ماذا يحدث إذا ختمت أفواهنا مرغمين جميعاً بالشمع الأحمر؟ وما الذي ستئول اليه أحوالنا أذا أُرغمنا على أن نغط في نوم عميق؟!..ما الذي سيحصل إذا تعين علينا قبول فاجر فاسق تسلط على رقابنا ؟!..ها..وليس قبولا سلبيا فقط بالصمت مثلا، بل يفترض بنا أن نكون إيجابيين جدا، فنبايعه على أننا خولا وعبيدا له، وأن علينا أن نفرح بهذه العبودية، ونصفق لها ونحمد الله ونشكره على نعمة العبودية للفاجر الفسق!..هذا هو حال الأمة عشية محرم عام 61 للهجرة النبوية المجيدة، هذا حالها وما زال فيها بقية الصلحاء من الصحابة وأهل بيت النبوة، هذا حالها وما زالت ذكرى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ندية.ولم يكن هناك من بد لأن يطرح سؤال محوري عن طبيعة الذي يجري في ساحة الأسلام آنذاك.. سؤال مؤداه: بأي وجهة نظر عقلانية تخدم مستقبل الأمة ودولتها، يجري القبول بهذه الأشتراطات التي أعلن عنها معاوية حين أخذ البيعة لولده يزيد؟..على الأقل ليس على المستوى الاستراتيجي، بل على المستوى الآني..هل كان معاوية يسعى لبناء "دولة" حقيقية تأخذ بالأمة الى حيث يفترض أن تذهب وفقا للخطوط العريضة التي وضعها القرآن، أو وفقا للتفصيلات التي تركها فينا من نزل عليه القرآن؟..أم أن معاوية كان يسعى لبناء "إمارة" لإبنه وأحفاده، يرتعون في مرابعها برخاء، ويعيشون أيامهم ببذخ بأموال "الرعية"، وإن بإرغام "الرعية" على الطاعة بسفك الدماء؟..ويخرج من بين السؤالين الآنفين سؤال جوهري، هو الذي أجاب عنه المفكر العربي عباس محمود العقاد بقوله– رغم كل الثورات التي استهلها الإمام علي بدمه ودم الشهداء من أبنائه في مقارعة الظلم عبر التاريخ الا ان تيار الملك بقى مستمرا وقويا، فلولا غياب العدالة الإجتماعية لما ثار مظلوم على ظالم ولما بقى المثال النبوي والأئمة من بعده رمزا ومنارا حيا في كربلاء )..لقد كان السؤال: ما هي الطبيعة الحقيقية للصراع الذي كان يدور في تلك الأوقات العصيبة من حياة الأمة الوليدة؟ وبمعنى أدق هل كان صراعا سببه إختلاف الرؤية لبناء الدولة، أم أنه صراع حول الدولة ذاتها؟..الحقيقة هي أن الصراع كان بين منهجين لا غير..صراع بين من يريد بناء "دولة" الأمة، وبين من يريد بناء "إمارة" الفرد..وبلغة عصرنا صراع بين من يسعون لبناء "دولة المواطنين" وبين الذين يعملون على بناء "دولة المسؤولين".. فأما ينتصر نهج نظام الجماعة الذي يتزعمه الإمام علي او ينتصر نظام الفرد الذي يجسده معاوية.
ولو سلك الإمام عليه السلام اسلوب المساومة لكان نسخة اخرى من معاوية نفسه، بعبارة اخرى لو قبل الديمقراطي بالأسلوب الدكتاتوري تحول هو الى دكتاتور، وهكذا دخلنا في الصراع الدائم بين منهجين متضادين..
السلام على أبي عبد الله....
11/5/703
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha