بالرغم من الازدهار الذي حققه الكيان السعودي من نمو اقتصادي مفرط على مدى العقود الأربعة الماضية إلا أنه لا زال يفتقد للكثير من الإنسانية والرحمة وبالخصوص تجاه شعب القطيف والاحساء من الشيعة.
فالنظام السياسي الذي درج بني سعود على إتباعه يضع المواطنين عموماَ في دائرة ضيقة جداً لا تسمح لهم بالمشاركة السياسية إضافة إلى التقسيم الطبقي والاثني والمذهبي الذي جعلهم ضمن حكم ملكي مطلق ومستبد يفتقر لأبسط مقومات الحياة السياسية الصحيحة والتي هي ميزة العديد من الحكومات والأنظمة العالمية باستثناء الأنظمة والكيانات العربية .
وتشير جميع الدلائل التي يمكن ملاحظتها بوضوح على أرض الواقع إلى تنامي القمع السياسي والديني والثقافي تجاه شعوب الجزيرة العربية بحيث شكلت حالة رفض فطرية لدى المواطنين وبالخصوص الشيعة منهم باعتبار إن حجر الزاوية في التسلط هو توجيه سهام القهر والحرمان باتجاه الشيعة قبل كل شئ .
ان الفشل المستمر لحكام بني سعود في إيجاد صيغة دبلوماسية للتعامل مع الأنظمة والحكومات في هذا الكون جعل من كيانهم غدة سرطانية تفرز قيح التمييز الطائفي باستمرار مخلفة داء عضال أصابت به الموالين لها من المنافقين .
ان الإمبراطورية الإعلامية التي أسسها الكيان السعودي والتي حاول من خلالها التمويه على النسيج البدوي للنظام السياسي المتبع في شبه الجزيرة العربية والذي يتسم بالغلظة والشدة والاستخفاف بالشعوب الأخرى ما هي إلا ماكنة إرهابية تسحق تطلعات الشعوب الحرة مثيرة غبار من الحقد والكراهية الذي تفوح منه رائحة الدم وتعمل جاهدة أن تبرز الكيان السعودي على انه من المناصرين والمدافعين عن الإنسانية وحقوق الإنسان أمام المحافل الدولية التي سئمت في حقيقة الأمر الادعاءات الفارغة لمسؤولي ذلك الكيان والذين لا يفقهون شيئاً من السياسة الدولية سوى تصدير النفط .
لقد اتبع حكام الكيان السعودي سياسة الخداع والتضليل والتحايل مع المجتمع الدولي على مدى عقود من الزمن تدعمها المصالح الاقتصادية الكبيرة التي ألزمت الدول الكبرى بالصمت المطبق إزاء تجاوزات الكيان .
فعلى سبيل المثال بعد ثورة الاتهامات التي أطلقتها الدوائر الغربية للكيان السعودي بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر والتي لا يزال يلفها الغموض , سرعان ما بدأت بالتلاشي حينما سال لعاب الإدارة الأمريكية للمبالغ الخرافية التي ضخها السعوديون بعد الحادث ووفقاً للتقرير الذي أصدره قسم أبحاث الأمن الوطني في معهد راند في ولاية كاليفورنيا الأميركية ، والذي دعا الحكومة الأميركية في نهاية المطاف إلي تأييد العلمانيين ضد الشيعة في المنطقة .
ان الطبيعة البدوية لحكام بني سعود والمتحالفين معهم من آل الشيخ جعل من مجتمع شبه الجزيرة العربية والذي ينتمي إلى عقيدة عبد الوهاب مجتمع مغلق ومعزول لم يألوا جهداً للانفتاح على الشعوب العربية الأخرى المجاورة لها , إلا إن الأمر يختلف بالنسبة لشعب القطيف وألاحساء من الشيعة الذين ابقوا على تواصلهم مع جيرانهم من الشعوب الأخرى الأمر الذي يدلل على حركية العقيدة التي يحملونها والتي تنظر برحمة واحترام للآخرين .كما إن الانقياد الأعمى لموظفي المؤسسة الدينية التي أسسها حكام بني سعود واتباع فتاواهم من قبل شعب الجزيرة العربية الذي ينتمي للعقيدة الوهابية جعلت منهم نماذج حقيقية لمافيا الوهابية ومشروع جاهز لتنفيذ مهام تنظيم القاعدة الإرهابي بحيث لم تفلح وفود الحجاج التي تدخل في مواسم الحج والعمرة من إذابة شحمة الانغلاق والجاهلية لسكان الجزيرة من وهابيي بني سعود مما جعل شعور الخشية والريبة والشك هو المسيطر على عقولهم مرسخاً عندهم ثقافة القنص والصيد وصورة الصقر العربي التي اعتبروها ميزان القوة والشموخ العربي الفارغ . لقد بدأ الكيان السعودي في الآونة الأخيرة تحركات مريبة تمثلت بتحالفات سرية وأخرى علنية للتأثير على الأنظمة والحكومات الحرة وبالخصوص في العراق وإيران ولبنان من اجل التأثير على سير العملية السياسية فيها وإقصاء الشيعة من الحكم أو تغيير الأنظمة الفعلية فيها لتناسب مع المقاسات الوهابية , بحيث انسحب أثره السلبي على شعب القطيف والاحساء الذي بدأ يعاني من ضغط الكيان واستحكام نظرة الشك والريبة لديه من عدم ولائهم له .
