* بقلم - جميل ظاهري
أيام معدودة لم تتجاوز أشهر ثلاثة هي أقصى فترة من الزمن كما يرويها كبار المؤرخين من العامة والخاصة عاشتها أم أبيها وروح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي بين جنبيه سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام، تلك الفترة التي لاقت فيها بنت محمد (ص) الويلات والظلم والاضطهاد والفتن وغصب للحقوق وسلب للأرث وانتهاك للحرمات وأنكار للوصية والعهود المأخوذة وعصيان لأوامر الله سبحانه وتعالى وكل ما قاله خاتم أنبيائه ورسله محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وأوصى به المسلمون خاصة الصحابة منهم التمسك به من بعده رغم أن الجميع يعلم جيداً أنه (ص) " وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى" - (3و4 النجم) .فكان الرسول (ص) يعلم جيداً ما سيدور على بضعته الوحيدة ووصيه وخليفته المرتضى عليهما السلام من بعده وعلى يد أقرب المقربين اليه من وجهة نظر عامة للمسلمين اولئك الذين كانوا يتشدقون بصحابتهم لنبي الرحمة (ص)، بوحي من الباري تعالى ولذا كان يوصي (ص) بها (ع) في كل فرصة تسنح له ليؤكد على مكانة ومنزلة ومقام وعظمة وقرب فاطمة الزهراء وبعلها الامام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهما السلام من الباري سبحانه وتعالى ومنه، فكان وعلى مدى أكثر من ستة أشهر يقف فجر كل يوم على باب دار فاطمة (ع) وينادي بصوت عال يسمعه أهل المدينة كلهم آنذاك "الصلاة يا أهل البيت" ثم يتلوا (ص) آية التطهير "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُم" - الأَحْزَاب:33(الحاكم في المستدرك عن أنس بن مالك برقم 4748).وروى أبن عباس أنه خرج رسول الله (ص) يوماً وقد أخذ بيد فاطمة (ع) وقال: "من عرف هذه فقد عرفها ، ومن لم يعرفها هي فاطمة بنت محمد ، وهي بضعة مني ، وهي قلبي الذي بين جنبي ، فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله جل وعلا"- (المحتضر للحلي ص 133، وشرح الأخبار: 3 / 30 ح 970، ومناقب ابن شهر آشوب: 3 / 332. وكتاب الأربعين للماحوزي ص 316، والفصول المهمة ص 146، واللمعة البيضاء للأنصاري ص 59، وكشف الغمة: 2 / 94. والبحار: 43 / 54 ح 48).كما روى إبراهيم بن محمد الجويني الشافعي ، بسنده الى علي بن أحمد بن موسى الدقاق وعلي بن بابويه أيضا، عن: علي بن أحمد بن موسى الدقاق، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن موسى بن عمران النخعي، عن النوفلي، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال رسول الله صلوات الله عليه وآله: "وأما ابنتي فاطمة، فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ، وهي بضعة مني ، ونور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي... وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي، كأني بها وقد دخل الذل بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصبت حقها، ومنعت إرثها، وكسر جنبها، وأسقطت جنينها، وهي تنادي : يا محمداه ، فلا تجاب ، وتستغيث فلا تغاث ، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية ... فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم علي محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة، فأقول عند ذلك : اللهم العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وأذل من أذلها، وخلد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها ... " الى آخر قوله الشريف والذي شرح فيه للحاضرين وللتأريخ الاسلامي برمته ما سيدور على وحيدته وفلذة كبده وروحه التي بين جنبيه من مصائب ومظالم وغصب للحقوق وانتهاك لقدسيتها وبشكل قاسٍ جداً (فرائد السمطين: ج 2 ص 34 - 35 والأمالي للشيخ الصدوق ص 99- 101 وإثبات الهداة: ج 1 ص 280 -281 ، وإرشاد القلوب ص 295 ، وبحار الأنوار: ج 28 ص 37 -39 ، وج 43 ص 172- 173 ، والعوالم: ج 11 ص 391 و392 ، وفي هامشه عن غاية المرام ص 48 والمحتضر ص 109 ، وجلاء العيون للمجلسي: ج 1 ص 186- 188 وبشارة المصطفى ص 197- 200 والفضائل لابن شاذان ص 8- 11، وتحقيق المحدث الأرموي.