الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء وأشرف المرسلين محمد وآله الطاهرين.
قبل عقد ونصف من الزمان وبالتحديد في 27/8/1414هـ عدت إلى أرضي فوجدتها خاشعةً وهامدةً وسبخةً ووعِرَةً؛ فهي خاشعة ترضى الذل والخنوع؛ وهامدة استسلمت لخور القوى؛ وسبخة تستعصي على الإصلاح.
فأمعنت النظر وأنعمت الفكر فرأيت رحمها عقيماً ويداها مقيدة بالأغلال؛ والحال أن سعتها وأمراضها وعقدها أكبر من طاقتي وقدراتي فاخترت قيعة منها تعز على قلبي لتكون قطب الرحى وأم البقاع.
وبدأت بعلاجها وحرثها سنين دأباً؛ فبدأت تستجيب لمحراثي؛ فضاعفت جهدي، وركزت خبرتي في لبابها؛ فبدأتُ أنثر فيها سنابل الخير؛ فهنا سنابل الصدق، وهنا سنابل الطهارة، وهنا سنابل الأمانة، وهنا سنابل المحبة، وهنا سنابل المودة، وهنا سنابل العلم، وهنا سنابل المعرفة، وهنا سنابل الحكمة، وهنا سنابل الإباء، وهنا سنابل الشجاعة، وهنا سنابل الجرأة، وهنا سنابل الإقدام، وهنا سنابل التضحية، وهنا سنابل العمل، وهنا سنابل السعي، وهنا سنابل النشاط، وهنا سنابل الحركة، وهنا سنابل الثقة، وهنا سنابل الانفتاح، وهنا سنابل الإصلاح، وهنا سنابل التغيير، وهنا سنابل التجديد، وهنا سنابل العفو، وهنا سنابل الصفح، وهنا سنابل كظم الغيظ، وهنا سنابل سعة الصدر، وهنا سنابل الحلم، وهنا سنابل الرشد، وهنا سنابل ثقافية، وهنا سنابل سياسية، وهنا سنابل وهنا سنابل أخرى؛ وهكذا حتى ملأتُها من سنابل الخير.
وتوجتها بسنابل عدنٍ وسنابل الفردوس؛ سنابل العز والكرامة، وسنابل العدل والقسط، وسنابل الإنعتاق والحرية، وغذيتها بنمير العلم والمعرفة والحكمة، ورويتها من معين الشجاعة والجرأة والإباء، وأنشقتها بنسيم التضحية والعطاء.
وعشت مع قيعة أرضي سنين عجاف شداد إلى أن أتى على الناس وضع يستغيثون فيه الكرامة والعدالة، ويعصرون فيه الحرية والأمن؛ فأخرج الزرع شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه.
وبعد ذلك اهتزت الأرض وربت وأنبتت من كل زوج بهيج؛ ففرحت لاهتزازها، واستبشرت لتراقصها، وشمخت لربوها.
وها أنا ذا أراها تغيظ الكفار والمنافقين والطغاة والظالمين؛ وها أنا ذا وقد اتَّقدتْ شعلة العز والكرامة، وشعلة العدل والقسط، وشعلة الإنعتاق والحرية بوقود العلم والحكمة والمعرفة، ووقود الشجاعة والجرأة والشجاعة، ووقود الشهادة والتضحية والعطاء؛ أنتظر التي شَغَفَتْ قلبي حباً لها وهام عقلي في مناها لأكثر من ثلاثة عقود عندما انطلقت مع ثلة من الشباب المؤمن إلى بحر الرامس حيث كنا نهرول من جهة الشمال إلى الجنوب هاتفين الله أكبر الكلمة التي تقضُّّ مضجع الطغاة والظالمين وترهبهم فإذا بعض عَبَدَتْ الطاغوت يصعد على سطح مركز خفر السواحل لترهيبنا فقام بسحب الزناد لإطلاق النار على الشباب الأعزل فتراجع الجميع وولى هارباً وبقيت وحدي أتقدم وأتقدم هاتفاً الله أكبر وأنا استحضر كلمات ومواقف شهداء كربلاء التي كنت أنصت وأصغي لها في ترانيم مجالس عاشوراء ومن هذه الكلمات حب الحسين أجنَّني.
