بقلم : عبود مزهر الكرخي
فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ-----------------------في أحدى ردود المحاور العلماني معي والتي أوردتها لكم في الحلقة الثانية من مبحثنا ولكن لا بأس من أن نعيد رده حول هذه النقطة {فأي إنسان يعيش اليوم يرضى بان تصور المرأة على أنها ارض مباحة للزوج (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) فكما تعلم يا صديقي ان المرأة اليوم ليست فقط فراش يقضي فيه الرجل رغبته , فهي شريكة فعلية للرجل في مواجهة الحياة}.
والآية التي يدور حولها هذا الموضوع هي :
{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}.(1)
ولا أدري كيف تم تفسير هذا المقطع بهذه الكيفية العجيبة والتي تثير السخرية من هذا التفسير المبني على الجهل المطبق بالقرآن وإحكامه لأن هذه الآية الكريمة هي تتعلق بحكم شرعي ومهم في النساء والخاص بالمحيض ولو كان قد قرأ الآية التي تسبقها لعرف ماهية معنى هذه الآية والآية الخاصة بالمحيض والتي تسبقها مباشرة تقول :
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}.(2)فالآيتين مرتبطتان مع بعض ومتلازمتان ولنأتي إلى تفسير هذه الآيتين ومن تفسير الأمثل والذي هو تقريباً نفسه في التفاسير الأخرى فيذكر :الآية تقول (فأتوهنّ من حيث أمركم الله)أي أن يكون الجماع من حيث أمر الله، وقد تكون هذه الفقرة تأكيداً لما قبلها، أي آتوا نساءكم في حالة النقاء والطّهر فقط لا في غير هذه الحالة، وقد يكون مفهومها أوسع بخصوص أنّ الجماع بعد الطّهر يجب أن يكون في إطار أوامر الله أيضاً.هذا الأمر الإلهي من الممكن أن يشمل الأمر التكويني والأمر التشريعي معاً، فالله سبحانه أودع في الرّجل والمرأة الغريزة الجنسيّة لبقاء نوع الإنسان، وهذه الغريزة تدفع الإنسان للحصول على اللّذة الجنسيّة، لكنّ هذه اللّذة مقدّمة لبقاء النوع فقط، ومن هنا لا يجوز الحصول عليها بطرق منحرفة مثل الاستمناء واللّواط وأمثالهما، لأنّ هذا الطريق نوع من الانحراف عن الأمر التكويني.وكذلك يمكن أن يكون المراد هو الأمر التشريعي، يعني أنّ الزوجة بعد طهارتها من العادة الشهريّة ينبغي عليها مراعاة جهات الحلال والحرام في الحكم الشرعي والذي ندرج بإيجاز هذا المفهوم.1 ـ الجملة الثانية مفهوم الشرط، والأول مفهوم الغاية.وذهب البعض إلى أنّ مفهوم هذه الجملة هو حرمة المقاربة الجنسيّة مع الزّوجة عن غير الطريق الطبيعي، ولكن مع الالتفات إلى أنّ الآيات السابقة لم تتحدّث عن هذا الأمر يكون هذا التفسير غير مناسب للسّياق.(3)
الآية الثانية إشارة لطيفة إلى الغاية النهائيّة من العمليّة الجنسيّة فتقول (نساءكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم)
في هذه الآية الكريمة شبّهت النساء بالمزرعة، وقد يثقل هذا التشبيه على بعض، ويتساءل لماذا شبّه الله نصف النوع البشري بهذا الشكل ؟ولو أمعنا النظر في قوله سبحانه لوجدنا فيه إشارة رائعة لبيان ضرورة وجود المرأة في المجتمع الإنساني. فالمرأة بموجب هذا التعبير ليست وسيلة لإطفاء الشهوة، بل وسيلة لحفظ حياة النوع البشري.«الحرث» مصدر يدلّ على عمل الزراعة، وقد يدلّ على مكان الزراعة «المزرعة» و «أنّى» من أسماء الشرط، وتكون غالباً زمانية. وقد تكون مكانية كما جاء في قوله سبحانه : (يا مريمُ أنّى لِكِ هذا قالت هو من عند الله).(4)يستفاد من الآية الكريمة ـ على افتراض زمانية أنّى ـ الرخصة في زمان الجماع، أي جوازه في كلّ ساعات الليل والنهار، وعلى افتراض مكانية أنّى يستفاد من الآية الرخصة في مكان الجماع ومحلّه وكيفيته.(وقدّموا لأنفسكم)هذا الأمر القرآني يشير إلى أنّ الهدف النهائي من الجماع ليس هو الاستمتاع باللذة الجنسية، فالمؤمنون يجب أن يستثمروه على طريق تربية أبناء صالحين، وأن يقدّموا هذه الخدمة التربوية المقدّسة ذخيرة لاُخراهم. وبذلك يؤكّد القرآن على رعاية الدقّة في انتخاب الزوجة كي تكون ثمرة الزواج إنجاب أبناء صالحين وتقديم هذه الذخيرة الاجتماعية الإنسانية الكبرى.