الصفحة الإسلامية

في ذكري‌ ميلاد الإمام علي الرضا (ع) ......دراسة في جزئين بقلم: السيد كاظم العذاري

2304 19:12:00 2012-09-27

 

ولد الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام في 11 ذي القعدة سنة 148 هجرية في المدينة المنورة.

عاش مع والده 35 سنة شاركه في محنته وعاش معه مشاركاً له آماله وآلامه، وكان يرى أباه يتنقل من سجن الى آخر في عهد هارون وقبله من الحكام الى ان استشهد مسموماً.

وخلّف الإمام الكاظم عليه السلام ابنه الإمام علياً الرضا عليه السلام فكان كأبيه في خصائصه وكان أعلم أهل زمانه في أجواء ازدياد عدد العلماء والفقهاء والفلاسفة، وقد نشط البحث والتأليف والتدوين وتصنيف العلوم والمعارف، ونشأت المدارس والتيارات الفلسفية والفكرية، وكان الإمام علي الرضا  عليه السلام يتقدم العلماء في مناظراته مع المفسرين والفلاسفة وعلماء الكلام، وكانت له ردود على الزناقة والغلاة استطاع من خلالها تحجيم أفكارهم وشبهاتهم.

وقد جمع له المأمون العباسي علماء سائر الملل والأديان مثل: الجاثليق، ورأس الجالوت، ورؤساء الصابئين، وأصحاب زرادشت، ونسطاس الرومي، فسألوه فقطعهم واحداً بعد واحد.

وكتب الرسالة الذهبية إلى المأمون فكتبها بماء الذهب، وهي رسالة شاملة لجميع أسس الاسلام من الحلال والحرام والفرائض والسنن.

ويقول محمّد بن عيسى اليقطيني: لما اختلف الناس في أمر أبي الحسن الرضا عليه السلام جمعت من مسائله ممّا سئل عنه وأجاب عنه خمس عشرة الف مسألة.

استقبله في نيشابور عشرون ألفاً من الفقهاء والعلماء والرواة وأصحاب الحديث.

وكان مرجعاً علمياً للامة وهذه المرجعية هي الأساس في مرجعيته الاجتماعية والسياسية.

ونكتفي بنقل آراء ثلاثة من الباحثين في حقّه:

* يوسف بن إسماعيل النبهاني: أحد أكابر الأئمة ومصابيح الأمة، من أهل بيت النبوة، ومعادن العلم والعرفان والكرم والفتوة، كان عظيم القدر مشهور الذكر وله كرامات كثيرة.

* جمال الدين الاتابكي: كان إماماً عالماً سيد بني هاشم في زمانه وأجلّهم، وكان المأمون يعظّمه ويبجله ويخضع له ويتغالى فيه حتّى إنّه جعله وليّ عهده من بعده.

* الذهبي: كان عليّ الرضا كبير الشأن، أهلاً للخلافة.

موقف الإمام عليه السلام من الثورات المسلحة

في عهد الإمام عليه السلام انطلقت أقوى وأكبر الحركات الجهادية المسلحة عدّة وعدداً بقيادة محمد بن إبراهيم بن إسماعيل، وهو إبن طباطبا، وكان شعاره متمثلاً بدعوته الناس إلى: "البيعة إلى الرضا من آل محمد، والدعاء إلى كتاب الله وسنّة نبيّه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسيرة بحكم الكتاب".

وشعار "الرضا من آل محمد" لايصرح بذكر اسم الإمام عليه السلام، لكي لايتحمل الإمام المسؤولية أمام السلطة، أو عدم تحمّل مسؤولية الأخطاء  وللحيلولة دون اعتقاله أو قتله.

وقد اشترك فيها أخوة الإمام عليه السلام ومنهم: إبراهيم وزيد.

إضافة إلى جمع من أحفاد الإمام الحسن، وأحفاد جعفر بن أبي طالب.

