مرقد السيد محمد سبع الدجيل ( عليه السلام )
هو السيد محمد بن الإمام علي الهادي عليهما السلام. وهو صاحب المرقد الطاهر المعروف والملقب عند العامة والخاصة بسبع الدجيل.وسمي بهذا اللقب وذلك لعدم تعرض قطاع الطرق في الأزمنة القديمة إلى زواره وذلك لخشيتهم منه ذلك لكرامته ومنزلته عند الله سبحانه وتعالى، ومعاجز ظهرت لهم.فهو الابن الأكبر للإمام الهادي عليه السلام حيث كان للإمام عليه السلام أربعة أولاد:
1ـ السيد محمد حرز الدين والذي نحن في رحابه هنا.
2ـ أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام.
3ـ جعفر.
4ـ حسين والمدفون مع أبيه الإمام الهادي وأخاه الإمام العسكري عليهما السلام.
كان عليه السلام منهلاً عذباً لرواد العلم من مختلف البلدان حتى اتسعت شهرته ورجع إليه البعيد والقريب في جميع ما كان يعتريهم من مشاكل ومسائل.
جاء نشأته وترعرعه في هذا البيت الكريم ولا عجب في هذا فقد نشأ الإسلام في بيوتهم وتفرع الدين على أيديهم. فهم الشجرة الطاهرة أصلها ثابت وفرعها في السماء تأتي أكلها كل حين بإذن ربها.
نعم وترفع نحو العلى والكمال واستمد قيماً ومُثلاً عالياً، ومنذ صغره كان على استعداد عالٍ لاكتساب المعالي من أبيه الإمام الهادي عليهما السلام.
أولاده عليه السلام:
لقد خلف السيد محمد عليه السلام من الأولاد تسعة ذكور كما ذكره وأثبته صاحب كتاب بحر الأنساب وهم:
1ـ جعفر (وبه اشتهر بكنيته).
2ـ عبد الله.
3ـ لطف الله.
4ـ عناية الله.
5ـ هداية الله.
6ـ محمود.
7ـ أحمد.
8ـ علي.
9ـ اسكندر.
وقد مات بعضهم ودفنوا في خوي وسلماس (مدينتين تقعان في شمال ايران).
علماً إن أولاد الأئمة عليهم السلام منتشرون في معظم المدن والقرى من جنوب إيران إلى شمالها وإلى الحدود الروسية وآذربايجان
وذلك لهروبهم من بطش الحكام الطغاة العباسيين، ولم يعقب من أولاده سوى أحمد وعلي والله العالم.
مولده ومدفنه:
1ـ مولد: ولد عليه السلام في المدينة المنورة في قرية يقال لها (صريا)
وهي قرية أسسها الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام على بعد ثلاثة أميال من المدينة المنورة (ذكر ذلك ابن شهر آشوب في كتابه المناقب ج4 ص382).
2ـ مدفنه: كان المعروف عن المكان الذي دفن فيه عليه السلام من قبل مئات السنين ببعده عن مناطق السكن وعن قراهم،
حيث أن بعده عن مدينة بلد القديمة وقبل أن يمتد البناء كما نراه اليوم كان يبعد (5كم).
وعن محطة القطار الذي كنا نسافر سابقاً بواسطته إلى سامراء وقبل انتشار المركبات والسيارات عند ما كنا صبيان مع آبائنا وأهلينا فكان يبعد (7كم). وأما عن ضفاف نهر دجلة فيبعد حوالي (4كم).
وبما أن المنطقة كانت تسمى الدجيل قديماً نسبة إلى نهر الدجيل المشهور في التاريخ.
والمعروف بالمصطلح اللغوي أن دجيل مصغر من دجلة (أي إنه فرع من نهر دجلة). وهذا النهر يمتد من شمال مدينة بلد وحتى جنوبها ليصل إلى مدينة الدجيل الحالية.