لقد دللت الأحداث الأخيرة على عمق المؤامرة والهجمة الشرسة التي يبيتها الكيان السعودي وحلفاءه من العرب ضد الشيعة في المنطقة وتطويق الهلال الشيعي على حد زعمهم , وهذا قريب من تصريح ( سكوت ريتر ) كبير مفتشي الأمم المتحدة السابق في العراق والذي كشف عن الجهد الكبير الذي يبذله الكيان السعودي الآن في تقويض النظام الإسلامي في إيران من خلال التدخل المباشر بالأحداث الأخيرة التي رافقت الانتخابات الرئاسية هناك وتسخير وسائل الإعلام للتأثير على الشارع الإيراني وإشعال الفتنة ما بين النسيج المتجانس للشعب الإيراني المسلم الذي يدين بمذهب أهل البيت عليهم السلام . كما جرى دعم مالي سعودي كبير للدوائر الإعلامية الغربية للتأثير على الشارع الإيراني وهو ما تمثل في التنسيق الذي تم ما بين ( جارد كوهين ) الذي يعمل في فريق التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأمريكية والسفير الأمريكي السابق في لبنان (دنيس روس) الذي هو من الأعضاء المؤسسين لـ (معهد اشنطن لسياسات الشرق الأدنى) ، حيث عمل كمستشار لدى هذه المؤسسة منذ ترك الخدمة الحكومية في العام 2000. وقام بالتمهيد لكوهين لإلقاء محاضرة باسم (الديمقراطية الرقمية) يشجع فيها الشباب الإيراني المغرر به لاستخدام شبكة والهواتف المحمولة والفضائيات للتواصل مع الآخرين لشق الصف لدى الشعب المسلم في إيران .
كما لا يخفى الدور السعودي في العراق واستخدام الآلة التخريبية لتقويض الحكم الديمقراطي فيه والذي يشكل غصة شيعية في المجرى السني وحجر عثرة أمام السنة في أعادة الحكم القبلي الذين يدين للسلف البائس المتمثل بالثلة التي حكمت ما بعد شهادة الرسول صلى الله عليه وآله والذي تمثل بالثلاثة الذين سموا بالخلفاء الراشدين زوراً وبهتاناً , بالإضافة إلى علم الكيان السعودي ما لشيعة العراق من دور فعال في رسم ملامح العصر الحديث والأهمية الكبرى التي يضطلعون بها , وهذا ما أشار له أهل البيت عليهم السلام وكما ورد عن طريق مولانا الإمام الصادق عليه السلام وبعدة نصوص تشيد بشيعة العراق :
(إن ولايتنا عرضت على السماوات والأرض والجبال والأمصار، فما قبلها قبول أهل الكوفة "البحار/ج60/209"). (إن الله احتج بالكوفة على سائر البلاد، وبالمؤمنين من أهلها على غيرهم من أهل البلاد , "نفس المصدر") ويروي عبد الله بن الوليد فيقول: دخلنا على أبي عبد الله الصادق (ع) فسلمنا عليه وجلسنا بين يديه، فسألنا: من أنتم؟. قلنا: من أهل الكوفة. فقال: أما أنه ليس من بلد من البلدان أكثر حباً لنا من أهل الكوفة، ثم هذه العصابة خاصة، إن الله هداكم لأمر جهله الناس، أحببتمونا وأبغضنا الناس، وصدقتمونا وكذبنا الناس، واتبعتمونا وخالفنا الناس، فجعل الله محياكم محيانا، ومماتكم مماتنا). "نفس المصدر"
إذاً من الطبيعي من تكن لهم هذه المنزلة عند أهل البيت عليه السلام , أن يكونوا هدفاً لبني سعود ذوي الأصول الأموية وان يكن تدخلهم في العراق حقيقة ثابتة , وهذا ما أكده رئيس الحكومة العراقي نوري المالكي عندما اتهم الكيان السعودي صراحة بمعاداة بلاده وبالتدخل في الشأن العراقي وبصورة فعالة والتحريض على الانقلاب وذلك من أجل تطويق الشيعة وإعادتهم إلى المربع الأول من الحكم السابق ذو الملامح الوهابية .كما اتهم الاستاذ هادي العامري رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي الكيان السعودي بمسؤوليته عن التفجيرات في العراق وطالب باتخاذ موقف بشأنها وقال بأن “العمليات الإرهابية التي حدثت مؤخرا تأتي في إطار مخطط تنفذه (السعودية) لعرقلة انسحاب القوات الأمريكية من المدن .