ولاية عهد الإمام علي الرضا عليه السلام

قد أدرك المأمون دور الإمام الرضا عليه السلام في القيادة غير المباشرة لهذه الحركات الجهادية المسلحة، فالتجأ إلى المصالحة مع الإمام عليه السلام بتعيينه ولياً للعهد.

وجّه المأمون العبّاسي دعوته إلى الإمام علي الرضا عليه السلام، وطلب منه المسير من المدينة المنوّرة إلى خراسان فاستجاب الإمام عليه السلام لذلك مكرهاً.

وعن أبي الصلت الهروي قال: إنّ المأمون قال للرضا عليه السلام: يابن رسول الله، قد عرفت فضلك وعلمك وزهدك وورعك وعبادتك، وأراك أحقّ بالخلافة منّي.

فقال الرضا عليه السلام: "بالعبودية لله عزّ وجلّ افتخر، وبالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شرّ الدنيا، وبالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم، وبالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند الله عزّ وجل".

فقال له المأمون: إنّي قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة وأجعلها لك وأبايعك.

فقال له الرضا عليه السلام: "إن كانت الخلافة لك وجعلها الله لك، فلا يجوز أن تخلع لباساً ألبسك الله وتجعله لغيرك، وإن كانت الخلافة ليست لك، فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك".

فقال له المأمون: يابن رسول الله، لابدّ لك من قبول هذا الأمر، فقال: "لست أفعل ذلك طائعاً أبداً". فما زال يجهد به أيّاماً حتّى يئس من قبوله.

فقال له: فإن لم تقبل الخلافة ولم تحب مبايعتي لك، فكن ولي عهدي لتكون لك الخلافة بعدي.

فقال الرضا عليه السلام: "والله لقد حدّثني أبي عن آبائه، عن أمير المؤمنين، عن رسول الله: إنّي أخرج من الدنيا قبلك مقتولاً بالسمّ مظلوماً، تبكي عليّ ملائكة السماء وملائكة الأرض، وأُدفن في أرض غربة إلى جنب هارون الرشيد".

فبكى المأمون، ثمّ قال له: يابن رسول الله، ومن الذي يقتلك، أو يقدر على الإساءة إليك وأنا حيّ؟

فقال الرضا عليه السلام: "أما إنّي لو أشاء أن أقول من الذي يقتلني لقلت".

فقال المأمون: يابن رسول الله، إنّما تريد بقولك هذا التخفيف عن نفسك ودفع هذا الأمر عنك ليقول الناس: إنّك زاهد في الدنيا.

فقال الرضا عليه السلام: "والله ما كذبت منذ خلقني ربّي عزّ وجلّ، وما زهدت في الدنيا للدنيا، وإنّي لأعلم ما تريد"

فقال المأمون: وما أُريد؟ قال: "لي الأمان على الصدق"؟ قال: لك الأمان.

قال: "تريد بذلك أن يقول الناس: إنّ علي بن موسى لم يزهد في الدنيا، بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعاً في الخلافة".

فغضب المأمون، ثمّ قال: إنّك تتلقاني أبداً بما أكرهه، وقد أمنت سطواتي، فبالله أقسم لأن قبلت ولاية العهد وإلا أجبرتك على ذلك، فإن فعلت وإلا ضربت عنقك.

فقال الرضا عليه السلام: "قد نهاني الله عزّ وجلّ أن ألقي بيدي إلى التهلكة، فإن كان الأمر على هذا فافعل ما بدا لك، وأنا أقبل ذلك، على أنّي لا أولّي أحداً، ولا أعزل أحداً، ولا أنقض رسماً ولا سنّةً، وأكون في الأمر من بعيد مشيراً" فرضي منه بذلك، وجعله ولي عهده على كراهة منه عليه السلام لذلك.