وكان الزائرون في الأزمنة القديمة وقبل مئات السنين كما يرويها المؤرخون عند زيارتهم لمرقده الشريف المبارك عليه السلام
كانوا في خوف ووجل وخصوصاً من اللصوص وقطاع الطرق وذلك لضعف الحكومات المركزية قديماً،
إلا أن الزائرين لمرقده المقدس وعند وصولهم إلى القبر المبارك كانوا يشاهدون أسداً ضارياً يجوب حول القبر الشريف،
وربما شاهدوه وهو رابض على القبر ليلاً ونهاراً لا يدع أحداً بشراً كان أم حيواناً من أن يدنوا إلى زواره أو الحرم الطاهر المبارك.
لذا كان الزائرون ينعمون بالراحة والاطمئنان ما داموا في حرمه المقدس.
ويقال إن السبع (الأسد) كان موجوداً حتى الأربعينيات من القرن العشرين تقريباً،
وبتطور المنطقة وامتداد العمران وبظهور الحكومة المركزية وسيطرتها،
وبناء حرمة الشامخ المبارك لم يشاهد السبع هناك منذ زمن بعيد نسبياً وشاهدوه الخاصة والعامة. وينقلوا حكايات كثيرة وكرامات عجيبة. لذا سمي بسبع الدجيل.
الى الشرق من قضاء بلد قرب مدينة سامرّاء التاريخية، ترتفع مئذنة بهية تجاورها قبة من الذهب تضم بين أحشائها جوهرة ثمينة من جواهر آل محمد (صلى الله عليه وآله)..
إنه مرقد الطيب بن الطيبين الأطهار سبع الدجيل السيد محمد بن الإمام المعصوم العاشر علي الهادي (عليه وآبائه أزكى السلام)..
يمتد هذا الألق الهاشمي المنبعث من ذلك المرقد خلال السحب ليلتقي أباه وأخاه العسكريين وابنهما المنقذ المصلح في آخر الزمان.
۞ الموقع والوصف
يقع هذا المرقد الشريف ضمن أراضي بني سعد، إذ يحيط به سور يبلغ ارتفاعه 8 أمتار وطوله 300 متر وعرضه 200 متر، ويقع على رقعة مربعة الشكل، طول كل ضلع من أضلاعه 150متراً.
والصحن فناء كبير له أربعة أبواب رئيسية، وهي: باب القبلة، وباب الحمد، وباب المراد، وباب البريّة. والباب الشرقي مغلقة، وفي السبعينات فتح الباب الغربي عند محل نحر الذبائح المهداة (القصّابخانة).
وفي الصحن ـ وهو من أوسع صحون المشاهد المقدسة في العراق ـ ست طارمات رئيسية واسعة و 14غرفة، وصالة للاستقبال أُعدّت للوفود وكبار الشخصيات والوجهاء، تحتوي على مكتبة صغيرة، وزُيّنت جدران الصحن بالقاشاني، ونقشت عليه آيات من الذكر الحكيم، وأحاديث شريفة، وأشعار عربية.
وفيه أواوين وطرامي وغرف للسدنة، كما يوجد في إحدى الغرف بئر قديمة جداً حفرها الخدمة وتُستعمل للشرب، قبالتها بئر أخرى تُستخدم لتنظيف الصحن.
وأمّا الرواق الذي تتوسطه الباب الذهبية للدخول، فكُتب عليها الحديث النبوي الشريف: (كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي)، وتزينت جدرانه بالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، والأشعار اللطيفة، والروضة فوقها قبة كبيرة مزيّنة من داخلها بالفسيفساء، ومدونٌ عليها أسماء الأئمة المعصومين(عليهم السّلام)، وفيها الكثير من الهدايا الثمينة، ومحيط القبة 50 متراً.
والرواق بناية تقع بين الإيوان والحضرة، لها جناحان عن اليمين وعن الشمال، وسقف الرواق ذي القباب الثلاث المكسوّة بقطع مِن المرايا المصنوعة بشكلٍ هندسيّ وإتقان رائع، يدلّ على مهارة الفنّ المعمار العراقي.
