خضير العواد
نحتفل هذه الأيام بمولد شمس من شموس آل محمد ( صلوات الله عليهم أجمعين) ونقدم التهاني والتبريكات لأمام العصر والزمان الإمام الحجة بن الحسن ( روحي وأرواح العالمين لمقدمه الفداء) والى جميع المؤمنين في العالم ، ولد الإمام الرضا (ع) في يوم الحادي عشر من ذي القعدة عام 148 هجرية من أم مغربية أسمها نجمة أو تكتم رضوان الله عليها ومن أبٍ قد عرفته السجون وأنتفع من علمه العلماء وضاقت من صبره الخلفاء حتى قتلوه مسموماً مظلوما ألا هو الإمام موسى بن جعفر (ع) ، وقد عاش الإمام الرضا(ع) مع جده الإمام الصادق(ع) خمسة سنوات وعاش مع أبيه الكاظم (ع) أربع وعشرين سنة وبضعة اشهر ، ولقد أمتازعصرالإمام الرضا (ع) بإندلاع الخلافات ما بين الأمين والمأمون حتى وصلت الى حروب دامية ما بين الجانبين من أجل الملك والجاه ، وهذه الحروب قد جرّت الى البلاد الإسلامية الإزمات الإقتصادية والإجتماعية بالإضافة الى السياسية ، وقد كثرت الحركات الثورية ضد ظلم بني العباس لا سيما الثورات العلوية ، بالإضافة الى إبتعاد مركز الحكم والإدارة عن أطراف البلاد الإسلامية فقد نقل المأمون مركز حكمه الى خراسان وهذا مما أثر سياسياً على الواقع المعاشي للناس ، وقد ظهرت الثقافات والأفكار المتنوعة كألفلسفة اليونانية والأفكار الضالة والإنحرافات العقائدية التي ظهرت على أثر حركة الترجمة ودخول طوائف كثيرة من النصارى في الوعاء الإسلامي مما أدى الى مزج الطاقات وإنتشار التّجار والكتب والنسخ وبالتالي دخول بعض الأفكار المريضة على المجتمع الإسلامي ، بالإضافة الى مشكلة الواقفة الذين أعتقدوا بأن الإمام الكاظم (ع) لم يمت بل غاب وسيعود بعد حين مثل موسى بن عمران (ع) عندما غاب عن قومه وعاد إليهم بعد حين ، فأطلق على هؤلاء بالواقفية لأنهم وقفوا على إمامة الإمام الكاظم (ع) ورفضوا إمامة الرضا (ع) وأصبحت هذه المجموعة على مر الأيام تياراً كبيراً وأحدثوا شرخاً في الأمة الإسلامية وكان بيد رؤسائهم أموالاً طائلة كانت للإمام الكاظم (ع) فرفضوا أن يدفعوها الى الرضا(ع) تحت ذريعة الغيبة وأن الإمام الكاظم (ع) سيعود . وقد واجه الإمام الرضا (ع) جميع هذه الأخطار وفي مقدمتها السلطة حيث واجهها مواجهة جذرية ، فكان يعلن في المدينة إنه الإمام المفترض الطاعة وإنه أحق بالحكم والخلافة من بني العباس حيث يقول صفوان بن يحيى : لما مضى أبو الحسن موسى بن جعفر (ع) وتكلم الرضا (ع) خفنا عليه من ذلك فقلت له إنك قد أظهرت أمراً عظيما وإنما نخاف عليك هذا الطاغي فقال عليه السلام (ليجهد جهده فلا سبيل له عليّ) ، فكان هذا المنهج الجديد يختلف جوهرياً عن الحياة التي عاشها والده الكاظم (ع) بل إن جهاد وصبر الكاظم (ع) أفرز هذه الحرية للإمام الرضا (ع) كما أفرزت ثورة الحسين (ع) نوع من الحرية للإمام الباقر (ع) فنشرعلوم آل محمد عليهم السلام ، وقد جلس الإمام الرضا (ع) في مسجد جده النبي (ص) وهو ينشر العلم ويدلي بفضائل أمير المؤمنين علي (ع) ويوضح القواعد الأساسية للمذهب الشيعي إنطلاقاً من القرأن الكريم ، أي إن الإمام الرضا (ع) أستعمل سلاحين مهمين هما : السلاح السسياسي القائم على الأسس الشرعية والثاني : السلاح العلمي لصيانة المجتمع من التخلف والجاهلية العمياء ، عند ذلك أدرك المأمون العباسي خطورة الإمام الرضا (ع) وشعر أن الإمام يتحرك بشكل يهدد سلطانه وقد ينهي حكمه فيما إذا ترك الإمام الرضا (ع) في مثل هذه الحرية ، لهذا أقترح فكرة ولاية العهد على الإمام (ع) وأن رفض الفكرة فسوف يقتل ، وقد قبل الإمام الرضا (ع) ولاية العهد بسبب هذا التهديد ولكن بشروط منها أن لا يأمر ولا ينهي ولا يقضي ولا يغيّر شيئاً مما هو قائم وقد وافق المأمون على شروط الإمام (ع) الذي كان يحتاج الإمام (ع) من أجل تثبيت ملكه الذي هدده العلويون بكثرت ثوراتهم ، وقد أستغل الإمام الرضا (ع) موقعه كوليّ للعهد استغلالاً جيداً فقد عمل أمور كثيرة منها : كان يعقد المناظرات والحوارات الفقهية والعقائدية وخصوصاً التي تتعلق بعصمة الأنبياء وأحقية الإمام علي بن ابي طالب (ع) بالخلافة وكونه الوصي الشرعي للنبي (ص) وعندما كانت الأسئلة تتوجه الى المأمون وأصحابه فأنهم يحولونها الى الإمام الرضا (ع) وكان الإمام (ع) يجيب بالحق ويصدع بالصدق ويصحح المسار العام للفكر الإسلامي وهو أقوى سلاح ، وقد أكد الإمام الرضا (ع) على مآساة الإمام الحسين (ع) ، فكان يعقد مجالس الرثاء والعزاء أيام محرم الحرام في بيته ويدعوا الشعراء لرثاء سيد شباب أهل الجنة (ع) ومن هؤلاء الشعراء دعبل الخزاعي عندما جاء الى الإمام الرضا (ع) وأنشده قصديته العصماء التي يقول في مقدمتها: مدارس آيات خلت من تلاوة ومنزل وحي مقفر العرصاتوقد أضاف إليه الإمام الرضا (ع) بيتين من الشعر لتكتمل القصيدة فقال عليه السلاموقبر بطوس يا لها مصيبة ألحت على الأحشاء بالزفرات الى الحشر حتى يبعث الله قائما يفرج عنا الغم والكربات فأستغرب دعبل وقال لمن هذا القبر ؟ فقال الإمام (ع) (إنه قبري ) فسلام عليه يوم ولد ويوم أستشهد ويوم يبعث حيا .
https://telegram.me/buratha