الأحداث الأخيرة في المنطقة الشرقية
على أثر أحداث المسجد النبوي ومقبرة البقيع في فبراير الماضي أظهرت الأحداث وبصورة جلية الحقد والكراهية التي صاحبت دوائر الكيان السعودي الرسمية وشبه الرسمية المتمثلة بقوات الامن السرية وقوات الحرس الملكي وبما تسمى بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي صبت جام غضبها على المواطنين الشيعة والذين يشكلون حجر العثرة أمام تنفيذ سياسات التمييز الطائفي والتخريب السياسي للأنظمة الإسلامية الصحيحة .
لقد رافق الحملة الشرسة التي تبنتها الأجهزة الأمنية وأفراد الهيئة وجيش المتطرفين السنة من المنقادين بشكل أعمى لأساطين الفكر الوهابي أمثال الإرهابي بن جبرين والبراك وناصر بن سليمان العمر , إعلام مسموم يظهر المواطنين الشيعة من الذين شاركوا في الاعتصامات السلمية على أنهم متمردون على النظام السياسي السعودي ويخضعون لتأثيرات خارجية .
لقد قابل الشيعة من سكان المنطقة الشرقية الإرهاب الحكومي والإرهاب الوهابي بصمود عالي أصاب الكيان السعودي في الصميم الأمر الذي جعله يتخبط في سلوكه الأمني الغير منضبط والذي أدى إلى زج العديد من الشباب والأطفال في السجون , كما بينت الأحداث مدى التخاذل الذي أبدته السلطات الأمنية وتحصنها في ثكناتها , وهذا ما دفع الشباب المتحمس أن يتحدى الأسطورة التي نسجتها الدوائر الغربية حول الكيان السعودي وقدرته على الهيمنة على المنطقة بأسرها , حيث عملت سابقاً ومن خلال مجلس التعاون الخليجي إلى تلميع صورة الكيان السعودي المشوهة والباهتة وإظهار قدرة زائفة للهيمنة على كيانات مجلس التعاون الخليجي الأخرى وإظهاره على انه مدير خبير في إدارة الأزمات متناسين كون الأنظمة الخليجية هي مجرد إمارات وجدت أصلاً للتبضع والاستجمام لمتسكعي الغرب .
ان الكيان السعودي في نهاية الأمر لا يعدو كونه نسخة مشوهة ومتقيحة للغدة الصهيونية التي أوجدتها الدوائر الاستعمارية في قلب العالم الإسلامي , الهدف منها الوقوف بوجه المد الشيعي وكما يسميه التحالف العربي السني بالهلال الشيعي , ولأجل تنفيذ المخطط بدأ الكيان ولسوء حظه بشيعة القطيف والأحساء , الأمر الذي أصابه بخيبة أمل كبيرة عندما وجدهم صخرة عاصية من غير الممكن أن إزاحتها عن الطريق , وهي حقيقة عرفها الشعب المسلم في القطيف والأحساء وأدرك بان العد التنازلي لزوال هذه الغدة السرطانية قد بدأ , كما أدرك وبكل شجاعة بان التصميم والإرادة في مواصلة رفضه لكيان بني سعود الغاصب هو مفتاح الاستقلال عن هذا الكيان .
https://telegram.me/buratha
