عاصر ألامام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام حكم ألامويين وقسما من حكم العباسيين وتحمل مايتحمله أهل العلم من بغاة السلطة حتى أن ألامام أبي حنيفة بن النعمان كان يتهم من قبل السلطة العباسية بسبب دفاعه عن أستاذه ألامام جعفر بن محمد الصادق , ومما يؤثر عنه في هذا الجانب المهم من علاقة ألامام أبي حنيفة بألامام جعفر الصادق هو قوله المشهور : " لولا السنتان لهلك النعمان "
والسنتان هما مدة تلقي ألامام أبي حنيفة للعلم دراسة وتلمذة عند ألامام جعفر الصادق "ع" .
وهذا المقطع من حياة ألامام جعفر الصادق وتلميذه ألامام أبو حنيفة هو الذي يستحق تسليط الضوء عليه لما فيه من تألف وأنفتاح ورغبة في العلم مصحوبة بكل أنشراح بين الطالب وألاستاذ لاسيما ونحن اليوم نشهد تعالى أصوات منكرة لاتنتمي لروح العلم والعقيدة التي كانت تربط بين ألامام جعفر الصادق الذي سمي أتباع مدرسة أهل البيت بأسمه " الجعفرية " وبين ألامام أبي حنيفة الذي سميت بأسمه مدرسة ألامام أبي حنيفة ومذهب فقهي سمي بأسم مذهب ألامام أبي حنيفة رحمه الله يتبعه كثير من أخواننا من أهل السنة والجماعة .
وهذه العلاقة وذلك التواصل بين أمامين من أئمة المسلمين أحدهم من أهل البيت عليهم السلام وألاخر من علماء المسلمين الذين بذلوا جهدا في تحصيل علوم الشريعة هي من المحطات التي نحتاج توظيفها في علاقاتنا اليوم حتى يسود التفاهم بين العلماء كما ساد بين ألامام جعفر بن محمد الصادق وبين ألامام أبي حنيفة رحمه الله , ومن أجل أن تسود المحبة بين أتباع المدرستين وأتباع بقية المذاهب ألاسلامية كما كان ألامام الشافعي يقول :-
يا أهل بيت رسول الله حبكم
فرض من الله في القرأن أنزله
كفاكم من عظيم الشأن أنكم
من لم يصل عليكم لاصلاة له ؟
والحديث عن أئمة المدارس الفقهية في القرن الثاني والثالث الهجري لانجد فيه نبرة تفريقية ولا نزعة طائفية , بدليل أن التواصل العلمي والكسب الدراسي متواصل بين هذه المجموعة وهذا التواصل هو دليل محبة ووفاق وليس دليل فرقة وأنقطاع هذا فضلا عن الكلمات والشهادات المنقولة عنهم فيما بينهم .
والدارس لهذه المرحلة والمحقق فيها عليه أن يركز على هذه الظاهرة لما فيها من جمع شمل ألامة التي أريد لها أن تتفرق وأن تتمزق بتمذهب لاينتمي الى روح الشريعة ألاسلامية بشيئ كما هو عند الوهابية وتنظيماتها ألارهابية التي أتخذت من التكفير منهجا لعملها .
أن الحديث عن ألامام جعفر بن محمد الصادق لم يكن يوما حديثا طائفيا , وذلك قبل أن تتفشى النعرات الطائفية التي غذاها الجهل ورعتها أنظمة دولية كبرى وجدت فيها مدخلا لآضعاف ألامة وتفتيت وحدتها وفك عرى تلاحمها الذي بناه ألاسلام " لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم ألاخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا أباءهم أو أبناءهم أو أخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم ألايمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها ألانهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا أن حزب الله هم المفلحون – 22- المجادلة –
وصورة ألايمان هذه هي أطروحة السماء لآهل ألارض كافة تجعل من العلاقة بينهم مبنية على فهم معرفي يستمد مرجعيته من السماء الراعي الحقيقي للمصالح البشرية بلونها ألانساني .