وقال عليه السلام لمن سأله عن قبول ولاية العهد: "قد علم الله كراهتي لذلك، فلمّا خيّرت بين قبول ذلك وبين القتل، اخترت القبول على القتل، ويحهم أما علموا أنّ يوسف عليه السلام كان نبيّاً رسولاً، فلمّا دفعته الضرورة إلى تولّي خزائن العزيز قال له: اجعلني على خزائن الأرض إنّي حفيظ عليم، ودفعتني الضرورة إلى قبول ذلك على إكراه وإجبار بعد الإشراف على الهلاك، على أنّي ما دخلت في هذا الأمر إلا دخول خارج منه، فإلى الله المشتكى وهو المستعان".

وكان إعلان البيعة للإمام الرضا عليه السلام بولاية العهد في السادس من شهر رمضان 201ه ، وبالفعل توقفت الحركات الجهادية المسلحة عن العمل العسكري في الفترة القصيرة التي عاشها الإمام عليه السلام وليّاً للعهد.

وفي ذلك صرّح المأمون قائلاً: "قد كان هذا الرجل مستتراً عنّا يدعو إلى نفسه، فأردنا أن نجعله وليّ عهدنا ليكون دعاؤه لنا، وليعرف بالملك والخلافة لنا".

وقال أيضاً: "وقد خشينا إن تركناه على تلك الحال أن يتفتق علينا منه ما لا نسدّه ويأتي علينا منه مالا نطيقه".

وقد كانت خطوة المأمون باستدعاء الإمام عليه السلام إلى عاصمة الدولة العباسية خطوة ممهدة لبقية الحكّام لاتخاذ الأسلوب نفسه، فقد استدعوا بقية الأئمة عليهم السلام وهم: محمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري عليهم السلام، وجعلوهم تحت الإقامة الجبرية ليمكن مراقبتهم عن قرب، ومنعهم من الاتصال بقواعدهم الشعبية، والحيلولة دون إشرافهم على سير الحركات المسلحة التي تتبنى الجهاد العسكري كوسيلة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإضعاف الحكومة أو تقويضها.

دوافع المأمون من تولّي الإمام عليه السلام

1- تهدئة الأوضاع الداخلية المضطربة بسبب تعدد الثورات المسلحة التي يقودها العلويون وغيرهم، اضافة الى ضعف الحكومة بسبب الصراع على السلطة داخل البيت العباسي.

2- إضفاء الشرعية على الحكومة القائمة بسبب وجود الإمام عليه السلام في البلاط الحاكم وتوليه لولاية العهد.

3- منع الإمام عليه السلام من الدعوة لنفسه.

4- إبعاد الإمام عن وكلائه وقواعده الشعبية.

5- تشويه سمعة الإمام عليه السلام لكي يتهمه الآخرون بأنّه طالب سلطة.

6- تفتيت جبهة المعارضين أو تحييد أنصار الإمام عليه السلام.

7- إيقاف خطر وجود الإمام عليه السلام في المدينة، فالمسلمون ينظرون إليه بإنّه أحقّ بالحكومة من المامون، فمجرد وجوده يوجه الانظار لامامته الدينية والسياسية.

قبول الإمام عليه السلام بولاية العهد

قبل الإمام عليه السلام بولاية العهد مضطراً تحت التهديد لا خوفاً على حياته وإنّما لحاجة الأمة لإرشاداته وتوجيهاته قبل أن يتهيأ البديل له للتصدّي للامامة وهو الإمام الجواد عليه السلام، وقَبِل ذلك بشرط عدم التدخل في شؤون الدولة لكي لا يتحمل تبعات أخطاء المأمون أمام المسلمين.

وقد حقّق جملة من النتائج الإيجابية ومن أهمها:

1 ـ إعتراف المأمون والمنابر الإعلامية لدولته بأحقية أهل البيت عليهم السلام بالخلافة.

2 ـ ترويج المنابر الإعلامية لمقام أهل البيت عليهم السلام وفضائلهم ومظلوميتهم.

3 ـ توظيف المنابر الإعلامية لصالح الإمام ومنهج أهل البيت عليهم السلام.

4 ـ حرية الإمام واتباعه في الدعوة والتبليغ والعمل الإصلاحي.

5 ـ نشر الآراء الصائبة داخل البلاط الحاكم، وتأثر بعض الوزراء والقضاة بمنهج أهل البيت عليهم السلام.

