جميع الأديان والملل والنحل كان لها منقذ مستقل أو مشترك سموه باسماء مختلفة منها: "آرثر، أودين، كالويبرك، ماركو كر اليويج، بوخص، بوريان بو روبهم" و.... يعتقدون أنهم حينما يظهرون سینشرون العدالة في الأرض.
أجمعت جميع الاديان السماوية "الاسلام والمسيحية واليهودية" خاصة المذاهب والطوائف الاسلامية وغيرهم من الديانات والعقائد الاخرى على وجود مخلِّص منتظر، ولكن مع الاختلاف في أوصافه وظروفه. وتعتبر هذه التجربة النفسية وهذا الشعور الذي مارسته الانسانية على مرّ الزمن من أوسع التجارب النفسية وأكثرها عموماً بين بني البشر.
وفي هذا الاطار يقول الفيلسوف الاسلامي الكبير الشهيد السيد محمد باقر الصدر /قدس سره/: "ليس المهدي (عليه السلام) تجسيداً لعقيدة إسلامية ذات طابع ديني فحسب، بل هو عنوانٌ لطموح اتجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغة لإلهام فطري أدرك الناس من خلاله ـ على تنوع عقائدهم ووسائلهم الى الغيب ـ أن للانسانية يوماً موعوداً على الأرض تحقق فيه رسالات السماء مغزاها الكبير وهدفها النهائي، وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان على مرِّ التأريخ استقرارها وطمأنينتها بعد عناء طويل".
فهذا الشعور الغيبي بالموعد مع المنقذ والمنجي الموعود لم ولن يقتصر على المؤمنين دينياً بالغيب، بل امتد الى غيرهم أيضاً وانعكس حتى على أشد الايدلوجيات والاتجاهات رفضاً للغيب، كالمادية الجدلية التي فسرت التاريخ على أساس التناقضات وآمنت بيوم موعود، تُصفّى فيه كل تلك التناقضات ويسودُ فيه الوئامُ والسلامُ.
الايمان بفكرة انتظار قدوم منجي البشرية ومنقذها الامام المهدي الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف هو من اكثر وأشد الأفكار انتشاراً بين بني الانسان كافة لأنه یستند الى فطرة التطلع للكمال بأشمل صوره، أي أنها تعبّر عن حاجة فطرية، ولذلك فتحققها حتمي; لأن الفطرة لا تطلب ماهو غير موجود كما هو معلوم.
ان الايمان بالمهدي (عجل الله فرجه الشريف) والذي نعيش هذه الايام ذكرى مولده المبارك والميمون والخالد ، هو إيمان برفض الظلم والجور حتى وهو يسود الدنيا لّها، وهو مصدر قوة ودفع لا ینضب، لأنه بصيص نور يقاوم اليأس في نفس الإنسان، ويحافظ على الأمل المشتعل في صدره مهما ادلهمّت الخطوب وتعملق الظلم; لأنّ اليوم الموعود يثبت أنّ بإمكان العدل أن يواجه عالماً مليئاً بالظلم والجور، فيزعزع ما فيه من أركان الظلم، ويقيم بناءه من جديد ، وأنّ الظلم مهما تجبّر وامتدّ في أرجاء العالم وسيطر على مقدّراته، فهو حالة غير طبيعية، ولا بدّ أن ينهزم .
ولد سيدنا المهدي بن الحسن الامام الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام ، في ليلة النصف من شهر شعبان سنة 255 للهجرة بمدينة سامراء في العراق ، كما رواه محمد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن محمد (كمال الدين : 648 | 1 ـ 4) .وكان سنه عند استشهاد والده الامام الحسن بن علي العسكري (علیه السلام) خمس سنين ،حينما آتاه الله سبحانه وتعالى الحكم صبياً كما آتاه النبي يحيى (علیه السلام) ، وجعله في حال الطفولة إماماً كما جعل النبي عيسى بن مريم (علیه السلام) نبياً في المهد صبياً . وهو امام عصرنا، ونعتقد بهذا لاخبار النبي (صلى الله عليه و اله) والائمة الكرام (علیه السلام) به. وطول غيابه وعمره الطويل لا يثير الدهشة بعد أن نسمع بأشخاص آخرين عمرّوا طويلاً كالنبي نوح (علیه السلام)، وسلمان الفارسي (رض).