أمّا الإيوان الذي يرتكز على ثمانية أعمدة متساوية في الطول لا يختلف بينها سوى عمودين يقعان في الوسط، يزيدانِ ارتفاعاً عن بقيّة الأعمدة، وهما العمودان المتقابلان لباب القبلة، وينتهي جميع الأعمدة بتيجان متساوية الحجوم متشابهة الشكل، مزيّنة ببروزات حلزونيّة، يتوسط هذه الأعمدةَ بابُ الحضرة الذهبيّة المقابلة لبناية الكليداريّة الكائنة في واجهة سور الحصن، كما ويتّصل الإيوان بالرواق الأمامي بواسطة الباب الرئيس الذي يدخل منه الزائرون إلى الحضرة.
وأمّا أبواب الحضرة فهي ثلاثة: باب الذهب، وباب الرواق، وباب الألمنيوم. إذ لا يُسمحَ بدخول الزائرين إلاّ من باب الذهب، وهو مصنوع من خشب الصاج الجيّد ذي الرائحة الطيّبة، ومُغلّف بالذهب الخالص تطوّقه آياتٌ قرآنيّة كُتبتْ بالمنيا بخطٍّ جميلٍ متقن رُسمتْ حروفه بخطّ الثُلث، وغُلّف الباب جميعه بالزجاج الأبيض.
والحضرة هي الفسحة التي تحيط بشبّاك الضريح الشريف، مساحتها10متر، ولها رواقان هما: الرواق الشرقي، والرواق الغربي. تُقام فيها الصلاة ويتلى هنالك القرآن الكريم والأدعية الشريفة، وقد زُيّنت جدرانها بالآيات المباركة.
والقبر الشريف يتوسط الروضة حيث يعلوه صندوق ذهبي في غاية الدقة والجمال نُقشت عليه سورة الدهر، وأسماء المعصومين(عليهم السّلام)، وأشعار عربية وفارسية، وتعلوه ثريّا ضخمة.
أمّا الصندوق الذي يحيط بالضريح والقبر، فقد مرّت عليه حالات تغيير وتجديد حدثت على مدى الأزمنة، فقد كان مصنوعاً من الخشب ثمّ أُبدل بمادّة النحاس، ثمّ أُبدل بمادة الفضّة ومنها إلى الشبّاك الذهبي الحالي.
ومساحة الشبّاك الحالي 4 في 3 أمتار، يرتكز على قاعدة مستطيلة من المرمر بارتفاع 30 سنتمتراً، يتّصل به مشبّك مصنوع من مادّة الفضّة، ويمتدّ بمقدار 180 سنتمتراً، ثمّ يتّصل بمادّة الذهب المكمّل لهيكل الصندوق المشبّك.
ويحيط بالصندوق من جهته العليا أحزمة بارزة من الذهب الخالص فيها تشكيلات زخرفيّة وآيات قرآنية كُتبتْ بشكلٍ فنّي وهندسي، ثمّ يأتي شكل هندسي بيضوي رُسِم بالمينا بزخرفٍ جميل يضمّ اسماً من أسماء الله الحسنى.
وإلى جانب القبة مئذنة لا تقل روعة وبهاءً عنها وطولها 40 متراً، وكان يقع جوار المرقد حمام ومطحنة وخان بناه الميرزا حسين النوري (سنة 1310 هـ)، ويحيط بالصحن سوق صغير، وثلاثة فنادق، ومنشأة عامة لنقل المسافرين، ومقبرة عامة، ومركز للشرطة، وعدد من المقاهي والمطاعم.