6 ـ توحيد الجبهة الداخلية أمام المؤامرات الخارجية.

7 ـ إعادة بناء وتنظيم الحركات الجهادية الموالية لأهل البيت عليهم السلام.

وبعد إعلان البيعة قام المأمون ببعض الإجراءات ومنها:

أـ أبدل لبس السواد الذي هو شعار للعبّاسيين بلبس الثياب الخضر الذي هو شعار للعلويين.

ب ـ أمر بطبع اسم الإمام الرضا عليهم السلام على الدراهم.

ج ـ أعلن عن عزمه على صرف مرتّب سنوي بهذه المناسبة السعيدة.

والدرس المستفاد من قبول الإمام عليهم السلام بولاية العهد بشرط عدم التدخل هو جواز التعايش مع الحكّام المنحرفين ان وجدت مصلحة إسلامية علياً، وانّ عدم التدخل في شؤون الحكم أو عدم ممارسة الصلاحيات المناطة بالإمام نابع من عدم وجود سيادة كاملة له.

الجزء الثاني:

المصلحة والوحدة الإسلامية في منهج الإمام على الرضا عليه السلام

 

كان عهد الإمام الرضا عليه السلام عهداً متميزاً عن بقية العهود، فقد منحت له الفرصة الكافية للّقاء مع مختلف الشرائح الاجتماعية والسياسية، وقد عاصرته عدة أحداث ومواقف منها الصراع بين العلويين والسلطة الحاكمة في بعض السنين، ثم إيقاف الصراع، والصراع بين البيت العباسي بين الأمين والمأمون وانصارهما، إضافة إلى انفتاح الدولة العباسية والمسلمين على التيارات العقائدية الوافدة من الدول الكافرة.

ففي المجال الأخلاقي كان يحث على مداراة الناس والصبر في البأساء والضرّاء، وهي عوامل مهيّئة لتقريب القلوب ووحدة الصفوف.

قال  عليه السلام: "لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون فيه ثلاث خصال: سنة من ربّه، وسنّة من نبيّه، سنّة من وليّه.

فأمّا السنّة من ربّه فكتمان سرّه...

وأمّا السنّة من نبيّه فمداراة الناس، فانّ الله عزّ وجلّ أمر نبيّه 2 بمداراة الناس...

وأمّا السنّة من وليّه فالصبر في البأساء والضرّاء".

وحثّ على الحلم والصبر والعفو ومقابلة الاساءة بالاحسان والتعاون والتآزر.

وفي المجال السياسي توقفت الحركات العلوية المسلحة عن الخروج على الحكومة العباسية بعد أن غيّر المأمون سياسته تجاه الناس عموماً وتجاه العلويين خصوصاً، وكانت هذه الحركات تابعة في الانتماء والولاء إلى الإمام الرضا عليه السلام لأنها ترى فيه الإمام عليه السلام لمفترض الطاعة، وقد توقفت حركتها المسلحة حينما أصبح الإمام عليه السلام ولياً للعهد.

وكان كثير النصح للحاكم العباسي المأمون بما فيه صلاح الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي.

فقد كان ينصحه بالعفو عن المخطئين والمسيئين ويقول له: "انّ الله لا يزيدك بحسن العفو إلاّ عزّاً".

وكان يكثر من وعظ المأمون إذا خلا به ويخوّفه بالله ويقبّح له ما يرتكبه من خلافه.

وكان قد أخبره يما فيه الناس من الفتنة والقتال منذ قُتل اخوه، وبما كان بعض الوزراء يسترون عليه الأخبار، وانّ الناس ينقمون عليه مكان الفضل بن سهل ومكان أخيه ومكان بيعته من بعده.

والظاهر انّ المقصود من الناس هم البيت العباسي وأتباعهم، وإلاّ فانّ عموم الناس قد فرحوا بولاية العهد.

ومن نصائحه قوله للمأمون: "اتق الله في أمة محمد، وما ولاّك من هذا الأمر ونصّبك به، فانّك قد ضيعت أمور المسلمين وفوضت ذلك إلى غيرك".

