الصفحة الإسلامية

الكوفة في صفحات التاريخ

3376 11:46:00 2013-03-27

مقدمة :

عدد سكان الكوفة ومساحتها وعلاقته بتأسيس المسجد :

أن المعلومات التي نوردها بصدد مساحة الكوفة وعدد سكانها في حدود الثلاثين عاماَ التي تلت تأسيسها عرضة للمناقشة ، كما أن التقديرات التي اقترحتها لعدد السكان كانت تقديرية ، ولذا لا يمكن الجزم بصحتها ، وبالرغم من ذلك فإن إيرادها لا يخلو من فائدة :

أولاً- إن عمر بن الخطاب طلب من القائد سعد أن يختطَّ المسجد الجامع على عدد المقاتلة فخطّ على أربعين ألف إنسان ، فلما قدم زياد بن أبيه زاد فيه عشرين ألف إنسان وقال الشعبي- كما أسلفنا : "إن أهل اليمن اثنا عشر ألف ، وأن نزار ثمانية آلاف" .

وروى البلاذري أنه : "كان مع رستم يوم القادسية أربعة آلاف يسمون جند فاستأمنوا على أن ينزلوا حيث أحبوا ... وأنزلهم سعد بحيث اختاروا .. وكان لهم نقيب منهم يقال له ديلم فقيل حمراء ديلم" ، ثم يقول البلاذري :أن جماعة من الأساورة بعد أن فتح المسلمون قزوين ، أتوا الكوفة فأقاموا بها .

وفي رواية أخرى قال البلاذري : إن يوسف بن عمر ، قال "نظرت في جماعة مقاتلة البصرة أيام زياد فوجدتهم ثمانين ألفاً ، ووجدت عيالهم مائة ألف وعشرين ألف مقاتل وعشرين ألف عيل ، ووجدت العرب مقاتلة الكوفة ستين ألفاً وعيالهم ثمانين ألفاً " .

ويبدو من الروايات السابقة أن عدد مقاتلة الكوفة العرب ، في الفترة موضوع البحث كان ستين ألفاً ، وأن عيالهم ثمانون ألفاً ، وأن حمراء ديلم أربعة آلاف ، ويقدر عدد عيالهم قياساً على عدد عيال العرب بستة آلاف ، وعلى فرض أن عدد الأساورة الذين جاءوا من قزوين ونزلوا الكوفة يقدر بألفين .

وإذا علمنا أن عدداً من السكان العرب لا يدخلون في هذا الإحصاء ، لأن الديوان خاص بالمقاتلة وعيالهم ، أما غير الصالحين للقتال فلا ينالون عطاء من الدولة ، ولا تدرج أسماؤهم في الديوان ، يضاف إلى ذلك أن عدد السكان النصارى الذين لا يدخلون في عداد المقاتلة يمكن تقديره بعشرة آلاف ، نظراً لأن معظم سكان الحيرة التي أسست الكوفة على أنقاضها كانوا نصارى ، ويترتب على ما سبق ، يمكن أن يقدر مجموع سكان الكوفة في الفترة موضوع البحث في حدود مائتي ألف نسمة ، وإذا أخذنا عدد دور الكوفة مقياساً لتقدير سكانها لوجدنا أن الرقم السابق يتضاعف لأن عدد دورها كان على رواية بشر بن عبد الوهاب ثمانين ألفاً مع الافتراض بأن كل دار كان يسكنها خمسة أشخاص ، ونعتقد أن هذا العدد مبالغ فيه للأسباب الآتية :

أ‌-        يقصد بالمقاتلة العرب أفراد الجيش الذين أنيطت بهم الحروب الداخلية والخارجية في المناطق التابعة للكوفة ، سواء كان ذلك في حدود العراق الحالية أو في خارجها ، وليس من الضروري أن يسكن جميع هؤلاء في العاصمة ، وربما سكن الكثير منهم في مدن ومعسكرات قريبة من الكوفة ، وأن إدراجهم بديوان مقاتلة الكوفة لا يعني حصراً أنهم سكنوا فيها .

ب‌-      من المحتمل أن أسماء وهمية كانت تسجل بالديوان لغرض سحب العطاء ، لذا يصعب أخذ العدد المسجل بالديوان أساساً لمعرفة سكان المدينة .

ج- إن مشكلات التموين والإسكان خاصة في فترة تأسيس المدينة تجعل القيام بسد الحاجات الضرورية لعدد كبير من السكان أمراً بالغ الصعوبة ، لذا لا نحتمل وجود العدد المذكور في مدينة الكوفة في الفترة موضوع البحث .

أما مساحة الكوفة فتقدرها الرواية التي أوردناها عن بشر بن عبد الوهاب قبل قليل بستة عشر ميلاً وثلثي الميل .

ولا نستطيع أن نحدد بالضبط السنة التي جرى فيها التقدير المذكور ، ولكننا مع ذلك نعلم أن بشراً هذا كان من موالي بني أمية  والحالة هذه معاصر لهم ، ومن المعلوم أن الميل يساوي (1069) متراً أو (3000) ذراع بالمقياس القديم .