فألايمان بالله واليوم ألاخر : قضية مصير ينتظر البشرية والخلائق كافة , وبالتالي فهي مسألة علمية قطباها " الحياة " و " الموت " مسيرة لايمكن للعاقل أن ينكرها , وفي تفاصيل هذه المسيرة ظهرت معالم فهرسة المعاني مثل :-
1- العلم والجهل
2- الحق والباطل
3- السعادة والشقاء
4- الفضيلة والرذيلة
5- الشجاعة والجبن
6- الكرم والبخل
7- ألاصلاح والفساد
8- الزهد والشراهة
9- العفة والبغاء
10- المروءة والدناءة
11- ألاستقامة وألانحراف
12- العدل والجور
الى غير ذلك من الصفات وألافعال التي تظهر في سلوك الناس سواء في الحياة ألاجتماعية وتفرعاتها أو في الحكم وشؤونه ؟
والفصل في هذه ألاشياء وبيان حدودها وأثارها وكيفية الحصول عليها هو مايتولاه علم العقول التي لاتعتمد على العلم الكسبي فقط لآن أصحاب العلم الكسبي يظلون في محدودية الزمان والمكان ولذلك لايتسنى لهم أدراك تفاصيل حدوث ألافعال والصفات ولذلك تأتي أحكامهم غير ملبية لحاجة الناس وغير كاشفة عن الواقع ؟
ومن هنا كان العلم اللدني منحة ربانية بأختيار المناسب القادر على حمل ألامانة , مثلما يكون ألاب العاقل هو ألاعرف بقدرة أبنائه على تحمل المسؤولية لمعرفته التفصيلية بتجربتهم الحياتية برفقته قال تعالى " هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير " – 2- التغابن – خلق السماوات وألارض بالحق وصوركم فأحسن صوركم واليه المصير " – 3- التغابن – يعلم مافي السماوات وألارض ويعلم ماتسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور " – 4- التغابن –
والعلم اللدني كان ممنوحا للمعصوم لطفا ورحمة للعباد وهذا سر قد يغيب عن كثير من الناس , ولذلك ذهب البعض الى حصوله للنبي ونفوه عن الوصي للنبي , بينما ذهب البعض ألاخر ممن يقودهم علم المعصوم الى أن العصمة مشمول بها وصي كل نبي طبقا لمهمة التبليغ والدور العقدي الذي يؤديه بعد النبي مع أنقطاع الوحي , فيكون علم الوصي أفاضة من النبي بتسديد رباني ولذلك كان ألامام علي بن أبي طالب عندما يحدث معاصريه بشؤون الحياة وأخبارها وما خفي منها يقولون له : أنت تعلم الغيب ؟
فكان يقول لهم : لا هذا ليس غيبا وأنما هو علم علمنيه رسول الله "ص" ؟
والعصمة لاتكون بدون العلم اللدني , وهذا التلازم يدركه العقل ويقول به المنطق , فأنكشاف ألاشياء للمعصوم نبيا كان أو وصيا تجعله في موضع الثقة وألاطمئنان من قبل الذين يتعاملون معه من الناس , مثلما تجعله مقبولا للذين يأتون من بعدهم وأن لم يشاهدوا النبي والوصي ولكن تكون أثارهم حاضرة ومناقبهم معروفة يتناقلها الناس .
والظاهرة البشرية عند النبي والوصي لاتنسخها العصمة , ولكن تبقى تتجلى في أحسن صور ألادمية سلوكا وفهما , فالنبي والوصي : يأكل الطعام ويمشي في ألاسواق ويؤدي المعاملات ويتزوج ويهرم ثم يموت , قال تعالى " أنك ميت وأنهم ميتون " قال نبينا صلى الله عليه وأله وسلم : مابعثت بالرهبنة وأن من سنتي النكاح " وقال تعالى " ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم مايلبسون " – 9- ألانعام –
فالعصمة تحتاج الى فهم علمي منتزع من طبيعة ووظيفة النبي والوصي , ولقد مضت سنة الله تعالى في ألانبياء وأرسالهم أن يكون لكل نبي من وصي , قال تعالى :" أن الله أصطفى أدم ونوحا وأل أبراهيم وأل عمران على العالمين " – 33- أل عمران – ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم -34- أل عمران – هنالك دعا زكريا ربه : قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة أنك سميع الدعاء " – 38- أل عمران – وقال تعالى :" وما أرسلنا من قبلك ألا رجالا نوحي اليهم فسألوا أهل الذكر أن كنتم لاتعلمون " – 42- النحل –
ولذلك نرى أن المحاججة التي كادت تقع مع علماء النصارى وتراجعوا عنها كانت مبنية على العلم الذي أفاضه الله تعالى على رسوله "ص" قال تعالى " فمن حاجك فيه من بعد ماجاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين " – 61- أل عمران –
وهذه ألاية الكريمة المباركة أختصرت وصاية النبي صلى الله عليه وأله وسلم والتي عرفت في ألاسلام بألامامة , فكيف يعقل أن يكون النبي الذي لاينطق عن الهوى أن هو ألا وحي يوحي , لاسيما وأن الله تعالى خصه في ألاية رقم -61- من سورة أل عمران بأفاضة العلم عليه – فكيف يعقل أن يصطحب النبي معه للمباهلة من سماهم أبناءنا ونساءنا وأنفسنا وهم كل من :-