۞ العمارات المتعددة
كان المرقد لزمن ليس بالقصير مهجوراً، لوقوعه في برية موحشة، ومنحرفاً عن طريق زائري سامراء، وقد توالت عليه حملات العمران والبناء والتجديد كلّما توالت العمارة على مرقد العسكريين(عليهما السّلام). وأهم ما مر من العمارة على المرقد الطاهر للسيد محمد على مر التاريخ هي:
1 ـ عمارة عضد الدولة البويهي المتوفي سنة ( 372 هـ )، وتُعتبر أُولى العمارات، استناداً إلى مشاهدات أهل الخبرة والأطلاع، لما شاهدوه في تعمير سنة ( 1379 هـ ) حيث ثبت بالأدلة والقرائن أن العمارة ترجع إلى أيام عضد الدولة في القرن الرابع الهجري.
2 ـ عمارة الشاه إسماعيل بن حيدر الصفوي في القرن العاشر الهجري، عندما عمّر مرقد العسكريين عليهما السّلام بعد فتحه لبغداد سنة(914 هـ ).
3 ـ عمارة المولى الميرزا محمّد رفيع الخراساني الأصل التبريزي المسكن سنة (1198 هـ / 1777م) بأمر الأمير أحمد خان بن مرتضى علي الدنبلي الخوئي كما في ( تحفة العالم ) للتستري.
4 ـ عمارة الشيخ زين العابدين بن محمّد السلماسي المتوفّى سنة(1266هـ)، وهو من أبزر تلامذة السيد بحر العلوم، وتشرف بلقاء الحجة عجل الله تعالى فرجه فبذل الجهد لعمارته سنة ( 1208 هـ / 1787 م ) فبنى قبة من الآجرّ والجص، وأحدث خاناً لنزول الزائرين، وأكمل تشييدَ الخان فيما بعد جماعةٌ من دولت آباد، وكانت العمارة بأمر الأمير حسين خان السردار.
5 ـ عمارة العلامة محمّد صالح بن إسماعيل البرغاني القزويني المتوفي بكربلاء سنة ( 1283 هـ ) وله نحو ( 15 ) مؤلفاً، وأشرف على العمارة حسين خان القزويني في سنة ( 1244 هـ ) وكانت مكتوبة بخط الثلث على صخرة في الروضة المقدسة.
6 ـ بنى السيّد المجدد رحمه الله حجرتين، وبنى السيد آقا خان الحسيني المحلاتي الرواقين خلف الروضة وقدامها، وأمر العالم المفسر الحاج فتح علي سلطان آبادي المتوفي سنة ( 1317 هـ ) بإنشاء حوض البئر التي كانت على يمين الصحن.
7 ـ عمارة الميرزا حسين بن محمّد تقي الطبرسي النوري، حيث شيّد (12) غرفة في الطرف الجنوبي والغربي من الصحن سنة(1310 هـ / 1893م)، وكتب على القبر الشريف تاريخ وفاة السيد محمّد (عليه السّلام)، وكان طول الصحن وقتئذ 50 متراً وعرضه 28 متراً وعلوّ حائطه مقدار قامة وشبرين تقريباً.
وألبس الميرزا النوري القبة بالقاشاني ووسّع الصحن، ونصب شبّاكاً من الفولاذ الأصفر على القبر الطاهر، ورصف الروضة بالرخام الصقيل، وجعل حيطانها مكسوة بالرخام بمقدار دون القامة والبقية بالمرايا ذات الألوان.
8 ـ بنى المجتهد السيّد حسن بن السيد هادي الصدر الكاظمي المتوفّى سنة(1355هـ) الكيشوانيةَ الغربية في الصحن، وكان يكثر من زيارة المشهد.
9 ـ عمارة الميرزا محمّد الطهراني المتوفّى سنة ( 1371 هـ )، حيث قام بتوسع الصحن وبناء الحجرات الشمالية فيه، وشيد عدة دكاكين وحياضاً، وجاء بمضخّ الماء فاستراح الزائرون، وكانوا مِن قبل يبيتون عشرة أيام أو أكثر لتهيئة أسباب الراحة.