وصدرت من الإمام عليه السلام توجيهات قيمة في كيفية ادارة البلدان المفتوحة.

وتدخل الإمام عليه السلام لحماية المأمون من القتل بعد أن هجم عليه أنصار الفضل بن سهل، حيث قال له المأمون: يا سيدي ترى أن تخرج إليهم وتفرّقهم، فركب الإمام عليه السلام وقال للناس: تفرّقوا فتفرقوا.

فقد منع الإمام عليه السلام أنصار الفضل بن سهل من قتل المأمون لكي لا تحدث فتنة بين المسلمين وتضطرب الأمور ويحدث التفكّك والتصدع في الكيان الإسلامي الموحد ضمن دولة واحدة، فهو ليس حفاظاً على شخصه بل حفاظاً على وحدة الدولة المهددة من قبل أعداء الإسلام وأعداء المسلمين.

مستقبل الرسالة والإمامة

سئل الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام عن علّة تنصيب الإمام أجاب: "لعلل كثيرة؛ منها: أن الخلق لما وقفوا على حدّ محدود، وأُمروا أن لا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم، لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلاّ بأن يجعل عليهم فيه أميناً يمنعهم... من الفساد، ويقيم فيهم الحدود والأحكام".

ومنها: أنّا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل بقوا وعاشوا إلاّ بقيّم ورئيس...

ومنها: أنه لولم يجعل لهم إماماً قيّماً أميناً حافظاً مستودعاً لدرست الملة وذهب الدين وغُيّرت السنن والأحكام، ولزاد فيه المبتدعون ونقص منه الملحدون...

وتأتي ضرورة القائد والقيادة لدوره الخطير والعظيم في المجتمع، وتتوقّف جميع المهام والتكاليف على وجوده، وفي ذلك يقول الإمام الرضا عليه السلام: "إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء وإرث الاوصياء... إن الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدين وعز المؤمنين. إنَّ الإمامة أسّ الإسلام النامي وفرعه السامي؛ بالإمام تقام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، وتوفير الفيء والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف...".

والإمامة هي تنصيب من الله تعالى كما ورد في أحاديث أهل البيت عليهم السلام ومنهم الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام حيث قال: "... انّما يوصي بأمر الله عزّ وجلّ... لا والله ما هو إلاّ عهد من رسول الله’ رجل فرجل مسمّى".

وتظافرت الروايات أن الإمام أوصى بإمامة الإمام محمد الجواد عليه السلام من بعده. 

وبما ان الإمامة هي التي تواصل المسيرة وتتبنى التغيير الشامل، فانّ الله تعالى ثم رسوله قد اولاها أهمية استثنائية، ووجه انظار المسلمين اليها; في شروطها وخصائصها، وفي تشخيصها في الواقع، فأعلن عنها إعلاناً جلياً وآخر خفياً، ابتداءً من أوّل مراحل البعثة حتى آواخر أيامه الشريفة، فلم يترك مناسبة أو واقعة إلاّ وأشار إليها، واكدّ ضرورة الاقتداء بها ومناصرتها، وجعلها عدلاً للقرآن الكريم، فلم يترك الأمة سدىً، وإنّما جعل لها إعلاماً بارزة اتّفق المسلمون على عددهم واختلفوا في مصاديقهم، فهم اثنى عشر إماماً وخليفة أولهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم الإمام محمد المهدي عجل الله تعالي‌ فرجه الشريف الذي تختم به الإمامة، يحقق حلم الأنبياء، وآمال البشرية جمعاء باقامة العدل والقسط وانقاذها من جميع ألوان الانحراف الفكرية والسلوكية، وتحريرها من ضلال الأوهام وظلمة الخرافات، وتحريرها من عبادة الإلهة المصطنعة، وانقاذها من الإنسياق وراء الشهوات والمطامع، وتهذيب النفوس من بواعث الإنانية والحقد والعدوان، وانقاذ السلوك من الرذيلة والانحطاط; بتهيئة العقول والقلوب للتلقي والاستجابة للمنهج الإلهي المرسوم، واستتباعها بالعمل الإيجابي الذي يترجم الآراء والنصوص إلى مشاعر وعواطف وأعمال وممارسات وعلاقات متجسدة في الواقع; ليكون الإنسان والمجتمع بمستوى المسؤولية المناطة به في الحياة والمتمثّلة بحمل الإمانة وخلافة الله تعالى في الأرض، والترقي في سلم الكمال والسمو الروحي والسلوكي.