المسجد ودار الإمارة :

أولاً- المسجد :

كان المسجد أول بناء خطط ثم شُيّد في الكوفة ، ويبدو أن المسجد أقيم في موضع مرتفع من المدينة .

ويحدد البلاذري موضع المسجد ، بقوله :

"ثم وضع سعد مسجدها ودار إمارتها في مقام العالي وما حوله ".

ثم يبين البلاذري : أن مخططي المسجد بدأوا بتعيين جدار القبلة أولاً.

وتعيين الجدار المذكور أمر ضروري ، لأن تعيين جدار القبلة من شأنه أن يسهل تخطيط بقية الجدران ، وكان المسجد مربع الشكل يساوي ضلعه رمية سهم – حسب رواية البلاذري السابقة ورواية الطبري - .

وفي معرض الكلام عن شكل بناء المسجد يقول الطبري : "فترك المسجد في مربعة علوه من كل جوانبه ، وبني ظلة في مقدمة ليست لها مجنبات ولا مواخير والمربعة لاجتماع الناس لئلا يزدحموا ... وكانت ظلته مائتي ذراع ، على أساطين رخام كانت للأكاسرة سماؤها كأسمية الكنائس الرومية ، وأعلموا على الصحن بخندق لئلا يقتحمه أحد ببنيان " .

ويبدو أن موقع المسجد تغير بعد فترة قليلة من تخطيطه لأول مرة ، وذلك على أثر حصول سرقة ببيت المال الذي كان جزء من دار الإمارة الواقعة على مقربة من المسجد ، وبعد أن أخبر عمر بن الخطاب بحصول السرقة كتب إلى سعد : "أن انقل المسجد حتى تضعه إلى جانب الدار ، واجعل الدار قبلته .. فنقل المسجد وأراغ بنيانه " . 

ويذهب الطبري إلى أن سعداً طلب من أحد المعماريين الفرس أن يتولى بناء دار الإمارة والمسجد ، فقال المعمار لسعد : "أنا أبنيه لك وأبني لك قصراً فأصلهما ويكون بنياناً واحداً ، فخط قصر الكوفة على ما خط عليه ، ثم أنشأه من نقض آجر كان للأكاسرة في ضواحي الحيرة على مساحته اليوم " .

ونفيد من الروايات السابقة أن المسجد الذي بناه سعد يتصف بما يأتي :

أولاً : كان المسجد مربع الشكل ذا ظلة أو جزء مسقوف لإيواء المصلين ، وليس له مجنبات ولا مؤخرة ، وإن قبلته منحرفة قليلاً عن الاتجاه الذي يحدده علم الهيئة القديم .

ثانياً : لم يكن المسجد مسوراً لذلك أعلموا على الصحن بخندق لئلا يقتحمه أحد ببنيان ، هذا من جهة ومن جهة أخرى ، أن الطبري روى عن عطاء مولى إسحاق ن طلحة ، أنه قال : "كنت أجلس في المسجد الأعظم قبل أن يبنيه زياد ، وليست له مجنبات ولا مواخير ، فأرى منه دير هند وباب الجسر " .

ومن الجدير بالذكر أن الموضعين الواردين في النص السابق يقعان بالقرب من الفرات كما يظهر على الخريطة التي تخيلها ماسنيون لمدينة الكوفة .

ثالثاً : يبدو أن ضعفاً ظاهراً في رواية الطبري السابقة القائلة : "بأن المسجد والقصر بنيا من نقض آجر كان مستعملاً ببناء الأكاسرة يقع في ضواحي الحيرة ، ويعود ذلك الضعف لأسباب :

أ‌-        بعد المسافة بين الكوفة والحيرة ، كانت المسافة بين موضع المدينة الجديدة والحيرة تبلغ ثلاثة أميال .

ولاشك أن كلفة نقل الأنقاض من مسافة كهذه تكون كبيرة .

ب‌-      إن كلفة نقض الآجر من بناء قائم ، ثم كلفة تنظيفه ليكون صالحاً للاستعمال مجدداً ربما تزيد على كلفة عمل آجر جديد ، لاسيما إذا علمنا أن الحطب الذي يشوى به اللبن ليصبح آجراً ، متوفر في الكوفة حيث أقيم البناء .

ج- إن الطابوق المنقوض من بناء قديم يتعرض للكسر في الغالب ، ثم يصعب استعمال الجص كمادة لاصقة له بعد نقضه .

يضاف إلى ذلك أن آجراً بهذه الصفة لا يصلح أن يستعمل لإقامة بناء ذي أهمية كما هي الحال في بناء المسجد ودار الإمارة في الكوفة .

د- إن التنقيبات الأثرية التي أجرتها مديرية الآثار العراقية تؤيد ما ذهبت إليه بخصوص مواد البناء المستعملة في مسجد الكوفة ودار إمارتها .

قال الدكتور الجنابي : " أثبت البحث الأثري أن مادة البناء المستعملة هي الآجر والجص ، وبعد الفحص الدقيق ثبت لدينا أن الآجر المستعمل في بناء الدار جميعه من صنع محلي غير مختلف ولا مهشم ولا منزوع أو منقول من محل آخر وبقياس متناسب .. وهذا بخلاف ما زعمه الرواة من أن سعد بن أبي وقاص قد بنى دار الإمارة في الكوفة بآجر انتزعه من بنيان للأكاسرة في الحيرة " .