10 ـ بناء عدة غرف وترميمات من قِبل الشيخ هاشم بن الحاج حسب الله الربيعي البلداوي المتوفّى سنة ( 1305 هـ ).
11 ـ عمارة المرجع السيد حسين بن السيّد علي البروجردي بنظارة السيّد حسين بن السيّد محمود القمي، حيث تبرعت جمعية خيرية من أهالي طهران بالأموال الطائلة، فزاد في توسيع الصحن، فجعل طوله من جهة الشرق 78 متراً ونصف المتر، ومن جهة الشمال 100 متر، وأنشأ حجرات بلغت سنة ( 1366 هـ ) 98 حجرة.
وإثر وفاة السيّد حسين القمي أشرف على التعمير نجله السيّد محمّد، فهدم الحائط الشرقي الذي كان بين الخان والصحن وبنى ثماني حجرات أُخَر مع خلوتين وسراديب، ورصف الصحن بالسمنت وانشأ رواقاً من جهة شرق الروضة، وهدم الحجرات الجنوبية وفتح باباً كبيراً للصحن، وجلب ثلاثة مضخات للماء، ونصب بعضها خارج المشهد للزراعة والطحين، وجلب ماكنة للكهرباء، وبنى حماماً ومطحنة سنة (1379 هـ / 1955 م)، وكان يجلب الرخام من الموصل والجص من سامراء والآجرّ من بغداد والسمنت وأبواب الحجر من إيران.
12 ـ عمارة أهل الخير والإحسان، قامت بها جماعة بجمع الأموال سنة 1960، واستمر العمل حتى سنة ( 1964 ) فتمّ أصلاح القبة وتوسعة الصحن، وشيدت المأذنة سنة ( 1380 هـ ) على نفقة الحاج زيدان البغدادي، وجُدّدت باب الحمد الرئيسية في الصحن من قبل الحاج عبدالغني بن الحاج مهدي الميرزا البلداوي المتوفّى سنة ( 1963م ).
13 ـ عمارة سنة ( 1390 هـ ) تم فيها هدم الحجرات وبناء طارمات كبيرة محلها، ولم تبق سوى ( 14 ) غرفة في الصحن.
14 ـ نصب الصندوق الذهبي على القبر الشريف، وباب الرواق الذهبية سنة ( 1399 هـ / 1979م ) بعد جلبها من إيران.
15 ـ إنارة الصحن بشبكة كهرباء جيدة قيمتها 150 ألف دينار سنة 1400 هـ / 1980 م.
16 ـ بناء مئذنة آخرى وترميم القبّة وأعمال صيانة جديدة من قِبل وزارة الأوقاف العراقية سنة (1410 هـ / 1990 م)، فجُدّدت بعض الأبنية، ونصب أجهزة تدفئة وتبريد مركزية وثريات كريستال وإكساء الصحن والروضة بالمرمر الأيطالي النفيس.
17 ـ أهدى ثابت بن محمّد بن حسن العلوش الشمّري البلداوي البابَ التي تقابل الداخل إلى الصحن.
۞سدانة المشهد
تقوم بسدانة وخدمة المرقد الطاهر منذ عهد بعيد عشيرة القوام التي تنتهي إلى ربيعة الحجاز، وجدها الأعلى الشيخ علي الذي من ذريته عمر وعمران حيث تفرعت العشيرة منهما إلى ( 12 ) فرعاًمعجزاته وكراماته:
قبل عشرات السنين منذ أن كنا صغاراً كنا نذهب مع آبائنا إلى زيارة الإمامين العسكريين عليهما السلام. فكان أول رحالنا وقبل أن نصل إلى سامراء كنا ننزل بالقرب من مدينة بلد حيث المرقد الشريف للسيد محمد عليه السلام فنبقى هناك ليلة أو ليلتين فنشاهد في ما تأتي من النذورات من مختلف الأشياء وتلك دلالة على قضاء حوائجهم، وبالأخص الخراف من الصباح إلى المساء وباستمرار، فيذبحونها عند المرقد الشريف وفي المذبح الخاص به في الزاوية الشمالية الشرقية من الصحن المبارك، وإن مثل هذا النذر الخاص بالسيد محمد عليه السلام مجرب فيأخذ سدنة المرقد الشريف نصف الخروف ويعطون النصف الآخر للناذر فيطبخ طعاماً ويوزعه بين الزوار.