وقد عانت مولاتنا فاطمة الزهراء (ع) خلال حياتها القصيرة التي لم تتجاوز ال18 عاماً كل ما عاناه المسلمون منذ شعب أبي طالب وحتى هجرتها الى يثرب ومؤازرتها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في مسيرته وجهاده وحتى وقوفها عليها السلام مع وصيه أمير المؤمنين الامام علي عليه السلام بعد رحلة الرسول (ص) وأرتداد أكثر المسلمين أثبتت بجدارة أنها المجاهدة والسياسية المحنكة وخطبها خير دليل على ذلك، حيث دافعت فيها عن الحق المتمثل بالامام علي (ع) وجابهت كل أنواع التحريف والتزوير والتزييف للحق والحقيقة والشريعة الالهية وسنن الرسول(ص) وما جاء به القرآن الكريم بعد أن بدأ القوم بذلك منذ أن رقد الرسول (ص) في فراش الرحيل الى جوار ربه واعدوا ما اعدوا لسقيفة بني ساعدة وقدمت لذلك أغلى ما عندها .لقد سجّل بعض الصحابة أرقاماً فاقت حدّ التصور في الأحداث والانقلاب بعد الرسول (ص) فكانوا مصاديق لقوله (ص):" ليردنّ عليّ الحوض رجالٌ ممّن صحبني ورآني، حتى إذا رفعوا الي ورأيتهم اختلجوا دوني، فلاَقولنّ: ربّ أصحابي، فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، انهم ارتدوا على أعقابهم القهقري"- (مسند أحمد: 5: 48)، وفي لفظ آخر:" ليردن علي الحوض رجلان ممن صحبني، فإذا رأيتهما اختلجا دوني"- (مسند أحمد 4: 20).ويؤكد انقلاب من كان يدعون بالصحابة على أعقابهم ما أخرجه الواقدي ومالك من حديث رسول الله (ص) حين صلّى على شهداء أُحد فقال:" أنا على هؤلاء شهيد". فقال أبو بكر: ألسنا يا رسول الله بإخوانهم، أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم:"بلى، ولكن لا أدري ما تُحدِثون بعدي"- (الموطأ 1 : 307 ، المغازي للواقدي 1 : 310 - غزوة أحد ) .ففعلوا ما فعلوا ونكروا ما نكروا وانقلبوا على الحق والحقيقة وأرتدوا على ما كانوا عليه ونكثوا ما بايعوا عليه أمام عشرات آلاف من المسلمين في "غدير خم" وذهب قولهم "بخ بخ لك يا علي.." هواءً في شبك وكأن لم يقولوها مطلقاً، فأنكروا الوصاية لبعل الزهرا (ع) دون فصل وغصبوا إرث البتول (ع) وسلبوها "نحلة فدك" رغم وقوفهم على حقانيتها عليها وأنها هدية ربانية إكراماً لما أنفقته أمها من مالها الوفير في خدمة نشر الاسلام ولم يكتفوا بذلك فقط، بل فعلوا فعلتهم الشنيعة حيث عصروها بين الباب والحائط رغم علمهم بوجودها خلف الباب بمقولته الشهيرة "وإن" (الامامة والسياسة ج1 ص19) فنبت المسمار في صدرها الشريف وكسروا جنبها، وأسقطوا جنينها، وأرعبوها وأرهبوها وأهل بيتها وطرحوها مريضة الفراش وبقيت على هذه الحالة المأساوية حتى فارقت روحها الطاهرة جسدها نحو ربها في الثالث من جمادي الآخر سنة 11 للهجرة في عام رحيل والدها خاتم المرسلين في 28 صفر عام 11 للهجرة ولكنها دفنت سراً ولا زال قبرها الشريف مجهولاً كما أوصت (ع) بذلك لآنها ماتت وهي واجدة ممن آذوها كما جاء في غالبية كتب كبار علماء العامة نقلا عن عائشة: "ماتت فاطمة وهي واجدة (غاضبة) عليهما (أبو بكر وعمر)" - كما جاء في صحيح البخاري عدة احاديث منها 2862 وكذلك : ج 5 - ص 177 وصحيح مسلم: ج 1 (ملخص) - ص 589 دار السلام - رياض - السعودية وكتاب الامامة والسياسة ج 1 - ابن قتيبة الدينوري تحقيق الشيري ص 31 .بِنْتُ مَنْ أُمُ مَنْ حَلِيلَةُ مَنْ ويْلٌ لِمَنْ سَنَ ظُلْمَهَا وأَذَاهَا
https://telegram.me/buratha