1- الحسن والحسين
2- وفاطمة الزهراء بنت النبي "ص"
3- وعلي بن أبي طالب وقد سمته ألاية نفس محمد النبي "ص"
وهؤلاء هم الذين فزع منهم علماء النصارى وقالوا لقومهم : أذا جاء محمد مع أهل بيته فأياكم ومباهلتهم فتصعقوا , وأذا جاءكم بغير أهل بيته فباهلوهم ؟
وكان ألاحرى بالمسلمين وعلمائهم أن يلتفتوا الى حقيقة هذا الموقف ولا يقدموا أحدا مهما كانت منزلته في ألاسلام على أهل بيت رسول الله "ص" الذين هم ذرية بعضها من بعض بوصف القرأن الكريم , وهذا خيار لانملك منه شيئا بأمر الله تعالى وأرادته " الذين أستجابوا للله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم وأتقوا أجر عظيم " – 172- أل عمران –
والذين لم يهتدوا الى مفهوم ألامامة , وأنكروا وجودها في القرأن , أو في تعريف جبرئيل عليه السلام للآيمان مع رسول الله "ص" أمام جمع من المسلمين , والذي عقب رسول الله "ص" على ذلك اللقاء بقوله : هذا جبرئيل جاء يعلمكم دينكم ؟
وهؤلاء فاتهم أن ألايات ألاولى في سورة البقرة المباركة تؤكد ذلك المعنى حيث قالت : " ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين -2- الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون – 3- والذين يؤمنون بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك وبألاخرة هم يوقنون – 4- البقرة – والمقصود هنا بما أنزل اليك , وما أنزل الى الرسول هو كل التفاصيل المتعلقة بالرسالة ألاسلامية ولايمكن أن يكون مابعد النبي ورحيله الى الرفيق ألاعلى وقد أعلن عنه في حجة الوداع عندما قال "ص" : يا أيها الناس قد لا أراكم في مقامي هذا بعد عامي هذا , وهذا دليل على ألاهتمام بتفاصيل مابعد النبي , وأذا كان البعض قد أعتمد على بعض الروايات التي وضعت أيام ألامويين لآبعاد أهل البيت عن مقامهم في الرسالة وألايمان , ألا أن ألايات القرأنية المباركة كانت فيها ألاشارات الواضحة لمن يريد أن يتدبر ألامر , قال تعالى :" عم يتساءلون -1- عن النبأ العظيم -2- الذي هم فيه مختلفون -3- كلا سيعلمون – 4- سورة النبأ – وقال تعالى " سأل سائل بعذاب واقع -1- سورة المعارج – وقال تعالى " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا اليهم فعل الخيرات وأقام الصلاة وأيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين –" – 73- ألانبياء – وقال تعالى " ووهبنا له أسحق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وأتيناه أجره في الدنيا وأنه في ألاخرة لمن الصالحين – 27- العنكبوت –
وأذا كان الله تعالى قد جعل النبوة في ذرية أبراهيم عليه السلام حتى قال نبينا صلى الله عليه وعلى أله وسلم : " أنا أبن الذبيحين ؟ ويعني بهما : أسماعيل عليه السلام , ووالده عبد الله فهناك رواية تقول أنه تعرض لما تعرض له أسماعيل من الذبح الذي دفعه الله عنهما بلطفه ومشيئته ؟
فلماذا يستكثر البعض أن تكون ألامامة في ذرية رسول الله "ص" من سبطيه الحسن والحسين وله فيهما شهادات تغني من يريد الحق ؟
وفي معرض الحديث عن ألامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام لانريد لحديثنا أن يكون تقليديا يستعرض حياته الشريفة وماتعرض له من قبل السلطات الزمنية , وماهي أحاديثه ؟ وعلى الرغم من أهمية كل ذلك , ولكن ألاهم في نظرنا أن نلفت عناية القراء الكرام الى الحقائق التالية ومن خلالها يمكن أعادة النظر في طريقة فهم أئمة أهل البيت عليهم السلام ودورهم في الرسالة ألاسلامية ومعنى أولي ألامر , ومن هم ؟
وأذا كان البعض قد أنصرف الى تفسير معنى أولي ألامر بما حفلت به كتب الرواية وأحاديثها التي أصابها ألتباس لايخفى على سلامة الذوق في فهم النص قرأنيا وروائيا , وأن النص القرأني حاكم على النص الروائي مهما كان مصدره ؟
ومن خصائص أئمة أهل البيت التي تجعل القارئ والمتتبع في منأى عن ألالتباس والحيرة هي الحقائق التالية :-
1- لم يعرف عن أهل البيت أنهم درسوا أو تتلمذوا عند أحد من علماء وفقهاء المسلمين .
2- لاتوجد أختلافات في الفتيا وألاحكام الفقهية التي صدرت عنهم فيما بينهم أبتداء من ألامام علي بن أبي طالب عليه السلام وأنتهاء بألامام محمد بن الحسن العسكري المنتظر عجل الله فرجه الشريف , وكذلك لاتوجد أختلافات بينهم وبين ما بينه رسول الله "ص" من أحكام وما أقره من تشريع , بينما نرى أن هذا ألاختلاف والتبديل بالرأي الذي وصل الى حد المجاهرة بمخالفة ماكان على عهد رسول الله "ص" ولقد عرف معاوية بن أبي سفيان بأنه أول من أبتدع ورد على رسول الله "ص" وغير بعض ألاحكام وهي موجودة في المفصلات من الصحاح والسنن لمن يريد أن يراجع
3- أما ألاختلافات في الفتيا والرأي بين أئمة المذاهب ألاسلامية ومدارسها المعروفة وهي :-
أ-الحنفية
ب- الشافعية
ت-الحنبلية
ث-المالكية
وقد عبر عن ذلك شعرا الشاعر أبو العلاء المعري حيث قال :-
أجاز الشافعي فعال شيئ
وقال أبو حنيفة لايجوز ؟
فضاع الشيب والشبان منا
وما أهتدت الفتاة ولا العجوز ؟
4- أثبتت التجربة عبر مايزيد عن 260 سنة بعد الهجرة النبوية المباركة من مرحلة وجود أئمة أهل البيت عليهم السلام أنهم كانوا مرجعا في كل ألاسئلة الفقهية , والتاريخية , والعلمية والتي يعتبرها البعض تدخل في المغيبات ولكنها ليست كذلك وأنما هي من علوم رسول الله " ص" التي لايعرفها ألا من كان حقا وصيا وأماما يحمل أمانة الرسالة على القاعدة التي عرفت عند المسلمين : " أن الله يعلم حيث يجعل رسالته " بينما لم يثبت هذا ألامر من التحصيل العلمي والمقدرة لآي من الشخصيات ألاسلامية سواء التي عاصرت رسول الله وسمعت منه أو التي جاءت بعده بما سمي بالتابعين أو تابعي التابعين , وهذا ليس تقليلا من قيمة الشخصيات ألاسلامية وأنما هو تقرير لحقيقة يكبر بها الجميع عندما يحترم العلم على القاعدة التي وضعها رسول الله "ص" " أذا أجتمع خمس وعشرون نفر منكم ولم يؤمروا من هو أعلمهم فعملهم باطل"
ولنا أن نختم بأطروحة وضعها ألامام جعفر بن محمد الصادق عندما سأله علماء عصره قائلين له : يأبن محمد على ماذا بنيت أمرك ؟
قال عليه السلام : بنيت أمري على أربع :-
1- علمت أن الله يراقبني فأستحييت
2- وعلمت أن رزقي لايأخذه أحد غيري فأطمأننت
3- وعلمت أن علملي لايقوم به أحد غيري فأجتهدت
4- وعلمت أن الموت مدركي فأستعددت ؟
ولو لم يكن عند ألامام الصادق ألا هذه ألاطروحة لكفته فخرا أنه من علماء الموسوعة المعرفية الحياتية بكل أبعادها العملية المتحركة في بناء حياة الفرد والمجتمع الذي لايزال ينتظر الحلول والتي سوف تكون في نهاية المطاف على يد من يحسن النظر في شؤون الدنيا وألاخرة على هدى السماء .
27/5/911
https://telegram.me/buratha