ثانياً : دار الإمارة :    

كانت دار الإمارة التي بناها سعد واقعة على مقربة من المسجد الجامع وكانت تلك الدار تضم بين محتوياتها بيت مال الكوفة .

قال الطبري عند كلامه عن بناء مسجد الكوفة في عهد سعد : "وبنوا لسعد داراً بحياله (المسجد) بينهما طريق منقب مائتي ذراع ، وجعل فيها بيوت الأموال وهي قصر الكوفة اليوم ، بنى ذلك له روزبة من آجر بنيان الأكاسرة بالحيرة " .

ويبدو أن المسجد والدار كانا وسط ميدان حظرت السلطات البناء فيه ، ولكنها سمحت للناس أن يتخذوا مواضعهم في الميدان المذكور لغرض البيع والشراء .

ويظهر أن الأوضاع التي وصفنا استمرت طيلة حكم عمر ، قال الطبري أيضاً : فكان الصحن على حاله زمان عمر كله لا تطمع فيه القبائل ، ليس فيه إلا المسجد والقصر والأسواق في غير بنيان ولا أعلام ، وقال عمر : "الأسواق على سنة المساجد من سبق إلى مقعد فهو له حتى يقوم منه إلى بيته أو يفرغ بيعه " .

واستقر موضع القصر قبلة المسجد وذلك على أثر تغيير أجري في ذلك الموضع بعد حصول سرقة في بيت المال ، وعندما أخبر الخليفة بذلك كتب إلى سعد قائلاً: "أن انقل المسجد حتى تضعه إلى جنب الدار ، واجعل الدار قبلته ... فنقل المسجد " .

ويظهر أن سعداً أحكم بناء القصر وحصنه من الناحية العسكرية ، ومنع الناس من الدخول إليه بمحض إرادتهم ، وأغضب الناس إجراء الأمير ، فرفعوا الأمر للخليفة الذي ما لبث أن أرسل رسولاً يحمل كتاباً إلى سعد ، قال فيه : ((بلغني أنك بنيت قصراً اتخذته حصناً ويسمى قصر سعد ، وجعلت بينك وبين الناس باباً ، فليس بقصرك ولكنه قصر الخبال )) .

وقد أوضح سعد وجهة نظره لرسول الخليفة ، ووصف الأخبار التي وصلت العاصمة بأنها مبالغ فيها .

ونختم الحديث عن دور تأسيس المسجد وقصر الإمارة بما يأتي :

أولاً: إن مواد البناء التي استعملت في بناء دار الإمارة شأنها شأن التي استعملت في بناء المسجد ، كانت مستحدثة وليست منقوضة من أبنية إيرانية قديمة ، وقد فصّلنا ذلك عند كلامنا عن المسجد .

ثانياً: إن وصف الخليفة لدار الإمارة بأنها قصراً ، وأنها حصن ، يدل على أن النواحي العسكرية ومقتضيات الأمن كانت موضع الاهتمام عند تخطيط تلك الدار وبنائها .

ثالثاً: إن تحويرات أدخلت على موضع المسجد وقبلته حتى تتوفر مستلزمات الأمن لبيت مال الدولة والسلامة والراحة لممثلها في الكوفة .

أما مساحة مسجد الكوفة فليس لدينا عنها إلا رواية واحدة متأخرة ، لذا لا نستطيع الجزم فيما إذا كانت تلك المساحة أخذت للمسجد عند تأسيسه أو بعد إعادة بنائه من قبل زياد كما سنشير في الصفحات التالية .

قال ياقوت : أن الشعبي ، قال : "مسجد الكوفة ستة أجربة وأقفزة ، وقال زاد نفروخ : هو تسعة أجربة ..." .

والجريب والقفيز كمقياسين للطول يساويان على التوالي 3917م2 و391,7م2 .

ومن الجدير بالذكر أن طائفة من الكتاب يشكون في صحة الاتجاه القائم لقبلة مسجد الكوفة ، وقد تطرق إلى ذلك السيد البراقي في كتابه تاريخ الكوفة ، ونقل رواية عن المجلسي مفادها ، أن محراب مسجد الكوفة منحرف يمين نصف النهار نحواً من أربعين درجة ، وهو قريب من قبلة أصفهان .

وعلل المجلسي أمر الأئمة (ع) لشيعتهم بالتياسر اتجاه القبلة المتعارف عليه في مسجد الكوفة بأنه ناتج عن تحديد اتجاه القبلة لم يجر بصورة صحيحة عند بناء عدد من المساجد القديمة في العراق بما فيها مسجد الكوفة ، ونميل إلى أن انحراف القبلة في المسجد ناتج عن التغيرات التي أجراها سعد في بناء المسجد ليناسب قصر الإمارة كما جاء في رواية الطبري التي أشرنا إليها فيما سبق من البحث ، وتؤكد البحوث الأثرية وجود انحراف في قبلة المسجد قدره سبع عشرة درجة .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك