عد وزير النفط عادل عبد المهدي، قضاء (المدينة) في البصرة مثال صارخ للاقتصاد الريعي ، مبينا ان” اهالي القضاء عندما يشتكون من العمالة وتدهور الزراعة والبساتين والتلوث ونقص تأهيل ابنائهم وتدهور حالة الطرقات والبنى التحتية، فلان المعادلة النفطية تحولت لمعادلة ريعية كاملة، تنتعش على حساب القطاعات الحقيقية”.
وذكر عبد المهدي في بيان تلقت وكالة انباء براثا نسخة منه اليوم انه ” قبل يومين جاء وفد كبير من شيوخ ووجهاء ومثقفي ومسؤولي (المدينة) والبصرة، ساترك موضوعات وتفاصيل الغضب والشكاوى، والحلول المقترحة، ساركز على ما قاله احد الشيوخ، لانه يمثل عصارة المشكلة، قال “كلما ارتفع انتاج النفط، كلما ازدادت البطالة في صفوفنا”.. استمعت لكل الكلام الذي قيل، وشعرت بالحزن والالم لان الوعي الجمعي النخبوي والشعبي لا يسمع الصرخات التي تطلق منذ عقود بان المشاكل والحلول تدور في جلها حول موضوعة الدولة الريعية، فالمعادلة النفطية في “المدينة” لا تختلف عن المعادلة النفطية للعراق”.
وتابع ان “مشاكل (المدينة) او البصرة هي الصورة المثالية لما يجري للعراق، ومعاناة اهالي البصرة اكثر، لان الاعتماد على النفط في البصرة اكثر، فبدل ان يقود تطور انتاج النفط، لتطور الزراعة والصناعة والقطاعات الاقتصادية الحقيقية، فانه في الواقع قد دمرها. فتحقيق موارد متعاظمة شيء، وتطور الاقتصاد الوطني شيء اخر. فعندما يشتكي اهالي “المدينة” من العمالة وتدهور الزراعة والبساتين والتلوث ونقص تأهيل ابنائهم وتدهور حالة الطرقات والبنى التحتية، فلان المعادلة النفطية تحولت لمعادلة ريعية كاملة، تنتعش على حساب القطاعات الحقيقية”.
واضاف ان”الاموال الريعية تأتي من فوق، فان لم تخصص لانطلاق الاقتصاد، كما في تجربة مجلس الاعمار، او ما تقترحه مشاريع عديدة، فستتحول الى احتكار لما اسميناه مراراً بـ”الاقطاعات الادارية” المتعشعشة في الدولة والممتدة الى مافيات خارجها، يتمتع بها “القريب” و”الغريب”، وستتصلب القوانين والقواعد والثقافات التي تحمي ذلك.. وسينتشر الفساد، وستتعزز عسكرة المجتمع والدولة، وسيزداد تصارع القوى المحلية والاجنبية بكل عناوينها لانتزاع الحصة الاكبر مما توفره موارد الريع ومواقعه.. وسيتحول الجميع الى عيال على الدولة ووظائفها وعطاءاتها ومكارمها وتعويضاتها.. فالدولة “رجل اعمال فاسد وفاشل”، اذ تجاوز عدد الموظفين الـ4 مليون والمتقاعدين الـ3 مليون، دون ذكر المتعاقدين والاعانات، الخ. فحلولنا ترقيعية يضغط نحوها المسؤولون والمطالبات الشعبية والسياسية والاجتماعية، مقابله سيتنامى الاحساس بالحيف، الذي لا يريد احد تحمل مسؤوليته، وسيرمي كل منا المسؤولية على غيره ، وستتطور مشاعر الغضب، وتحصل التغيرات التي ان لم تبدأ بانهاء معادلة الاقتصاد الريعي، فان البلاد ستعيد انتاج نفس معادلات العسكرة واحتكار الدولة ودمار القطاعات الحقيقية والصراعات الاجتماعية وعدم الاستقرار وانحباس طريق التنمية”.
واكمل بالقول ان”المعادلة الريعية سبب تاريخي للتشوه ولتوجه البلاد نحو الحروب الخارجية والصراعات الداخلية.. ولازدياد التدخلات الاجنبية.. بل لتفكك البلاد. وما يحصل مع كردستان او بين الحكومة الاتحادية والمحافظات او بين المحافظات نفسها وداخلها، هي صراعات ريعية في اساسها فمجيء الحكومات المتعاقبة ومشاريعها لن تصبح جدية ان لم تبدأ باس المشكلة الريعية، بخلافه سنغرق اكثر فاكثر في هذا الاقتصاد، وقد كشفت الازمة المالية هشاشة بناءاتنا، فبدل الاتجاه لتصحيح الاوضاع بقلب المفاهيم الخاطئة، وبمعالجات جذرية وجريئة، نرانا نقدم الحلول الخجولة التي تنهار، او يعاد قولبتها، امام كم هائل من المصالح (الفساد الحقيقي) والثقافة والقوانين والضوابط المتخلفة والحامية للدولة الريعية واقتصادها فلا تبقى من حلول سوى المعالجات الترقيعية والريعية ايضاً، كالتوظيف والسلف والديون والاعانات الاجتماعية وسياسات الدعم والبترودولار الذي لا يخصص للتنمية بل لمزيد من التعينات والنفقات الاستهلاكية”
واشار الى انه “في هذه المعادلة، سيعطل احتكار الدولة انطلاق الاقتصاد الاهلي او القطاع الخاص، لتبقى البلاد في هذه الدورة القاتلة، فالموازنات والخطط والوعود لا تعني الكثير فكل شيء سيتعطل، الا ما يخدم المصالح الريعية، وستصرف الموازنات التشغيلية بالكامل، وستتضخم النفقات، وتترهل الدولة بموظفيها.. وستتحول الموازنات الاستثمارية لمجرد مفرخة للمشاريع المعطلة، تتطابق نسب التنفيذ، مع نسب ادامة المصلحة الريعية التي فيها. فلدينا اليوم حوالي 10 الاف مشروع معطل.. وتبلغ كلفها مئات مليارات الدولارات”.
وقال ان ” الاصلاح يبدأ اما بمسارات تعيها الدولة والمجتمع وقواهما السياسية والدينية والاجتماعية وتعي تبعاتها الصعبة احياناً، لقلب المعادلة لمصلحة القطاعات الاقتصادية الحقيقية والاقتصاد الاهلي، او ستستمر فوضى القرارات والاوضاع ، وسيسأل سائل عن حق، اذا كان وزير النفط يقول هذا الكلام، فلماذا يبقى في موقعه؟.. وجوابي انني قبلت المسؤولية لاعتقادي انني قد اساهم في تفكيك المعادلة الجائرة، ولن ادخر وسيلة او جهداً لتحقيق ذلك.. فان شعرت بالعجز او ان الطريق مغلق، فساترك الموقع لمن يستطيع تحمل المسؤولية”.
https://telegram.me/buratha