسر الإيمان وأظهر الشرك فأتاه الله أجره مرتـين وما خرج من الدنيا حتى أتـته البشارة من الله بالجنة ) 016ــ إن ألـد أعداء علي بن أبي طالب (ع) هو معاوية والتاريخ لم يسجل ولو مرة واحدة إن معاوية يطعـن في إسلام أبي طالب 0 أما سبب كتمان إيمان أبي طالب وإسلامه : وهو سيد قـريش بلا مدافع ورئيسها غـير منازع وكانوا له ينـقادون ولأمره مطيعـون وهم على ذلك بالله تعالى كافرون وللأصنام يعـبدون فـلما أظهر الله دينه وبعـث نبيه (ص) شمر أبو طالب في نصرته وإظهار دعوته وهو برسالته من المؤمنين وببعـثـتـه من الموقـنـيـن وهو على كل ذلك كاتم لإيمانه ساتر لإسلامه لأنه لم يكن قادراً على القـيام بنصر النبي (ص) إلا بكـتـمان الإيمان مثله كمثل مؤمن آل فرعون كما أشار إلى ذلك قوله تعالى( وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ 000 ) ومن هنا لا يجوز لنا أن نـكـفـر من سماه الله مؤمناً وإن كان يكـتم إيمانه فمؤمن من آل فـرعـون دفع الـقـتـل عن موسى (ع) بوجه لطيف وأسلوب ناجح وجميل فلو كان مظهراً إيمانه لما قـبلوا منه وأطاعـوه ونفس هذه الطريقة كانت حالة أبي طالب في دفاعه عن النبي (ع) والمشركون كان يرون أن أبا طالب كان السبب في إقامة الدين وتـقـوية الرسول وحمايته والعجيب أن أبا سفـيان الذي حارب الإسلام والـتـوحيد بكل ما أوتي من قوة يموت مسلماً مؤمناً ؟ وأبو طالب المدافع عن بيضة الإسلام ورسوله يموت كافراً ؟ ما لكم كيف تحكمون ؟ أيها الإخوة : لم ينسب هـذا الأفـك إلى بعض أصحاب النبي (ص) في إسلام آباء المهاجرين وغـيرهم لأنه ليس لهم مآرب في إسلام آباءهم وعـدمه وإنهم يـلحـون على تـكـفـير أبي طالب لأنهم عـجـزوا عـن الوقـيعة في الولد ــ يعـني إبنه علي (ع) ــ ـفـوجهوها إلى الوالد 0 أما حديث الضحضاح : هو ما رواه المغـيرة بن شعبة الذي يرويه رسول الله (ص) ( إن أبا طالب في ضحضاح من النار يغـلي منه دماغـه ) فإن المغيرة لا يعـتبر ثقة لا في علم الرجال ولا عـند علماء الجرح والتعـديل بل هناك خلل في سند الرواية حيث عرف المغـيرة بعدائه لأهل البيت وهومبغـض لعلي (ع) ولبني هاشم وفي باب القضاء إذا كان هناك عـداوة بين الشاهد والمشهود عليه تسقط شهادة الشاهد وإن هذا الأسلوب لـيس من أسلوب العـرب وهم المبدعـون في البلاغة العربية فـكيف رسول الله (ص) الذي لا ينطق عن الهوى أن يأتي بهذا الأسلوب الضعـيف ؟ حاشا لرسول الله (ص) ومعـنى الضحضاح هو الحـويـض الـقـليل من النار والعـرب لم يرد في لغـتهم أن جاؤوا بهذا التعـبير ( نهـر من الـنار ) والنار لم يكن سائلا والنهر يجري فيه الماء واللبن لا النار0000ما لكم كيف تحكمون ؟ اللهم اجعلنا من العاملين بكتابك المهتدين بهدي نبيك المبتغـين الوسيلة إلى مرضاتك ونزول جناتك واجعلنا اللهم من عبادك( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ) وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين 0
الفقير الى رحمة الله تعالى : عبد الله الجواري
https://telegram.me/buratha