الحديث عن شخصية الإمام الخميني (قدس) ونهجه هو حديث عن الإسلام الرسالي والتدين الواقعي والشخصية النموذجية التي انعكست فيها كل المقومات العلمية والعملية للإنسان الذي يصدق عليه أنه الإيمان الناطق. وعلى هذا تجلت في شخصيته كل صفات الإنسان المثالي الذي بدأ حياته بالعلم والتقوى والإيمان والعمل الجاد والدؤوب، فلم يخف في الله لومة لائم، ولم تمنعه كل الحواجز المادية والدنيوية عن أن يجسد الحقائق الأصيلة في الجمهورية الإسلامية بفضل ما اتسمت به هذه الشخصية الفذة، فانعكست هذه الصفات والخصائص على نهجه وخطه، فكان خطاً مميزاً عن كل التوجهات والاتجاهات التي حكمت عالمنا.
تكتسب دراسة شخصية الإمام الخميني (قدس سره) والإطلالة على مواصفاتها أهمية خاصة، لكونها تشكل الملاك والمعيار الواقعي للإنسان المستقيم وللشخصية الصالحة. وهنا يمكن الإشارة باختصار إلى أهم ما تميزت به شخصيته:
أولاً: كان الإمام يمتلك فهماً دقيقاً عن الإسلام الأصيل، فأدرك منذ البداية أن الإسلام بتعاليمه وقوانينه وتشريعاته قادر على إدارة شؤون المجتمع وتنظيم حياة الأفراد في ظل دولة الإسلام. لذلك نراه قد فتح أبواباً جديدة في أبحاثه الفقهية مهّدت الطريق لجلاء الصورة الحقيقية عن بعض أهم الأهداف والغايات المتوخاة من الشرع، فكان تأسيسه العلمي والعملي لمبدأ (ولاية الفقيه)، وعمل على رفع مستوى فهم الدور السياسي للإسلام. كذلك تحرك (قدس سره) في اتجاه العبادات الأخرى، فأعطاها أبعادها الحقيقية والواقعية، كما حصل في عبادة الحج، حيث أعطاها الروح الحقيقية التي ترفع الإنسان إلى مستوى القرب من الله، وهيأ الظروف لتكون القيادة الدينية بما تحمله من قيم دينية أصيلة هي الأساس والنموذج الذي يجب أن يُحتذى به.. وبالتالي أعطى للإنسان القدرة الحقيقية في الحضور الواقعي في ساحة العمل الاجتماعي والسياسي.
ثانياً: كان الإمام يتمتع بشجاعة وصلابة وقوة إرادة قل نظيرها، وهذا ما تجلى من خلال مسيرة جهاده قبل الثورة ضد أجهزة الشاه. فكم مرّة تعرض للحصار والتضييق والسجن والنفي وما شابه ذلك، إلا أن كل هذه الأعمال لم تهدم عزيمته ولم تثنه عن مواصلة طريق جهاده.. وحتى بعد انتصار الثورة وتشكيل الحكومة الإسلامية، نرى الإمام (قدس سره) يواجه العقبات بكل صلابة وإرادة.. يأمر باحتلال وكر التجسس الأميركي في السفارة الأميركية برغم أن الثورة كانت لا تزال حديثة الولادة، بحيث ان أدنى مغامرة قد تودي بها، لكنه تابع الطريق وواجه أعتى قوّة في هذا العالم.
ثالثاً: كان الإمام (قدس سره) يمتلك إيماناً مطلقاً بالله تعالى معتمداً عليه في كل مجالات الحياة. هذه الخاصية جعلت منه شخصية ذات سكينة وثبات في مواجهة التحديات، وصقلت نفسه بصفات الزهد والإخلاص، فكان يترفع عن كل شوائب الدنيا وعناوينها، برغم الظروف التي هُيئت له، فلم يستهوِه الحكم والسلطة والمناصب الدنيوية، ما جعله يترك أثراً كبيراً على نفوس أجيال مجتمعاتنا وحرك فيها البعد المعنوي، فغدا الوعي الديني أحد أهم خصائص عصر الإمام، بعدما أرخت جاهلية هذا القرن بكامل ثقلها المادي الهدام على مجتمعاتنا.
وأخيراً كان الإمام يمتلك إيماناً كبيراً بقدرة الشعوب الإسلامية على تجسيد الإسلام الحقيقي، هذا إذا ما التزمت بنهج الله تعالى وعملت طبقاً لما تقتضيه رسالة السماء. فلو عدنا إلى كلمات الإمام (قدس) لوجدناه يعلق آمالاً كبيرة على الشعوب الإسلامية، لكونها القوة الحقيقية التي يمكنها أن تبدأ بالتغيير والتوجه نحو الأفضل، نحو إقامة دين الله وحكمه.
هذه الخصائص والصفات هي أهم ما يمكن مطالعتها في شخصية الإمام، حيث كان لها التأثير الكبير في جلاء صورة نهج الإمام وخطه. أما أهم ما تميز به هذا النهج فهو الارتباط الوثيق والواعي بالله تعالى، والاتكال عليه في جميع الظروف. وهذا الارتباط ليس حالة أخلاقية أو مزاجية، إنما هو إيمان عميق واعتقاد راسخ نابع من صميم الوجود. لهذا نرى الملتزمين بهذا الخط يتجاوزون كل الخصوصيات والمكتسبات الشخصية من أجل إرساء قواعد الدين.
أما السمة الثانية لهذا النهج فهي الاستقلالية وعدم الالتجاء إلى الشرق أو الغرب، فكان هذا الشعار هو العنصر الأصيل في خط الإمام (قدس سره)، وكان له عمقه وأصالته ووزنه السياسي في عالم كانت القوتان العظميان تتنافسان فيه.. فما من ثورة إلا وارتمت في واحدة منهما، إلا أن خط الإمام كان يقف بعيداً عن هذه الخطوط التي لا يمكنها أن توصل الثورة إلى أهدافها وغاياتها.
ومن خصائص خط الإمام أيضاً الواقعية والشمولية، حيث مهدت هذه الخاصية الطريق لطرح الإسلام باعتباره حضارة راقية عملت على إشاعة الوعي والتقدم والصحوة في المجتمع الإسلامي. لقد اهتم الإمام بقضايا العالم الإسلامي وعالجها بواقعية، وكشف عن الخطوط المقابلة لهذا التوجه، فترك تأثيراً كبيراً على الشعوب الإسلامية، فأضحت الثورة محط آمال المستضعفين.
ومما ميز هذا الخط أيضاً الثورية والاستمرارية، فأكثر الثورات خمدت بعد أن استقر أصحابها في مناصبهم، لكن الثورة الإسلامية كان لها شأن آخر تجلى في العمل المستمر على ترسيخ قواعد الدين والثورة، ورفض كل ما من شأنه القضاء على القيم الإسلامية. فلم تُستخدم الثورة كأداة للوصول إلى الحكم، بل كانت مقدمة لبداية عصر جديد تحكمه قيم الإسلام والثورة.
وفي الختام نقف بكل خضوع أمام شخصية الإمام الخميني (قدس سره) العظيمة، لنلاحظ فيه شخصية أقل ما يقال فيها انها أعادت للإسلام والدين والإنسان قيمته واعتباره، فأضحى النموذج والمقتدى.
https://telegram.me/buratha