خضير العواد
ولد الإمام السجاد (ع) في 38 هجرية وقد إحتضنه جده أمير المؤمنين (ع) وأجرى عليه المراسيم الأسلامية التي أجراها رسول الله (ص) على الحسن والحسين عليهما السلام حين الولادة ، وبقى الإمام زين العابدين (ع) سنتين في حضن جده (ع) ينهل من حنانه وعطفه وجميع خصاله الحميدة ، وقد عاش الإمام السجاد (ع) مع عمه الحسن سلام الله عليه عشر سنوات ومع أبيه عليه السلام حوالي 23 سنة ، وهكذا تلقى الإمام السجاد (ع) علومه وأخلاقه وصفاته الحميدة من هؤلاء الأئمة الثلاث سلام الله عليهم ، ومن فضائله سلام الله عليه قال رسول الله (ص) ( إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين زين العبادين ؟ فكأني أنظر الى ولدي علي بن الحسين بن علي أبن طالب يخطر بين الصفوف ..(1) ، لقد عاش الإمام السجاد عليه السلام أيام الفتنة الكبرى وتخلي الناس عن طريق الهدى والألتحاق بطريق الضلال المملوء بالمغريات الوقتية الزائلة ، وكيف حاول بنو أمية القضاء على الأسلام المحمدي وطمس سنة الرسول (ص) وخلق سنة تتلائم مع ملذاتهم وحياتهم المملوءة بالمعاصي والمنكرات ، فأشتروا علماء السوء ووضّاعي الحديث بالإضافة الى كسب الشعراء والأدباء فكانت الأموال تتقاذف عليهم من أجل شراء ذممهم وألسنتهم وأقلامهم ، فأصبحت الأمة سكرى لا تعلم من الحق شيئا فأصبحت البدع سنن والسنن من البدع فإذا نسى إمام الجماعة سب علي بن أبي طالب (ع) تتصارخ الناس لقد نسيت السنة أي سنة سنة بني أمية التي قال فيها رسول الله (ص) ( من سب علياً فقد سبني )...(2) فأصبحت الأمة من جهلها وأنحرافها تسب رسول الله (ص) خمس مرات يومياً من على منابر المسلمين، وأصبح الأنحراف في عظمته عندما تسلم المُلك الفاسق الفاجر شارب الخمر يزيد بن معاوية عندها صرخ صوت الحق ومثلي لا يبايع مثله ، فتحرك الركب الحسيني ثائراً على هذا الأنحطاط متوجهاً الى العراق تاركاً خلفه مدينة رسول الله (ص) والحرم المكي حفاظاً على حرمتهما حتى لا يتجرأ أحد من أنتهاك هذه الحرمة ، لقد خطط الإمام الحسين (ع) للثورة الحسينية أن تكون ثورة من أجل الإنسانية جمعاء ومستمرة مع الزمن ومهددة لكل طاغية وظالم ، فأراد الأمويون وأنصارهم ممن باع آخرته بدراهم قليلة أن يقتلوا الحسين (ع) وأصحابه في صحراء كربلاء ويتركوا الرمال تخفي آثارهم ويقضوا على كل أمل في إرجاع الناس الى طريق الأسلام الحق ، ولكن الإمام الحسين (ع) أراد الأنطلاقة أن تكون من كربلاء وتستمر لتشمل جميع بلاد المسلمين وتستمر الى كل الأجيال ، فجلب معه النساء والأطفال حتى يكونوا أصدق شهود على أبشع جريمة عرفتها الأنسانية ، فكيف لا تكون كذلك وقد أرسل الله رسوله الكريم ليخرجهم من الضلال الى النور ومن النار الى الجنان فكان جزاء رسول الله (ص) أن يقتلوا حبيبه الحسين (ع) ومعه جميع أفراد عائلته وسبي نساء الرسالة كسبي الديلم والترك ولم يبقوا من الرجال إلا من شاءت قدرة العزيز القدير أن تسحب منه القوة والحركة وتجعله يعجز من نصرت أبيه الحسين (ع) وهكذا نقذ الله سبحانه وتعالى الأسلام من الإندراس والإضمحلال بحفظ الإمام زين العابدين (ع) من القتل في كربلاء ، وبعد مصرع الإمام الحسين (ع) في أرض الطفوف بدأ الفصل الثاني من ثورة كربلاء هو إيصال هذه الثورة الى العالم ، فقد لاحظ الإمام السجاد (ع) تصميم بنو أمية على قتل جميع آل البيت عليهم السلام لهذا تولى مهمة القيادة عقيلة بني هاشم زينب عليها السلام ، ولا كن لا يمكن لهذه القيادة أن تتحرك بأي خطوة إلا بموافقة إمام زمانها السجاد عليه السلام ، فبدأ الدور الأعلامي العظيم الذي كان بمستوى المهمة الملقاة على عاتقهم فكانت الخطب وإظهار الحقائق للناس وزرع نواة الثورات في قلوب كل الأحرار ، فأصبح طريق سير الأسرى كسلك الديناميت الذي بدأ من كربلاء وتفجر في عاصمة بني أمية دمشق عندما صعد الإمام السجاد (ع) الأعواد وأظهر حقيقة سلطان بني أمية وحقيقة الأسرى القادمين لهم من كربلاء فكانت خطبة الإمام زين العابدين عليه السلام كالصاعقة التي نزلت عليهم ولكن ليس من السماء بل كانت من كربلاء فماذا يفعلون وماذا يتصرفون هذه بنات الرسالة تساق إليهم كالعبيد والقيود قد نهشت لحومهم وهذا رأس الحسين (ع) سيد شباب أهل الجنة قد غيّرت لونه حرارة الشمس ، فألصدمة عظيمة وردة الفعل كانت كبيرة حتى بدأت نيران الهيجان الشعبي تغلي في عروق الناس ، ولكن السلطات الجائرة دوماً تستعمل كلام الله للدفاع عن مصالحها فكان صوت الأذان فاصلاً لكي يهدأ الناس ومن ثم ترحيل الموكب الأعلامي العظيم الذي نقل أجواء أعظم ثورة غيّرت وجه التاريخ والأنسانية ، وبعد الوصول الى المدينة بدأ الإمام زين العابدين (ع) تعبئت القيادات لكي تنقل الاسلام الحق الى الناس كافة ، فكان يشتري العبيد ويعلمهم تعاليم الدين والمبادئ الأسلامية الحقة ومن ثم يطلقهم أحراراً محملين بعلوم محمد وآل محمد الى العالم الرحب ، بالإضافة الى نشر القادة فقد كان الإمام (ع) ينشر تعاليم الإسلام وعقائده الصحيحة من خلال أدعيته التي أنتشرت في كل مكان وما الصحيفة السجادية إلا أكبر برهان ، وأما الوسيلة الثالثة والاقوى لتأليب وتذكير المسلمين بواقعة الطف فكان البكاء السلاح الاقوى والأعظم الذي هز أركان الدولة الأموية الذي أستعمله الإمام السجاد (ع) لأكثر من عشرين سنة وهو يبكي كلما وضعوا بين يديه طعام أو ماء أو شاهد كبشاً يذبح ، حتى قيل له يوماً أما آن لحزنك أن ينقضي ، فقال : إن يعقوب النبي كان له إثنا عشر إبناً فغيّب الله واحدا منهم فأبيضت عيناه من كثرة بكائه عليه وكان حياً في الدنيا ، وأنا نظرت الى أبي وأخي وعمي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني (3) ، وبسبب وجوده المؤثر في الأمة ومصدر ثوراتها الكامن الذي أضعف وهدد سلطان بني أمية فقد دس السم الملك الوليد بن عبد الملك عن طريق أخيه هشام الى الإمام زين العابدين (ع) في سنة 95 هجرية فأستشهد مسموماً مظلوما ، بعد أن أوصل ثورة كربلاء وأهدافها كاملة ومؤثرة في وجدان الإنسانية فكان بحق مكملاً لثورة كربلاء الخالدة. فسلامٌ عليه يوم ولد ويوم أستشهد مسموماً ويوم يبعث حيا(1)بحار الأنوار ج46ص73 (2) النصائح الكافية -محمد بن عقيل ص93 (3)بحار الأنوار ج46ص108
https://telegram.me/buratha