*بقلم - جميل ظاهري
لقد بشرت جميع الأديان السماوية بما فيها دين الاسلام الحنيف بظهور المنقذ والمصلح الكبير في آخر الزمان ونهاية التاريخ الانساني المظلم والعسير كما بشر بذلك خاتم رسل الله ونبي رحمته الحبيب المصطفى محمد صلى الها عليه وآله وسلم "المهدي من وُلدي، يكون له غيبة، وحيرة تضل فيها الأُمم، يأتي بذخيرة الأنبياء (عليهم السلام) فيملؤها عدلاً وقسطاً كما مُلئت جوراً وظلماً"، وهي حركة الهية تكاملية تصل في نهايتها الى المجتمع الكامل الرفيع الذي بشر به جميع الأنبياء والرسل (ع) والصالحون.
وجاءت هذه الفكرة والبشارة من عهد لعهد ومن نبي لنبي ومن مرسل لمرسل ومن زمان لزمان ومن دين لدين تأكيداً للحقيقة القرآنية على وراثة الصالحين والمستضعفين في الأرض:"ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" - الانبياء 105، وكذلك " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" - النور 55، حيث اكد الامام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في معنى قوله عز وجل انها جاءت في الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف (النعماني/240، والمحجة/148، والبحار:51/58، والاحتجاج:1/256).
وقد أوكل الباري تعالى لأئمة أهل البيت عليهم السلام هذا الدور البالغ الحساسية في التمهيد لتلك المرحلة التاريخية ولظهور ذلك المنقذ والمصلح الكبير للبشرية جمعاء، حيث كانوا عليهم السلام يطرحون وباستمرار على الناس فكرة المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) والقائم بالأمر لانقاذ البشرية من الظلم والطغيان والفساد والاستحمار والانحراف والنفاق والنميمة والجهالة، مما دفع بالكثير من المسلمين في مختلف عصور أهل البيت (عليهم السلام) وحتى من قبل أتباعهم يتصور أن أحدهم هو القائم المهدي (عجل).
وقد وضع الأئمة عليهم السلام في مناهجهم التبليغية إبقاء فكرة الظهور حية في وسط المسلمين مع الارتباط الحقيقي بها والاحساس بالانتظار على الدوام، وجعله شعاراً مطروحاً في وجودهم الثقافي ووعيهم السياسي واعتقادهم الديني.
وكان هدف الأئمة من أهل بيت النبوة والعصمة عليهم السلام من ذلك هو إقامة حكومة الإسلام المحمدي الأصيل، وقد انصبّت جهودهم في إطار تأهيل الأمة وتثقيفها وإعدادها لأمر الغيبة ، مما جعلهم عرضة للملاحقة والتنكيل من قبل خلفاء الجور، وتركزّت جهود الامامين علي الهادي (ع) والحسن العسكري (ع) حول موضوع التمهيد لاقامة حكم الله وخلافة الانسان في الأرض.
فكانت المهمة الألهية في ابقاء فكرة الانتظار حية في المجتمع الاسلامي والانساني تنتقل من امام لآخر عليهم السلام على امتداد الامامة حتى وصلت الامام الحادي عشر من أئمة الهدى أي الامام الحسن بن علي العسكري عليه السلام ، حيث كانت مهمته هذه أكثر صعوبة من سائر الأئمة (ع) الذين سبقوه خاصة وان عهده كان مشحونا بالانحراف العباسي والخرافات الدينية بدعم من السلطة الحاكمة .
فكان الامام الحسن بن علي العسكري (ع) الذي نعيش اليوم ذكرى ميلاده المبارك (8 ربيع الثاني سنة 232 للهجرة في المدينة المنورة) الدور الريادي في اعداد الاُمة المؤمنة والصالحة لظهور المنقذ والمصلح الكبير الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، لتقبّل الغيبة التي تتضمّن انفصال الامة عن الامام (عليه السلام) بحسب الظاهر وعدم امكان ارتباطها به وإحساسها بالضياع والحرمان من أهم العناصر التي كانت تعتمد عليها وترجع إليه في قضاياها ومشكلاتها الفردية والاجتماعية، فقد كان الامام (ع) حصناً منيعاً يذود عن أصحابه ويقوم بتلبية حاجاتهم الفكرية والروحية والمادية في كثير من الأحيان.
وقد شكل هذا الامر صدمة نفسية وايمانية للمسلمين المؤمنين الذين كانوا قد اعتادوا على الارتباط المباشر بالامام (عليه السلام) ولو في السجن أو من وراء حجاب وكانوا يشعرون بحضوره وتواجده بين ظهرانيهم ويحسّون بتفاعله معهم، والآن يُراد لهم أن يبقى هذا الايمان بالامام المنتظر (ع) حيّاً وفاعلاً وقويّاً بينما لا يجدون الإمام في متناول أيديهم وقريباً منهم بحيث يستطيعون الارتباط به متى شاؤوا.
وقد بذل الامام الحسن العسكري تبعاً لوالده الامام الهادي (عليهما السلام) قصارى جهوده في هذا المجال لانه يعرف جيداً من إنّ هذه الصدمة تحتاج لرأبها الى بذل جهدا مضاعفا لتخفيف اثارها وتذليل عقباتها وأعد الأمة للأنتظار على مختلف الصعد فكرياً وذهنياً ونفسياً وروحياً وفي وقت قصير جدّاً من امامته القصيرة جداً(ما بين سنة 254الى سنة260للهجرة) حيث اقام نظام الوكلاء اولئك الذين كان قد عيّنهم لشيعته في مختلف مناطق تواجد شيعته، فكانوا حلقة وصل قوية ومناسبة ويشكّلون عاملاً نفسيّاً ليشعر أتباع أهل البيت باستمرار الارتباط بالإمام وإمكان طرح الأسئلة عليه وتلقي الأجوبة منه، فكان هذا الارتباط غير المباشر كافياً لتقليل أثر الصدمة النفسية التي تحدثها الغيبة لشيعة الامام (عليه السلام).
وهكذا تمّ الاعداد الخاص من قبل الامام الحسن العسكري (عليه السلام) للشيعة وخلص المجتمع البشري من المؤمنين والصالحين والصابرين ليستقبلوا عصر الغيبة بصدر رحب واستعداد يتلائم مع مقتضيات الايمان بالله عزوجل وبرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبالأئمة الميامين الهداة (عليهم السلام) وبقضية الامام المهدي الموعود (عجل الله تعالى فرجه الشريف) العالمية والتي تشكل الطريق الوحيد لانقاذ المجتمع الانساني من أوحال الجاهلية والضلالة والظلم والاستحمار والاستعباد والاستعمار والقبلية والوثنية والصنمية التي تعيشه هنا وهناك خاصة في عالمنا الاسلامي الذي ما زال يسعى خط الانحراف الاموي السلفي الوهابي التكفيري كل سعيه لابقاء الأمة في جاهلية قبل الاسلام والقبلية والطائفية الظالمة والفرعونية ويستبيح كل دم ويتنهك المقدسات والأعراض دون مبالاة.
ويعد الانتظار الصادق والمخلص من أهم العبادات وأزكاها كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج من الله عز وجل" ، كما أكد ذلك أمير المؤمنين ويعسوب الدين الامام علي بن أبي طالب عليه السلام قائلاً: "انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله فإن أحبّ الأعمال الى الله عز وجل انتظار الفرج" وكذلك "المنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله".
https://telegram.me/buratha