فروى أبو طفيل عامر بن واثلة ـ وهو آخر من مات من الصحابة قال رسول الله (صلى الله عليه و اله): "يا علي أنت وصیي حربك حربي وسلمك سلمي وأنت الامام وأبو الأئمة الأحد عشر الذين هم المطهرون المعصومون ومنهم (المهدي) الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً فويل لمبغضيهم" - ينابيع المودة
للحافظ الحنفي.
كما روى حمزة بن حمران ، عن أبيه حمران بن أعين ، عن سعيد بن جبير قال : سمعت الأمام الحسين (علیه السلام) يقول :" في القائم منّا سنن من ستّة من الأنبياء عليهم السلام : سُنة من نوح ، وسنّة من إبراهيم ، وسنة من موسى ، وسنّة من عيسى ، وسنة من أيّوب ، وسنة من محمد (صلى الله عليه و اله)".
إن البشارة لم يذكرها القرآن الكريم فحسب!! بل ذكرتها جميع الكتب السماوية إشارة لهذا المعنى الدقيق كما لا يخفى، وإليكم بعض النصوص من "مزامير داود" عليه السلام:"فجاء في الجملة 18 من المزمور 37: (إن الله يعلم أيام الصالحين وسيكون ميراثهم أبدياً) – كما جاء في المزمور 37 جملة 27 : (لأن المتبركين بالله سيرثون الأرض، وسينقطع أثر من لعنهم.. ).
كما أن اليهود هم أيضاً آمنوا بهذا الاعتقاد "ظهور المهدي (علیه السلام)" فقد قال كعب الأحبار : مكتوب في أسفار الانبياء :" المهدي ما في عمله عيب" ، وقال سعيد أيوب الكاتب المصري الشهير في ص 370 ـ 380 من كتابه "المسيح الدجال" ما نصه :"وأشهد أنى وجدت كذلك في كتب أهل الكتاب ، لقد تتبع أهل الكتاب أخبار المهدي كما تتبعوا أخبار جده محمد (صلى الله عليه و اله)" فأشارت أخبار "سفر الرؤيا" الى إمرأة يخرج منها اثنا عشر رجلا (سيدتنا فاطمة الزهرء عليها السلام)، وأشار الى امرأة أخرى (والدة الامام المنتظر) وهي تلد الأخير. وجاء في سفر الرؤيا 3/12 "والتنين وقف أمام المرأة الأخيرة حتى تلد ليبلع ولدها متى ولدت" وجاء في سفر الرؤيا 5/12 "واختطف الله ولدها"ويقول "باركلي" في تفسيره "وعندما هجمت عليها ـ أي المرأة ـ المخاطر اختطف الله ولدها وحفظه أي أن الله قد غيب هذا الطفل".
وكتب "سفر الرؤيا" أن غيبة هذا الغلام ستكون ألفاً ومائتي سنة وهي مدة لها رموزها عند أهل الكتاب ، وقال "باركلي" عن نسل المرأة عموماً :"إن التنين سيعمل حرباً شرسة مع نسل المرأة" ، وجاء في "سفر الرؤيا" 13/ 12 "فغضب التنين على المرأة وذهب ليصنع حرباً مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله". حيث يفسره المؤرخون ما دار على الأئمة الاطهار من أبناء الامام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء عليهما السلام طيلة القرون الماضية والتنين هم اعدائهم من بني أمية وبنو العباس ومن خلفهم من الحكومات الفرعونية والطغاة والظلمة وأرهابهم الدموي المتواصل حتى يومنا هذا في بلادنا الاسلامية حيث يعاني أبناء وأتباع وأنصار أهل البيت عليهم السلام الويلات والظلم والقمع والاضطهاد هنا وهناك خاصة في البحرين والسعودية والعراق وسوريا واليمن والاردن وايران وباكستان والهند وافغانستان ومصر و...