والموت فيك أحلى من العسل.
ووددت لو أقتل ثم أنشر ثم أحرق يفعل بي سبعين مرة لما تركت نصرتك يا أبا عبد الله.
فما كان من عبد الطاغوت إلا أن أطلق النار علي ولكن المشيئة الإلهية شاءت أن أكون عالماً قبل أن أكون شهيداً فمالت الرصاصة عني عشرة سنتيمترات وتقدمتْ لحظات فأخطأتْ الرصاصة هدفها؛ فربط الله على قلبي، وازددتُ إيماناً، فسارعتُ الخُطى متقدماً هاتفاً الله أكبر مما أرعب عَبَدَتْ الطاغوت؛ فأسرعوا بالفرار والنزول كالجرذان مما ألهم الشباب إرادة وإيمانا؛ فعادوا خلفي وعاودوا التقدم إلى الأمام هاتفين الله أكبر.
والآن وبعد ثلاثة عقود من الزمن بدأت تلوح معشوقتي باسمة تناديني هلم هلم إلي لأسقيك شربة من عين الحياة لا تظمأ بعدها أبداً.
وها أنا ذا أنتظر عناقها على أحر من الجمر لعل الله يصبغ حياتي بمداد العلماء ودماء الشهداء؛ ولأحظى بالحسنيين: حسن الكرامة، وحسن معشوقتي الشهادة؛ أو لعل الله يرزقنيها بدرجة أعلى، أو لعلي لما أبلغ مقامها، أو لعل الله لا يجدني أستحقها.
ولذلك يبقى الأمر والعلم موكول بيد الله، وأنا راضٍ بحكمه وأمره مسلِّم بقضائه وقدره متوكل عليه مفوض أمري إليه.
ومن هنا أبعث رسالة تطمين لكل مَنْ يتكالب على ارتقاء صهوة الزعامة بغياً وعدواناً ويتقاسم كعكتها ذلاً ومهاناً؛ بأنني أسعى وأتنافس على الأمارة لكي أكون أميراً ولكن على غير إمارتكم الوهمية وإنما أميراً في الجنة بشهادتي دفاعاً عن قيم السماء والكرامة؛ وبذلك سأعَبِّد الطريق لغيري من المخلصين لكي يرتقوا زمام قيادة المؤمنين فأرجوا منكم أن تشاركوني في تعبيد الطريق بتخلية القيادة لأهلها المخلصين الذين عجنت كلماتهم وأفعالهم بالتقوى؛ ولا يأخذ منكم الغرور رشدكم، ولا تأخذكم العزة بالإثم فتضيعوا هداكم، وتواضعوا للحق وأهله، وسلموا القيادة لأهلها المخلصين.
وليكن ترككم للزعامة وفتح الطريق لأهلها تكفيراً لما مضى منكم من تنافس وصراع وحروب وفتن وتسقيطات وصعود على حرق أبناء المجتمع باسم الدين والطائفة والمصلحة العامة كذباً وزوراً؛ والله يعلم وأنتم تعلمون أنكم ما حركتم ساكناً إلا من أجل زعامة وهمية تكالبتم عليها؛ ولم تتذوقوا إلا مرارتها. فهل أنتم مستجيبون أم نيام في غفلة سامدون؟.
قالوا:
السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب
وهذا منطق الجهلة من السلاطين والطغاة، أما منطقنا فهو:
الفكر أبلغ في السجال من المدفع ويجف منبع العنف ويبقى مداد الألمع
................
19/5/703
https://telegram.me/buratha