Twitter@MuntadarAlshaik
يقول تعالى {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}[1].
يقول الإسلام بوحدة الإنسانية وبتنوعها، ويرسي أسساً ومبادئ لاحترام التنوّع والتعدد الإثني والثقافي والديني بحيث تشكل هذه الأسس والمبادئ جوهر العقيدة الإسلامية، لا يكتمل إيمان المسلم بل لا يكون أساساً من دونها.
وفي القرآن الكريم عدد كبير من الآيات الكريمة التي تؤكد ذلك، منها ما ذكرناه في بداية الحديث. فالله سبحانه وتعالى كرم بني آدم، أي أن الكرامة الإلهية للإنسان تشمل الناس جميعاً وليست وقفاً على عقيدة دون آخر، أو على المؤمنين دون سواهم.
يقول تعالى: {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين}[2]، هناك آراء مختلفة وكل تجمع له منهجه وكل تيار يكون له خطه السياسي، لهذا فحياة البشر تقوم على قاعدة التخيير التي سنها الباري عز وجل لهم فهم مخيرون في انتخاب الطرق والمناهج والمسالك التي تصب في خدمة الغاية السامية ومن ثم يتكاملون وينتخب الأفضل فيما بينهم وتكون حرية الانتخاب والاختيار للشعب، ولولا التنوع والتعدد في البلد لما اختير الأفضل، فهذه التعددية لا تختلف مع الوحدة ولا تتناقض معها بل هي تشكل الأرضية المناسبة لها.
لهذا نحن بحاجة إلى التعددية وبحاجة لما يسمى بالاختلاف، بعض التعددية لو لم تكن موجودة لكنا خلقناها خلقاً. من هنا يجب ألا نبالغ في خطر الخلافات أو الأفكار المتنوعة ضمن الإطار الواحد، إنما يجب أن نبحث عن صيغة متطورة للتعامل مع التنوع الموجود. فإذا ما وجدنا صيغة مناسبة فستكون التعددية في مصلحتنا. ونستفيد منها في كل ألوان وصيغ وأساليب ومناهج العمل.
إن التعددية السياسية تعني مشروعية تعدد القوى والآراء السياسية وحقها في التعايش وفي التعبير عن نفسها وفي المشاركة في التأثير على القرار سياسياً في مجتمعها، وهي السبيل لكي لا يكون مجال لتسلُّط الطغاة والجبابرة.
إن الحوزات العلمية الإسلامية كانت على طول التاريخ حوزات حرة، ولم يقتصر التاريخ الشيعي في أية برهة من الزمان على مرجع واحد، بالطبع كان هناك مرجعا أعلى لكن إلى جانبه كان هناك مراجع آخرين وأكثر من مدرسة وأكثر من منهج، وكان الحوار والتعايش مفتوحا بين أكبر مرجع وأصغر طالب وهذا ما اعتادت عليه الحوزات منذ نشأتها الأولى وإلى اليوم وهذا هو الذي جعلنا نتطور ونتنافس على المكرمات {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}.
حق المعارضة... صورة للتعددية السياسية:
ومن صور التعددية السياسية التي تكفلها (حرية الرأي السياسي) هو حق المعارضة، وللإسلام شواهد عديدة في تطبيق هذا الحق والتعامل معه في أجمل وأفضل صورة، ففي عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ممثّل الإسلام الأوّل ورافع راية النبوّة الخاتمة كان المعارضون حتى من غير المسلمين، يبدون اعتراضاتهم بكلّ صراحة ودون أيّة مخافة، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتقبّل ذلك بصدر رحب ويتعامل معهم بكلّ حفاوة واحترام ولم يلجأ يوماً ما إلى العنف والبطش معهم أبداً.
وكذلك الحال بالنسبة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ أنّه (عليه السلام) عندما انتهت إليه الخلافة أخذ البعض يبدي اعتراضاته ومخالفته، إلاّ أنّه (عليه السلام) لم يعاقب أحداً بذلك، بل كان في بعض الأحيان يخبرهم بما يضمرون ويغضّ الطرف عنهم.
ونجد ذلك في قصة طلحة والزبير حيث روي أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لطلحة والزبير حين استأذناه في الخروج إلى العمرة: لا والله ما تريدان العمرة وإنّما تريدان البصرة، فكان الأمر كما قال.
وقال (عليه السلام) لابن عبّاس وهو يخبره عن استئذانهما له في العمرة: إنّني أذنت لهما مع علمي بما قد انطويا عليه من الغدر واستظهرت بالله عليهما، وإنّ الله تعالى سيردّ كيدهما ويظفرني بهما.
وقال (عليه السلام) في خطبة له في ذي القار مصرّحاً عن سماحة الإسلام وعظمة سياسته اللاعنفية الداعية إلى إتاحة الحرّيات للآخرين حتّى للمعارضة:
وبايعني طلحة والزبير وأنا أعرف الغدر في وجهيهما والنكث في عينيهما، ثمّ استأذنا في العمرة فأعلمتهما أنّ ليس العمرة يريدان، فسارا إلى مكّة واستخفا عائشة وخدعاها وشخص معها أبناء الطلقاء فقدموا البصرة وقتلوا بها المسلمين وفعلوا المنكر، ويا عجباً لاستقامتهما لأبي بكر وعمر وبغيهما عليَّ وهما يعلمان أنّي لست دون أحدهما ولو شئت أن أقول لقلت، ولقد كان معاوية كتب إليهما من الشام كتاباً يخدعهما فيه فكتما عنّي وخرجا يوهمان الطغام أنّهما يطلبان بدم عثمان.
ومع إجازته للمعارضة (عليه السلام)-إذ كان عليه السلام يوما معارضاً- إلا أنه كان يرى بأنه على المعارضة أن لا تعتدي على الحكومة، وفي المقابل ومن باب العدل أن لا تعتدي كذلك الحكومة على المعارضة، فالسلطة لا تجيز لك ظلم من يخالفك الرأي، كما أن مخالفتك للسلطة لا تجيز لك الاعتداء عليها إذا كانت تتمتع بثقة الأغلبية من الناخبين (الناس) فالميزان هو رأي الناس، بنظر الإمام، بمعنى آخر، فان شرعية أية سلطة هو ثقة الناس بها، اقصد غالبية الناس.
يقول عليه السلام لما عزم (أهل الحل والعقد) على بيعة عثمان {لقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري، ووالله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا علي خاصة، التماسا لأجر ذلك وفضله، وزهدا فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه}. وبهذا النص أجاز الإمام للرافضين للسلطة حق المعارضة.
ولعمري ما عدّل أحد في تعامله مع مخالفيه ومحاربيه ومعارضيه كأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ونجد في سيرته وحكومته مما يضيق على مقالنا هذا ذكره، ففي سيرته ودولته ورجالاته الكثير من الوقفات العظيمة التي يجب أن يتأملها كل حاكم وكل أب وكل مسئول وكل إنسان يريد العدل والحرية والكرامة أن يبحثها في سيرة علي بن أبي طالب (عليه السلام).
[1] سورة الحجرات، الآية 13
[2] سورة الروم، الآية 22
11/5/130111
https://telegram.me/buratha