خضير العواد
وبعد تثبيت القواعد الأساسية للمجتمع الإسلامي في المدينة توجه رسول ألله (ص) الى خارج المدينة وبدأ يرسل الكتائب الى المناطق المحيطة بالمدينة للحماية أولأعتراض قوافل المشركين أو إظهار المسلمين كقوة جديدة ظهرت على خارطة الجزيرة العربية فيجب إحترامها وتقدريرها ، وقد ساعد على كل هذا الموقع الاستراتيجي للمدينة التي تقع على طرق القوافل ما بين اليمن ومكة والشام بالإضافة الى الطريق القادم من بلاد فارس الى الجزيرة العربية أو الطرق القادمة من القبائل التي تقع في الشمال و الشمال الشرقي للجزيرة العربية ، فهذا الموقع الحساس قد جعل أقتصاد أهل مكة المتمثل بقريش في تهديد مستمر لأن قوافلهم بالذهاب والإياب تأتي على المدينة ، وفي السنة الثانية للهجرة أعترض جيش المسلمين أحد القوافل الكبيرة لقريش التي كان يقودها أبو سفيان وعند سماعه بخبر تصدي جيش المسلمين للقافلة أبتعد أبو سفيان بالقافلة التي كانت تحتوي على أموال أغلب قيادات قريش بعيداً عن جيش المسلمين أي هرب منهم ، وهذا يعني الهروب من رسول ألله (ص) قائد القوة الجديدة في الجزيرة العربية وهذا يعتبر مؤشر جديد لصراع القوى في المنطقة العربية ، وعندما وصل الخبر الى مكة أرتعدت هامات قادة قريش حقدا وخوفاً ، حقداً على المسلمين وخوفاً على قافلتهم منهم ، وقد جهزوا جيش جرار يقدر بتسعمائة وخمسين وبعض المؤرخين يوصل عدد جيش المشركين الى ثلاث ألاف مابين راجل وفارس ، وقد حملوا معهم كل وسائل المتعة لأنهم ذاهبون الى إنتصار مؤكد فحربهم مع مجموعة من الشباب العرب الذين هربوا من قبائلهم الى المدينة وليس عندهم من لوازم الحرب المهمة لذا الإنتصار عليهم مجرد وقت ، وفي المقابل لقد جهز المسلمون جيشاً يقدر بثلاثمائة وثلاثة عشر وليس عندهم فارس سوى المقداد بن الأسود الكندي أي الجميع رجالة وحتى السيوف لا يملكون منها الكثير أي كانت حرب غير متوازنة من ناحية العدد والعدة وألتقى الجيشان عند أبار بدر وقد ظهر الفرق الشاسع ما بين الجيشين ، اذ يقول الإمام علي (ع) كان رسول ألله (ص) (يصلي تلك الليلة ليلة بدر وهو يقول اللهم إن تهلك هذه العصابة لاتعبد في الارض فما زال يهتف به ماداً يديه حتى سقط رداءه من منكبه), وفي الصباح أعطى لواء المسلمين لعلي بن أبي طالب (ع) ولواء الأنصار مع سعد بن عبادة ، وبدأت الحرب بين الشرك الكثير العدد والعدة والمشتت القيادة والتنظيم والمنصور من الشيطان والمسلمين ألأقل عدد وعدة والمنظمين تحت قيادة واحدة ومسددين من ألله سبحانه وتعالى , وأنتهت المعركة بخسارة قاسية لمشركي قريش لم يكونوا يتوقعونها فقد قتل في هذه المعركة سبعون قتيلاً من المشركين مع سبعين أسيراً وأربعة عشر شهيداً من المسلمين , وقد قتل الإمام علي (ع) نصف العد والنصف الأخر باقي المسلمين والملائكة اللذين أرسلهم ألله سبحانه وتعالى كمدد للمسلمين أذ يقول ألله سبحانه وتعالى ( إذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ) (سورة عمران 124)وقد نادى جبريل (ع) في السماء ( لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي ) لشجاعته ودفاعه عن الإسلام المحمدي ورسول ألله (ص) . لقد أسست معركة بدر الإنطلاقة الحقيقة للمسلمين الى أنحاء الجزيرة العربية ومن ثم الى العالم ، لأنها أظهرت قوة جديدة لا يستهان بها قد ألحقت الهزيمة بالقوة العظمى في المنطقة ألا وهي قريش ، وقد عمقت الإيمان عند المسلمين بعد أن أحسوا بالدعم الألهي وهم القلة القليلة الضعيفة وهي تهزم أعتى قوة في المنطقة، سيطرتهم على طرق التجارة وهذا أكبر تهديد لاقتصاد مكة ومن ثم الجزيرة العربية حيث كانوا يعتمدون على التجارة بشكل رئيسي في معيشتهم , تنفيذ أوامر رسول ألله (ص) بشكل دقيق أدى الى هذا النجاح والفلاح ، لقد عامل رسول ألله (ص) الأسرى في قمة الرحمة والأنسانية واعطى الخيار لهم في تحرير أنفسهم أما الفدية أذا كانوا يستطيعون لها أو تعليم عشرة صبيان من أطفال المدينة القراءة والكتابة إذا لم يملك أحدهم الفدية وكان يعرف القراءة والكتابة أما الضعيف والذي لا يملك الأختيارين فقد كان رسول ألله (ص) يعطي الفدية بدل عنه ويطلق سراحه ، وقد دلل هذا العمل على محاربة الرسول (ص) للأمية والجهل ونشر القراءة والكتابة بين أوساط المسلمين والذي أنتج عنه بعد فترة من الزمن على العشرات بل المئات من الذين يحسنون القراءة والكتابة بعد أن كانت المدينة يندر فيها من يحسن القراءة والكتابة ، وأما الغنائم فقد رجع أمرها لرسول ألله (ص) في توزيعها ما بين المسلمين قال ألله سبحانه وتعالى (وأعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وأبن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم ألتقى الجمعان والله على كل شئ قدير)..(سورة الأنفال أية 41) وقد أستجاب المسلمون لنداء ألله في الغنائم وأعادوا جميع ما غنموا من المعركة لرسول ألله (ص) وهو الذي قام بتوزيعها ما بينهم. وبعد هذا الإنتصار العظيم أرتفعت معنويات المسلمين بعد ما كانوا ضعافاً قد تركوا أوطانهم هرباً من الإضطهاد ، فبدوا مجتمع أكثر تماسكاً قد كسر عصبية الجاهلية وأعطى الولاء للإسلام بعد أن كان للقبيلة وتقاليدها الجاهلية ، وأصبحت المدينة مركزاً لظهور لقوة جديدة تنافس القوى الكبرى في منطقة الجزيرة العربية ومسيطرة على أهم طرق التجارة فيها ، حرية حركة المسلم في المناطق المحيطة بالمدينة بعد هذا الأنتصار الباهر على قريش مما جعل جميع القبائل الواقعة في الشمال الشرقي من المدينة تبدأ في التفكير الجدي لأبرام الأتفاقيات مع رسول ألله (ص) أي بدأت مرحلة جديدة للأسلام والمسلمين بعد معركة بدر مما جعلهم ينطلقون الى العالم المحيط بهم بطريقة أكثر ثباتاً وثقة .
https://telegram.me/buratha