عادل الجبوري
يعتبر معظم المؤرخين والكتاب والمفكرين المتخصصين في التأريخ الاسلامي ان هبوط الوحي على الرسول الكريم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والشروع بتبليغ الرسالة المحمدية السماوية يمثل نقطة التحول الكبرى في تأريخ البشرية ، والانعطافة الحاسمة لانقاذها من التيه والضلال والجهل والانحراف.وهذه الرؤية دقيقة وصائبة بالكامل في اطارها العام والشامل ، مع ان الرسالة المحمدية الخاتمة تعد في كثير من جوانبها استكمالا لرسالات عدد كبير من الرسل والانبياء على امتداد حقب تأريخية طويلة ونجد في القرآن الكريم اشارات واضحة لهذه القضية وخصوصا عند التدقيق والتأمل في الايات القرآنية الكريمة التي تتناول مسيرة النبي ابراهيم الخليل (ع) من قبيل : { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }.ولكن هناك رؤية أوسع وأشمل تربط نقطة التحول الكبرى والانعطافة الحاسمة في تأريخ البشرية بولادة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) في السابع عشر من شهر ربيع الاول من عام 52 قبل الهجرة-570 ميلادية ، وهو العام الذي عرف بعام الفيل ، وهذه الرؤية الثانية تربط في واقع الامر بين دراسة الظروف الموضوعية السائدة في مجتمع الجزيرة العربية عند ولادة الرسول الكريم (ص) ودراسة شخصية الرسول محمد المتكاملة والمثالية وسط كيان اجتماعي جاهل كان يقوم على اساس العصبية القبلية ، والتفاوت الطبقي ، وعبادة الاصنام ، والاحاطة بالعوامل والاسباب والمبررات المادية والغيبية لهبوط الوحي على النبي الاكرم (ص) واصطفائه من قبل الباري عز وجل لتبليغ الرسالة الخاتمة للبشرية ودعوتها الى الهدى وانتشالها من الجهالة والضلال.من هنا فأن الولادة المباركة لمنقذ البشرية لم تكن حالة طبيعية اعتيادية شأنها شأن أية ولادة أخرى بقدر ما هي جزء من مشروع رباني إلهي ، أو خطوة اولى في مسيرة ذلك المشروع المراد له ان يتواصل مع تواصل الحقب والاجيال.وقبل هبوط الوحي الإلهي عليه كان محمد بن عبد الله بن عبد المطلب نموذجا للانسان الصادق والامين والساعي الى الخير والصلاح ، حتى انه كان يوصف بـ (الصادق الامين) علما ان البيئة الاجتماعية التي ولد ونشأ وترعرع فيها اتسمت بوجود مظاهر وظواهر سلبية وسيئة غير قليلة .وقد كان على الرسول الاعظم ان يبدأ بمشروعه التغييري الاصلاحي من الدائرة الاضيق الى الدائرة الاوسع وفقا لقوله تعالى { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } ، أي انه كان لزاما عليه ان يتصدى لكل المظاهر والظواهر السلبية والخاطئة في مجتمع شبه الجزيرة العربية .وذلك التحول الذي أحدثه نبي الرحمة يصفه أحد الكتاب العرب بقوله "ان الرسول الاعظم (ص) نقل المجتمعات البشرية من ظلام الجهل الى انوار العلم ، نقل الجزيرة العربية من سراب الاساطير والخرافات الى جامعة كبرى للعلوم ، نقل الناس من رعاة اغنام الى بناة حضارة ، الى مؤسسي مدارس فكرية منقوش في لوحتها أطلب العلم من المهد الى اللحد ، طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ، نقل الكلمة عبر الفنون الابداعية ، عبر التطور الحضاري ، عبر الادب والفلسفة والحكمة ، عبر اطلب العلم ولو كان في الصين" وكما قال النبي الكريم (ص): "انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق". أي ان الدور الذي كان مفترضا ومقررا ان يضطلع به الرسول محمد (ص) على ضوء المشيئة والتخطيط الالهي لم يكن محصورا في مساحات مكانية معينة او ضمن عناوين واطر بعينها دون غيرها ، وانما كان بمثابة ثورة شاملة وانقلاب جذري على القيم والعادات والتقاليد والافكار والمفاهيم والنزعات الخاطئة لتحل محلها منظومة قيم وعادات وتقاليد وافكار ومفاهيم وعلاقات متكاملة في اطار رسالة إلهية محورها الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم وابرز سماتها الاستمرارية والتواصل دون انقطاع ، اذ انه حتى بعد وفاته (ص) عن عمر ناهز ثلاثة وستين عاما تواصلت مسيرة اصلاح وهدي البشرية من خلال أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وهي ما زالت متواصلة من خلال الامام المهدي المنتظر وانصاره واتباعه في مختلف اصقاع الارض ومشاربها
https://telegram.me/buratha