لم تكتف الولايات المتحدة الأمريكية بمعاقبة بعض المصارف الأهلية العراقية عبر حرمانها من المشاركة في مزاد العملة الذي يقيمه البنك المركزي العراقي يوميا لبيع الدولار، بل عادت وزارة الخزانة الأمريكية مؤخرا فأبلغته بضرورة دمج وإغلاق بعض تلك المصارف لتحسم بذلك مصيرها بعد أن دارت حولها الكثير من الشبهات.
وكانت 4 مصارف أهلية عراقية، تعرضت لعقوبات خلال الفترة الماضية، من أبرزها مصرف الشرق الأوسط المملوك لرجل الأعمال علي غلام، الذي وصل إلى العراق في يوم 19 تشرين الثاني 2022 وتم اعتقاله في مطار بغداد الدولي، بناء على مذكرة إلقاء قبض صادرة بحقه وفق المادة 456، ومن ثم أطلق سراحه بكفالة.
وتقول مصادر مطلعة، إن "الوفد العراقي الذي زار الولايات المتحدة الأمريكية قبل أيام برئاسة وزير الخارجية فؤاد حسين، ومحافظ البنك المركزي علي العلاق، ومستشار رئيس الوزراء كاظم الحسني، ناقش مع الخزانة الأمريكية والبنك الفيدرالي، ملف تقييد الدولار عن المصارف العراقية".
وتضيف المصادر، أن "البنك الفيدرالي الأمريكي طلب مؤخرا من نظيره العراقي، خطة لإصلاح المصارف المقيدة من استخدام الدولار، تتضمن إغلاق عدد منها وتأسيس مصارف جديدة من خلال ائتلاف عدد من المصارف فيما بينها".
وتؤكد أن "البنك الفيدرالي اقترح على نظيره العراقي، الاستعانة بشركة دولية لتقديم خطة إصلاح واسعة للقطاع المصرفي، وخلال الأشهر المقبلة ستقدم هذه الشركة تقريرها عن القطاع المصرفي إلى البنك المركزي والحكومة العراقية".
وتنوه المصادر، إلى أن "البنك الفيدرالي يرغب بتقليل عدد المصارف العراقية من 72 إلى أقل من 40 مصرفا خلال المرحلة الحالية".
وكانت وزارة الخزانة الأمريكية والبنك الفيدرالي الأمريكي، قد قيدا في وقت سابق، وصول الدولار إلى 32 مصرفا أهليا عراقيا، عبر أربع مراحل بدأت منذ العام 2022، كما وصلت الشركات المقيدة من استخدام الدولار في العراق إلى أكثر من 250 شركة، أبرزها "فلاي بغداد" للطيران.
بدوره يوضح مسؤول مصرفي، رفض الكشف عن اسمه، أن "سوق المصارف أصبح محتكرا على خمسة مصارف، مما يصعب منافسة المصارف الأخرى لها، لذلك فإن تشكيل ائتلاف من خمسة مصارف، يكون أحدها مصرفا أجنبيا، سيساهم في تقليل الاحتكار الحاصل بالسوق المصرفي، ويزيد من المنافسة".
ويؤكد أن "إصلاح المصارف المقيدة سيكون من خلال إعادة هيكلتها، بدءا من تغيير الملكية، والموظفين، وتطوير أقسام إدارة المخاطر ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وغيرها".
ويشدد المسؤول المصرفي على أنه "نهاية العام الحالي سيقوم البنك المركزي العراقي بإلغاء منصة تحويل الدولار، ويكون الاعتماد على المصارف التي تمتلك بنوكا وسيطة، وخلال شهر أيلول المقبل، سيعقد اجتماعا بين البنك المركزي العراقي والفيدرالي في أمريكا يتضمن عرض خطة البنك المركزي لإصلاح القطاع".
وتعمل الولايات المتحدة الأمريكية على منع الحكومة الإيرانية وشركات القطاع الخاص من استخدام الدولار، لذلك بدأت بتقييد وصوله عن بعض المصارف العراقية المتهمة بتسريب الدولار.
من جهته، يرى الباحث الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش، أن "دمج المصارف خطوة ممتازة جدا، وستساهم في تقليل عدد المصارف العاملة داخل البلاد، كما يجب إغلاق المصارف المتعثرة منذ سنوات".
ويشير حنتوش، إلى أن "البنك المركزي العراقي يتحمل جزءا مما حصل في القطاع المصرفي العراقي، لأنه غير قادر على مواجهة الخزانة أو البنك الفيدرالي الأمريكيين".
ويلفت إلى أن "هناك مصارف جيدة قيدتها الولايات المتحدة الأمريكية وعلى البنك المركزي العراقي الدفاع عنها وإرجاعها للعمل لأن القطاع المصرفي العراقي يتعرض لمجزرة لصالح المصارف الأجنبية".
وكان ممثل الخزانة الأمريكية قد اجتمع في تشرين الثاني 2022، مع ممثلي 35 مصرفا أهليا عراقيا، لتحذيرهم من قضايا تهريب الدولار من العراق والالتزام بالتعليمات في ما يخص حوالات العملة الصعبة لغرض الاستيراد، متوعدا إياهم بصدور عقوبات في حال عدم الالتزام.
جدير بالذكر، أن الاجتماع عقد بغياب البنك المركزي العراقي، واستمر لساعتين، حسب ما تم تسريبه من معلومات.
يشار إلى أن القطاع المصرفي العراقي، مهمل أيضا من قبل المواطنين الذين فقدوا الثقة به، وبحسب أرقام البنك الدولي الصادرة العام الماضي، فأن 23 بالمئة فقط من الأسر العراقية لديها حساب في مؤسسة مالية، وهي نسبة من بين الأدنى في العالم العربي، ولاسيما أن أصحاب تلك الحسابات هم من موظفي الدولة الذين توزع رواتبهم على المصارف العامة نهاية كل شهر، لكن هذه الرواتب أيضا لا تبقى طويلا في الحسابات، إذ سرعان ما تتشكل طوابير أمام المصارف من الموظفين الذين يسحبون رواتبهم نقدا ويفضلون إبقاءها في بيوتهم.
https://telegram.me/buratha