واعتقد الزرادشتيون والبوذيون والاسبان والمغول بفكرة ظهور المنقذ المصلح فيما وجد مثل هذه الاعتقادات عند قدماء المصريين وفي كتب الصينيين القديمة. راجع "المهدية في الإسلام" - سعيد محمد حسن ص 43 ، 44 و"قائم القيامة" للدكتور مصطفى غالب ص 270 و"المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي" إصدار مركز الرسالة ص 8 ، 9.
والملفت للانتباه أن أصحاب تلك المعتقدات الانفة الذكر قد امنوا بفكرة ظهور أشخاص كانوا معروفين بعدما اختفوا في ظروف اكتنفها الغموض. لقد اتفق أصحاب تلك الاعتقادات على حالات اختفاء لرجال مشهورين جداً ، ثم امنوا بحتمية عودتهم وظهورهم لغايات الانقاذ وتحقيق أهداف يتوقف تحقيقها على
وجودهم بالذات !!
كما جاءت بشارة الموعود في المعتقدات الصينية ايضاً ففي كتاب "أوبانيشاد" صفحة 54 ما نصّه:"حينما يمتلىء العالم بالظلم يظهر الشخص الكامل الذي يسمى (يترتنكر: المبشر) ليقضي على الفساد ويؤسس للعدل والطهر... سيُنجي كريشنا العالم حينما يظهر البراهميتون".
كما جاء في كتاب "ريك ودا" لل "ماندالاي" ص 4 و24: "يظهر ويشنو بين الناس.. يحمل بيده سيفاً كما الشهاب المذنب ويضع في اليد الأخرى خاتماً براقاً، حينما يظهر تكسف الشمس، ويخسف القمر وتهتز الأرض".
فجميع الأديان والملل والنحل كان لها منقذ مستقل أو مشترك سموه باسماء مختلفة منها: "آرثر، أودين، كالويبرك، ماركو كر اليويج، بوخص، بوريان بو روبهم" و.... يعتقدون أنهم حينما يظهرون سینشرون العدالة في الأرض.
والذين لا يؤمنون بهذا الاعتقاد يقودون ويشجعون الشعوب على الاستكانة للذل والخضوع ويعرقلون كل من يسعى للتحرر والتقدم للأفضل وهم يعتقدون أن كل من يبحث أو يخوض في هذا الأمر هو إنسان يؤمن بالخرافات والمعتقدات البالية ومما لا داعي لإضاعة الوقت في نقاشه و الحوار معه حول الموضوع
وهؤلاء يشكلون تقريبا وحدة واحدة في الرأي لا اختلاف في ما بينهم .
فهو شمس الحقيقة وبقية الله الأعظم المعد لقطع دابر الظلمة، والمرتجى لازالة الجور والعدوان، أنه باب الله (عزوجل) الذي منه يُؤتى، وبواسطته يتوجه الأولياء للبارئ المتعال ، وهو السبب المتصل بين الأرض والسماء، المضطر الذي يجاب إذا دعا، ليت شعري يا سيدي أين استقرتْ بك النوى، بل أي أرض تقلكَ أو ثرى، بنفسي أنت من مغيَّب لم يخل منَّا، بنفسي أنت من نازح ما نَزح عنَّا، إلى متى أحار فيك وأي نجوى، هل إليك يا بن أحمد سبيل فتلقى، هل يتصل يومنا منك بعدةٍ فنحظى، متى ننتفع من عذب مائك فقد طال الصدى، أترانا نحف بك وأنت تؤم الملأ، وقد ملأت الأرض عدلاً، وأذقت أعداءك هواناً وعقاباً وأبرت العُتاة وجَحَدة الحقِّ وقطعت دابر المتكبرين واجتثثت أصول الظالمين.
17/5/705
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha