صادق الرصافي
من الواضح ان عملية اغتيال الامام علي (ع) فجر يوم التاسع عشر من رمضان لم تكن عملية فردية ققرر المجرم ابن ملجم القيام بها مع اثنين اخرين من الخوارج ،بل كانت جزءا من مخطط كبير كان ابن ملجم واحدا من حلقاته الرئيسية .
لقد استغل المجرم معاوية بن ابي سفيان حالة التخاذل التي سادت معسكر اهل الكوفة ووجود طابور من الجواسيس والعملاء الذين كانوا يعملون لحساب معاوية ويزودونه بالمعلومات ويعملون على بث الاشاعات ونشر التخاذل في صفوف اهل الكوفة . لقد حصل ابن ملجم على عون كبير من قبل العميل الاشعث بن قيس الكندي الذي كان رجل معاوية الاول في الكوفة وكانت توجد علاقات وارتباطات سرية بينه وبين معاوية ،لقد تحرك معاوية بعد معركة الجمل من اجل تجنيد العملاء والجواسيس من اجل منع الامام علي (ع) من الزحف اليه بجيشه وتقويض سلطاته التي حصل عليها بتفويض من الخليفة الثاني عمر بن الخطاب الذي منح الشام لاسرة ابي سفيان ولم يتشدد مع معاوية وشقيقه رغم تشدده المعروف مع الولاة .
لقد بذل الامام علي (ع) جهدا كبيرا في تحشيد قواته المسلحة لضرب راس الفتنة في بلاد الشام وقتها وكان العديد من انصار معاوية امثال ابي موسى الاشعري الذي حاول تخذيل اهل الكوفة ومنعهم من الانخراط في صفوف جيش الامام الزاحف نحو الشام .لقد كان معسكر الامام مليئا بالانتهازيين وطالبي الفرص الذين تعاونوا مع معاوية ووافقوا على الانخراط في المخطط الاموي لاغتيال الامام (ع) بالاستعانة بالخوارج .كان الاشعث بن ابي قيس الكندي رجل المهمة الذي اقنع المجرمة قطام على تجنيد ابن ملجم لتنفيذ المهمة ،حيث وافق ابن ملجم على ذلك .
كان اغتيال الامام علي (ع) الفرصة لبني امية لقطف ثمار السلطة وابعاد البيت النبوي عنها ونشر قيم الانحراف والضلال .لم يهتم الامويون بتطوير الامة الاسلامية ونشر قيم العدل والحرية والكرامة كما فعل امير المؤمنين (ع) الذي كان حكمه مثالا للحكم العادل ،حيث تمتعت جميع فئات المجتمع الاسلامي بالعدل والمساواة ولم يكن هناك تفضيل بين احد ،بل ان الامام نفسه ذهب بنفسه الى القضاء من اجل الاحتكام في قضية درعه التي سرقت منه اثناء ايداعها في بيت المال رهنا لدين كان عليه ،اذ لم يستخدم الامام سلطاته كخليفة للمسلمين ،بل اعتبر نفسه مواطنا عاديا وفصل بين منصبه وبين حقه الشخصي مما ادهش اليهودي الذي كانت الدرع بحوزته واعلن تنازله عنها لصالح الامام رغم ان القاضي حكم برد دعوى الامام مما دفع به الى اعلان اسلامه ،حيث سبق الامام بهذا السلوك جميع الدول الاوروبية الحديثة التي قامت بالفصل بين السلطات واستقلال المؤسسات ،اذ شكل سلوك الامام (ع) محاولة مبكرة لايجاد قاعدة حكم المؤسسات المستقلة .لم يحتكر الامام (ع) الثروات الطائلة لنفسه ومنع الاموال عن الطبقات الفقيرة ،بل كان يشرف بنفسه على توزيعها بشكل عادل وكان نصيبه وراتبه يساوي راتب اصغر موظف في جهاز الدولة ولم يكن هناك فقير ومحتاج واحد او جائع في دولته العظيمة الانسانية تلك .كان الجهاز الاموي السري يشعر بالخطر ومعه السادة ورؤساء القبائل الذين وجدوا في سياسة الامام تقويضا لسلطانهم وخططهم في البقاء في السلطة واحتكار الاموال والثروات وخلق الفوارق الطبقية مع الفقراء .لم ينتصر الامويون بنجاح مخططهم ،بل كان سلطانهم الذي شيدوه بالمؤامرات والاغتيالات كان يقف على حافة الرياح التي سرعان ما اطاحت بهم وانهت دولتهم بعد اقل من 80 عاما فيما بقي ذكر امير المؤمنين خالدا ويرتفع يوما بعد يوم الى عنان السماء .
https://telegram.me/buratha