وفي حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال :«إذا مات الإنسان انقطع عمله إلاّ عن ثلاث : صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له».(5)وجاء في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) : «ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلاّ ثلاث خصال.: صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته وسنّة هدىً سنّها فهي تُعمل بها بعد موته وولد صالح يستغفر له».(6)ووردت بهذه المضمون روايات عديدة أيضاً، وقد جاء في بعضها ستّة موارد أوّلها الولد الصالح.(7)وعلى هذا الأساس يأتي الولد الصالح من حيث الأهميّة إلى جانب الخدمات العلميّة وتأليف الكتب المفيدة وتأسيس المراكز الخيريّة كالمسجد والمستشفى والمكتبة وأمثال ذلك.وفي ختام هذه الآية تأمر بالتقوى وتقول :(واتّقوا الله واعلموا أنّكم ملاقوه وبشّر المؤمنين).لمّا كانت المقاربة الجنسيّة تعتبر من المسائل المهمّة ومن أشد الغرائز إلحاحاً على الإنسان، فإنّ الله تعالى يدعو في هذا الآية الإنسان إلى الدقّة في أمر ممارسة هذه الغريزة والحذر من الانحراف، وتُنذر الجميع بأنّهم ملاقوا ربّهم وليس لهم طريق للنّجاة سوى الإيمان والتقوى.(8)
الحكم الإسلامي العادل في مسألة الحيض----------------------------------ولو أخذنا ماذا كانت هذه الحالة في العصور السابقة لنتطرق إليها لنبحث بها وعن طريق تفسير الأمثل فيقول :هناك الاعتقادات مختلفة في الأقوام السّالفة حول العادة الشهريّة للنّساء، فاليهود يُشدّدون أمرها ويعزلون المرأة في هذه الأيّام كليّاً عن كلّ شيء : عن الأكل والشرب عن المجالسة والمؤاكلة والمضاجعة، وقد وردت في التوراة الحاليّة أوامر متشدّدة في هذا الصّدد.(9)وعلى العكس من ذلك النّصارى حيث لا يلتزمون بأيّة محدوديّة في هذه الأيّام، فلا فرق بين حالة الحيض والطّهر لدى المرأة. المشركون العرب ليس لديهم حكماً خاصّاً في هذا المجال، ولكنّ أهالي المدينة كانوا متأثّرين بآداب اليهود وعقائدهم في معاشرتهم للنّساء أيّام الحيض فكانوا يتشدّدون مع المرأة في هذه الأيّام، في حين أنّ سائر العرب لم يكونوا كذلك، بل قد تكون المقاربة الجنسيّة محببّة لديهم فيها، ويعتقدون أنّه لو حصل من تلك المقاربة ولد فإنّه سوف يكون فتّاكاً ومتعطّشاً للدّماء، وهذه من الصّفات المتميّزة والمطلوبة لدى أعراب البادية.(10)
اقتران الطهارة بالتوبة--------------------إنّ إقتران الطهارة والتوبة في الآيات أعلاه يُمكن أن يكون إشارة إلى أنّ الطّهارة تتعلّق بالطّهارة الظاهريّة والتوبة إشارة إلى الطّهارة الباطنيّة.
ويحتمل أيضاً أنّ الطهارة هنا عدم التلوّث بالذنب، يعني أنّ الله تعالى يحب من لم يتلوّث بالذنب، وكذلك يحب من تاب بعد تلوّثه.ويمكن أن تشير مسألة التوبة هنا إلى أنّ بعض الناس يصعب عليهم السيطرة على الغريزة الجنسيّة فيتلوّثون بالذّنب والإثم خلافاً لما أمر الله تعالى، ثمّ يعتريهم النّدم على عملهم ويتألمون من ذلك، فالله سبحانه وتعالى فتح لهم طريق التوبة كيلا يصيبهم اليأس من رحمة الله.(11)
فأذن المرأة هي ليست أرض مباحة كما يدعون بل هي كائن بشري تستحق منها المراعاة في التقرب أليها وتوجد لها أحكام في كيفية أن تكون هذه العلاقات الزوجية والتي رفض بهذه الأحكام السابقة التي كانت صادرة من الأديان الأخرى أو في عصر الجاهلية وهذا هو تفسير هذه الآية والتي عكست مفهومها رأساً على عقب على ضوء تفسيرهم .ومن هنا كانت الغريزة الجنسية من الأمور المهمة التي يجب التعريف بها ومراعاتها لأنها تعتمد عليها في أنشاء المجتمع ومن أهم هذه الأمور هو المرأة لأنها وكما قلنا هي الوسيلة المهمة لحفظ النوع البشري ولهذا أكد الإسلام على اختيار النساء وفيمن تكون نطفهم ولهذا أكد نبينا الأكرم محمد(ص)على ذلك في حديثه الشريف بقوله « تخيّروا لنطفكم فان العِرقَ دسّاس » (12). وينبغي وعلى هذا الأساس اختيار المرأة ذات المنبت والأصل الطيب لأنها هي التي تبني الأجيال والمدرسة وهذا ما حرص عليه ديننا الحنيف وما ذكره نبي الرحمة محمد(ص) على الأصل الطيب في حديثه الشريف حديث ((إياكم وخضراء الدمن، فقيل: وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء)).