انّ ظهور الإمام المهدي عجل الله تعالي‌ فرجه الشريف هو مقدمة لإقامة الحكومة الاسلامية العالمية وإنقاذ البشرية من حالة الفراغ العقائدي والخواء الروحي، وإنقاذها من القلق والاضطراب الفكري والروحي والسلوكي، وانّ ما تعيشه من فوضى ومن إحباطات متتالية جعلها تتوجه نحو المنقذ ونحو المصلح الذي بشرت به جميع الديانات ليحقق لها النموذج الأمثل سياسياً واجتماعياً واخلاقياً وإقتصادياً الذي يحقق لها الهداية والصلاح والعدالة والسعادة الدائمة بعد قرون من الضلالة والظلم والتعاسة.

وقد أولى الإمام الرضا عليه السلام اهتماماً خاصاً بتوجيه انظار المقربين الى غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف والتمهيد لها.

عن أيوب بن نوح قال :قلت للرضا عليه السلام: انّا لنرجو أن تكون صاحب هذا الأمر ،وأنه يردّه الله عز وجل إليك من غير سبق ؛فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك.

 فقال عليه السلام: "مامنا أحد اختلفت إليه الكتب وسئل عن المسائل وأشارت إليه الإصابع وحملت إليه الأموال إلا اغتيل ... حتى يبعث الله عز وجل لهذا الأمر رجلاً خفي المولد والمنشأ غير خفي في نسبه".

ودخل دعبل الخزاعي شاعر أهل البيت على الإمام علي الرضا عليه السلام وأنشد قصيدته التائية الشهيرة:

(مدارس آيات خلت من تلاوة) إلى أن قال: قال لي الرضا عليه السلام: أفلا ألحق بيتين بقصيدتك؟ قلت بلى يابن رسول الله (ص) فقال:

وقبر بطوس يالها من مصيبـة

إلى الحشر حتى يبعث الله قائماً

ألحت على الأحشاء بالزفرات

يفرج عنا الهـم والـــكربات

قال دعبل: ثم قرأت باقي القصيدة عنده، فلما انتهيت إلى قولي:

خروج إمام لا محالة خـارج

يميز فينا كل حـق وباطــل

يقـوم على اسـم الله والبركات

ويجزي على النعماء و النقمات

بكى الإمام الرضا عليه السلام بكاءً شديداً، ثم رفع رأسه إلى دعبل، وقال له: "يا خزاعي .. نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين .. فهل تدري من هذا الإمام"؟

فقال: لا يامولاي .. إلا إنى سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد و يملأها عدلاً  كما ملئت جوراً..

فقال: "يادعبل  الإمام بعدي: محمد ابني، وبعده علي ابنه، وبعد علي: ابنه الحسن، وبعد الحسن: ابنه الحجة القائم، وهو المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم، حتى يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً".

وبعد ان أدّى الإمام مسؤوليته في ربط الكثير من المسلمين بمنهج أهل البيت عليهم السلام. وقد أحسّ المامون بتنامي شعبية الإمام عليه السلام حتى داخل الدولة والبلاط الحاكم، وحينما لم يجد مصلحة في ولاية العهد أقدم على التخلّص من الإمام عليه السلام باغتياله عن طريق السم في آخر صفر سنة 203 هجرية كما هو المستفاد من اغلب الروايات.

..............

...............

10/5/927ـ تح : علي عبد سلمان

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك