ولد الإمام الحسين بن علي عليهما السلام في بيت محطّ الملائکة ومهبط التنزيل في بقعة طاهرة تتصل بالسماء طوال يومها بلا إنقطاع، وتتناغم مع أنفاسه آيات القرآن الکريم التي تتلى آناء الليل والنهار، وترعرع بين شخصيات مقدسة وانتهل من شخصية نبي الرحمة صلى الله عليه وآله بفيض مکارم أخلاقه وعظمة روحه...
الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، أمه فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين بنت خير الرسل وحبيب الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، انه الشهيد بکربلاء، ثالث أئمة أهل البيت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيّد شباب أهل الجنة باجماع المحدثين، وأحد اثنين نسلت منهما ذرية الرسول (ص) وأحد الأربعة الذين باهل بهم رسول الله (ص) نصارى نجران، ومن أصحاب الکساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ومن القربى الذين أمر الله بمودتهم وأحد الثقلين اللذين من تمسك بهما نجا ومن تخلف عنهما ضل وغوى.
وفي اليوم الثالث من شهر شعبان المبارك في السنة الرابعة من الهجرة زُفت البشرى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بميلاد الحسين عليه السلام، فاسرع إلى دار علي وفاطمة عليهما السلام، فقال لأسماء بنت عميس: "يا أسماء هاتي إبني"، فاستبشر (ص) وضمه إليه وأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى ثم وضعه في حجره وبکى، فقالت أسماء: "فداك أبي وأمي ممَ بکاؤك؟".
فقال (ص): "من إبني هذا". قالت: "إنه ولد الساعة". فقال (ص): "يا أسماء تقتله الفئة الباغية من بعدي، لا أنالهم الله شفاعتي". ثم تلقى الرسول الاکرم (ص) أمر الله تعالي بتسمية وليده المبارك فالتفت إلى علي (ع) قائلا : "سمّه حسينا".
نشأ الحسين مع أخيه الحسن عليهما السلام في أحضان طاهرة وحجور طيبة ومبارکة اُماً وأباً وجدّا فتغذى من صافي معين جدّه المصطفى (ص) وعظيم خلقه ووابل عطفه وحظى بوافر حنانه ورعايته حتى أنه ورّثه أدبه وهديه وسؤدده وشجاعته، مما أهله للإمامة الکبرى التي کانت تنتظره بعد امامة أبيه المرتضى وأخيه المجتبى عليهما السلام. وقد صرح بامامته للمسلمين في أکثر من موقف بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "الحسن والحسين إماما قاما أو قعدا" وقال (ص): "اللهم إني أحبهما فاحب من يحبهما" ، وقال (ص): "أحب الله من أحب حسينا" ، وقال (ص): "حسين سبط من الاسباط".
لقد إلتقى في هذا الامام العظيم رافدا النبوة والامامة، وإجتمع فيه شرف الحسب والنسب ووجد المسلمون فيه ما وجدوه في جده وأبيه وأمه وأخيه من طهر وصفاء ونيل وعطاء فکانت شخصيته تذکَر الناس بهم جميعا، فاحبوه وعظموه وکان إلى جانب ذلك کله مرجعهم الاوحد بعد أبيه وأخيه فيما کان يعترضهم من مشاکل الحياة وأمورالدين، لاسيما بعد أن دخلت الأمة الإسلامية حياة حافلة بالمصاعب نتيجة سيطرة الحکم الأموي الجاهلي المتعصب حتى جعلتهم في مأزق جديد لم يجدوا له نظيراً من قبل، فکان الحسين عليه السلام هو الشخصية الإسلامية الرسالية الوحيدة التي إستطاعت أن تخلص أمّة محمد (ص) خاصة والإنسانية عامة من براثن هذه الجاهلية الحاقدة الجديدة وأدرانها ، وذلك بعد أن هيأ الإمام الحسن المجتبى عليه السلام - بتوقيعه على وثيقة الصلح - الأرضية اللازمة للثورة على الحکم الأموي الجاهلي الذي ظهر بمظهر الإسلام الجديد.
فعن سلمان الفارسي قال: سمعت رسول الله (ص) وهو يقول: "الحسن والحسين أبنايَ من أحبهما أحبني ومن أحبني أحبه الله ومن أحبه الله أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله ومن أبغضه الله أدخله النار على وجهه" - اعلام الورى-.
وقد أخذ يوماً عبد الله بن عباس برکاب الحسن والحسين عليهما السلام فعوتب في ذلك وقيل له : "أنت أسنّ منهما!" فقال: "إن هذين إبنا رسول الله (ص)، أفليس من سعادتي أن آخذ برکابهما؟" - تاريخ إبن عساکر.
نعم لقد ولد الإمام الحسين بن علي عليهما السلام في بيت محطّ الملائکة ومهبط التنزيل في بقعة طاهرة تتصل بالسماء طوال يومها بلا إنقطاع، وتتناغم مع أنفاسه آيات القرآن الکريم التي تتلى آناء الليل والنهار، وترعرع بين شخصيات مقدسة وانتهل من شخصية نبي الرحمة صلى الله عليه وآله بفيض مکارم أخلاقه وعظمة روحه.
فکان الحسين عليه السلام صورة لمحمد صلى الله عليه وآله في أمته يتحرك فيه على هدى القرآن المجيد ويتحدث بفکر الرسالة المحمدية ويسير على خطى جدّه العظيم ليبين مکارم الأخلاق ويرعى للأمة شؤونها، ولايغفل عن هدايتها ونصحها ونصرتها جاعلا من نفسه المقدسة أنموذجاً حياً لما أرادته الرسالة فکان عليه السلام نور هدى للضالين.. وسلسبيلا عذبا للراغبين.. وعماداً يستند إليه المؤمنون.. وحجة يرکن إليها الصالحون.. وفيصل حق إذا تخاصم المسلمون.. وسيف عدل يغضب لله ويثور من أجل الله. وحين نهض کان بيده مشعل الرسالة الذي حمله جده النبي صلى الله عليه وآله يدافع عن دينه ورسالته العظيمة.
فسلام عليه وعلى الائمة الهداة الميامين من آبائه وأبنائه، سلاما دائما مع الخالدين.
23/625
https://telegram.me/buratha