(13)وهذا يدلل على مكانة المرأة وضرورة العمل على خلق الأجواء الملائمة لتنشئتها تنشئة صالحة وطيبة وحتى نلاحظ في العشائر العربية نلاحظ يتم العمل على المصاهرة بين القبائل لأن بالنسب والمصاهرة تخمد الأحقاد وتنطفئ نار الحروب وتتمدد الأنساب بين العشائر وهي كما يقال في الفرات الأوسط عندنا أن المرأة ((كعروق الثيل)) تمتد لكي تخلق الأنساب العريقة والأصيلة والدليل على كلامنا عندما طلب سيدي ومولاي أمير المؤمنين (ع) من أخيه عقيل قائلا ((ياعقيل اخطب لي امرأة ولدتها الفحولة من العرب تلد لي غلاما فارسا ينصر ولدي الحسين في كربلاء)) فهو روحي له الفداء قد حدد الاختيار والهدف من هذا الزواج بل وعلمنا كيف نحقق هذا الهدف والاختيار بسؤال ذوي الخبرة في الأنساب عندما سأل عقيل مع علمه بذلك. أدرك عقيل مغزى أخيه من من هذا الزواج فاشأرعليه بان يخطب أم البنين(ع) لنجابة أصلها فليس في العرب أشجع من آباءها والشهامة والكرم والنبل وفوق كل ذلك كان هذا البيت من بيوتات العرب يدين بالولاء المطلق لنبي الله الكريم وأهل بيته الطاهرين صلوات الله عليهم . لذا كانت سليلة هذا البيت تتميز بما تميز به إبائها من كريم الصفات والأخلاق وقد نالت هي بنفسها فضلاً وميزة على نسبها هذا إذ تشرفت بالاقتران بسيد الموحدين وعميد البيت الهاشمي بعد رسول الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والله سبحانه رزقها أربعة أولاد (مثل بدور الدجى) فصاروا مفخرة البشرية إلى يوم القيامة وفي مقدمتهم سيدي ومولاي أبي الفضل العباس(ع) والذين ذادوا عن أخيهم الحسين(ع) في واقعة الطف ولم يرف لهم طرف جفن دلالة على أصلهم ومنبتهم الطيب والذي كانت أمهم تلقنهم إياه في الدفاع عن أخيهم وإمام زمانهم وكما يبين عظمة هذه المرأة والتي يكتب عنها التاريخ بأحرف من نور عن هذه السيدة الجليلة..ونتيجة لوضع الحقائق كاملة ارتأيت أكمال الموضوع في حلقة خامسة إن شاء الله إن كان لنا في العمر بقية لتبيان منزلة المرأة والزوجة في السنة النبوية وكذلك الحجاب وكل الأمور الأخرى لكي نكمل الحجة ونسكت كل الأصوات التي تدعي باضطهاد المرأة في ديننا الحنيف.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالمصادر :-------1 ـ [البقرة : 223]2 ـ [البقرة : 222]3 ـ تأتي كلمة «حيث» بعنوان اسم مكان واسم زمان، ولكن هنا تشير إلى زمن جواز المقاربة الجنسية أي زمن الطهر.4 ـ آل عمران : 37.5 ـ مجمع البيان : ج 1 ص 321.6ـ بحار الأنوار : ج 1 ص 294 ح 4.7 ـ المصدر نفسه ص 293 ح 1.8 ـ دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم / المكتبة / الامثل في تفسير كتاب الله المنزل ( الجزء الثالث ) كتب في تفسير القرآن 1060 سورة البقرة من آية 216 ـ 228 ( من ص 102 ـ 158 )http://www.ruqayah.net/books/index.php?id=698
9 ـ ورد في باب 15 من سفر اللاويين من التوراة : «وإذا حاضت المرأة فسبعة أيّام تكون في طمثها، وكلّ من يلمسها يكون نجساً إلى المساء، كل ما تنام عليه في أثناء حيضها أو تجلس عليه يكون نجساً، وكلّ من يلمس فراشها يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجساً إلى المساء...» وأحكام اُخرى من هذا القبيل.10 ـ مقتبس من تفسير الميزان : ج 2 ص 208 ذيل الآية مورد البحث، كتاب انيس الأعلام : ج 2 ص 106 و107، وكذلك شرح المسبوطي مع ذكر المصادر.11 ـ نفس المصدر ص 135 ، 13612 ـ المحجة البيضاء ، للفيض الكاشاني 3 : 93 ، جامعة المدرسين قم ط 2.13 ـ الالباني "تخريج الإحياء" (2/42) . السلسلة الضعيفة(14).
https://telegram.me/buratha