شهدت اسعار النفط خلال الاسابيع الماضية ارتفاعاً ملموساً، فهو يقترب اثناء كتابة هذه الكلمات من 37 دولاراً/برميل.. بعد ان كان قبل 6 اسابيع اقل من 27 دولار/برميل.. اي بزيادة 10 دولار للبرميل، وهذا يعني بالنسبة للعراق حسب معدلات صادراته الحالية زيادة في الموارد اشهرية بمقدار مليار دولار، هو باشد الحاجة اليها. والسؤال الان.. هل سيستمر الصعود ليصح قول بعض المحللين ان الاسعار وصلت فعلاً للقاع وبدأت مجدداً بالصعود، ام ستستمر عوامل الضغط على الاسعار لتبقيها في معدلاتها المنخفضة.
من يقف امام منحنيات الاسعار سيعجب من السرعة التي ترتفع او تنهار فيها الاسعار.. فاذا اخذنا ما جرى خلال عامي 2014 و 2015 فسنجد ان السعر كان 115 دولار/برميل في ايار 2014، فانهارت خلال اقل من 6 اشهر الى 50 دولاراً/برميل في كانون الثاني 2015، لترتفع الى 65 دولار/برميل في بداية ايار من نفس العام.. ثم انخفضت الى 27 دولاراً/برميل خلال الايام العشرة الاخيرة من كانون الثاني 2016، لترتفع 10 دولارات للبرميل خلال اقل من 6 اسابيع.. وهذه دلالات على صعوبة التكهن باسعار النفط هبوطاً او صعوداً.
تتمثل عوامل الضغط باتجاه الهبوط اساساً، اولاً بازدياد الخزين العالمي من النفط الذي بلغ اقصاه، وثانياً بضعف معدلات النمو في اوروبا واليابان والصين والعديد من البلدان الاخرى.. فخلافاً للترقبات فان معدل النمو السنوي في الصين انخفض من 6.9% الى 6.3%.. وهناك اليوم خشية حقيقة لمزيد من انكماش الاقتصاديات العالمية.. فالمسألة لم تعد مجرد انخفاض واردات البلدان المنتجة للنفط، بل انكماش اقتصاديات البلدان المستوردة ايضاً.. فتراجعت الكثير من الاستثمارات ليس في القطاع النفطي فقط، بل بدأت بالانتقال الى قطاعات متزايدة.
ضاعفت عمليات النفط الصخري الانتاج في تكساس عندما كانت الاسعار فوق 100 دولار/برميل وكلف انتاج النفط الصخري 60-70 دولاراً/برميل.. اما بعد انخفاض الاسعار الى حوالي 30 دولاراً، فان الاعمال بدأت تشهد كساداً، وخسرت الولاية اكثر من 60 الف فرصة عمل في قطاعي النفط والغاز بين تشرين الثاني 2014 وتشرين الثاني 2015، ولم يبقَ الان من حفارات عاملة سوى 236 حفارة فقط، بعد ان كانت 900 حفارة في نهاية 2014. وان اكثر من 40 شركة عاملة في مجال الطاقة في الولايات المتحدة قد اعلنت افلاسها منذ بداية 2015. وبالطبع يجب ان لا يستدل من هذه الحقائق انهيار النفط الصخري، فهو سيستمر وسيسعى لتخفيض تكاليفه ليستطيع المقاومة في اسعار قد تصل الى 40-50 دولار/يوم، وهذا بدوره عامل لارتفاع الاسعار عن معدلاتها الحالية، لكن بعض الخبراء يؤكدون ان انتاج النفطي الصخري سيستمر بالهبوط ولن يتمكن من العودة للارتفاع الا مع عام 2017، عندما تستقر اسعار النفط على ضعف اسعارها الحالية.
وعليه، نرى ان تفسيرات زيادة الاسعار الحالية قد يعود لانخفاض معدلات الانتاج الامريكي بمعدل 600 الف برميل/يوم، وفي بلدان اوبك بمعدل 280 الف برميل/يوم.. والتي ساهمت بامتصاص كميات النفط التي بدأت ايران بضخها في السوق النفطية بعد رفع العقوبات عنها.
ولعل من اهم عوامل تحسن الاسعار هو الاجتماعات التي حصلت لتجميد الانتاج لدول من "اوبك" وخارجها، سواء في الدوحة بين روسيا والسعودية وفنزويلا وقطر، او في طهران بين العراق وايران وفنزويلا وقطر، وفكرة الدعوة لاجتماع طارىء في منتصف الشهر الجاري، والذي ان تم الاتفاق عليه فان اهم موضوعاته هو السيطرة على الاسواق مجدداً. مهما يكن من امر فان الكثير من المحللين يرون ان معطيات اسواق النفط قد جرت عليها تحولات جذرية تتطلب بعض الوقت لفهمها وفهم معادلاتها الجديدة.
عادل عبد المهدي
https://telegram.me/buratha