فالزائر هناك لا يحتاج إلى أي شيء أو أية أداة من الأدوات للطبخ لأن كل شيء موفر من قدور وأواني وأي شيء يحتاجه أو ما يطرق بباله موجود هناك بكثرة وبمختلف الأحجام في مخازن خاصة في الصحن الشريف وهذه من تبرعات أو نذورات أتوا بها الناس بعد قضاء حوائجهم.
ومن كرامات هذا السيد الجليل شفاء المرضى. وأما الشيء الذي كان يجلب النظر ويلفت الانتباه والذي لا نراه في الأماكن الأخرى هو ماكنا نراه وما ينقله الزوار وما نسمعه من سواق السيارات التي تشتغل وتعمل على هذا الطريق أي بين الكاظميين والسيد محمد وسامراء من معجزات هو أنه إذا سرق أحد شيئاً من الأدوات الموجودة هناك كبعض الأواني وأدوات الطبخ أو عن طريق السهو صارت مع أمتعته فإن السيارة لا تتحرك من مكانها مهما حاول السائق تشغيل سيارته. فعند ذلك يقول للزوار من أخذ شيئاً من الإمام أو اشتبه وصار مع أمتعته فليخرجها ويرجعها إلى الصحن الشريف لأن السيارة لا تتحرك من مكانها لأنه لا يوجد أي عيب أو عطل فيها، فعند ذلك يضطر الشخص الذي سرق شيئاً أو جاء سهواً مع أمتعته بإخراجها وإرجاعها. فعند ذلك تشتغل السيارة وهذه إحدى الكرامات والمعجزات المشهورة منذ القدم عند الناس وعند السواق وعند أهل المنطقة.
ولماذا لا تحدث هذه الكرامات التي أعطاها الله سبحانه وتعالى له، فهو سليل الدوحة الطاهرة وصاحب (البراهين الساطعة والكرامات الباهرة والمعجزات المشهودة) كما ورد في زياته عليه السلام. فهو صاحب المنزلة الرفيعة والجاه العظيم عند الله سبحانه وتعالى والذي توقع الشيعة في زمانه إنه سيلي والده في الإمامة، لذا كان الإمام الهادي عليه السلام يرشدهم إلى ولده الحسن العسكري عليه السلام من بعده، وما كان ظن الشيعة به إلاّ لعلو شأنه وتقواه.
لما بلغ الرابعة والثلاثين من عمره الشريف مرض مرضاً شديداً مفاجئاً لم يمهله طويلاً حتى فارق الحياة في مكان قبره الشريف المبارك ودفن فيه في (الآخر من جمادى الثانية سنة 252 هـ) وقيل مات مسموماً شهيداً، ولا نستبعد ذلك لأنه كان أكبر أولاد الإمام الهادي عليه السلام وله مؤهلات عالية ظن الأعداء إنه سيكون الإمام من بعد أبيه عليه السلام، فسعوا إلى قطع هذا الطريق أمامه، ولا شك في أن السلطة العباسية في زمن الإمام علي الهادي والإمام الحسن العسكري عليهما السلام كانت تراقبهما بحذر شديد ولهذا استدعت الإمام الهادي عليه السلام من المدينة المنورة إلى سامراء ليكون تحت نظارتهم، وإن منهج التصفية الجسدية كان متبعاً من قبل بني العباس وقد مورس مع آباء السيد محمد وأجداده بكل وضوح.
https://telegram.me/buratha