زياد غصن
فيما لا تزال جهود الحل السياسي تتعثر لمصلحة إطالة أمد الحرب، يستمر عدّاد الأزمة في إحصاء المزيد من الخسائر الاقتصادية والاجتماعية، وجديدها ما نشره تقرير «جريء» صدر في دمشق
وقدّر مركز بحثي مستقل إجمالي الخسائر الاقتصادية التي منيت بها سوريا في السنوات الثلاث الأولى من عمر الأزمة بنحو 143.8 مليار دولار، أي ما يعادل بالأسعار الثابتة 276% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي عام 2010. وفي تقرير يطلقه اليوم «المركز السوري لبحوث السياسات»، بالتعاون مع «وكالة الأونروا» والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، فإن خارطة توزع السكان «تعرضت لإعادة تشكل جذرية مكانية، حيث غادر سوريا 12% من سكانها مع نهاية عام 2013، كما أن حوالى نصف السكان (45%) تركوا أماكن إقامتهم المعتاد».
كذلك فإن «63% من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، البالغ عددهم 540 ألف نسمة، غادروا منازلهم، منهم 75 ألفاً تركوا البلاد كلاجئين، و270 ألفاً نزحوا داخل سوريا. وبالنتيجة أصبح اللاجئون من سوريا أكبر مجتمع لاجئين في العالم».
ملامح الكارثة الاجتماعية تتضح أكثر مع تأكيد التقرير أنّ سوريا «غدت بلداً من الفقراء، إذ أصبح ثلاثة أشخاص من كل أربعة فقراء مع نهاية عام 2013، وأكثر من نصف السكان (54.3%) يعيشون في حالة الفقر الشديد، حيث لا يستطيعون تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية الغذائية وغير الغذائية، كما أن 20% يعيشون في حالة من الفقر المدقع، أي لا يستطيعون تأمين حاجاتهم الغذائية الأساسية، ويزداد الوضع سوءاً في المناطق المحاصرة والساخنة، حيث ينتشر الجوع وسوء التغذية...»، فيما لا تزال «خسارة الأرواح البشرية أكثر جوانب النزاع مأساوية، مع ارتفاع أعداد الوفيات نتيجة الأزمة بمعدل 30% خلال النصف الثاني من عام 2013، ليصل إلى 130 ألف قتيل مع نهاية عام 2013. كذلك تقدّر أعداد الجرحى بحوالى 520 ألف شخص، أي إن ما يعادل 3% من السكان تعرضوا للقتل أو الإصابة أو التشوه...»، إضافة إلى التدهور الحاد في أداء التعليم والصحة والدخل، الذي جعل سوريا تتراجع أربعة عقود إلى الوراء في مستوى التنمية البشرية.
2.67 مليون مواطن سوري فقدوا عملهم خلال أعوام الأزمة
ويتهم التقرير صراحة ما يسميها قوى التسلط المتمثلة في «الاستبداد، العصبية، والأصولية» بالعمل على «تعزيز مواقعها، معتمدة على العنف لتسخير الأزمة الإنسانية والتنموية لمصلحتها تاركة السوريين يكافحون من أجل البقاء».
أما في جانب الآثار الاقتصادية للأزمة، فإن التقرير يشير إلى انتشار ظاهرة «اقتصادات العنف»، فالنزاع المسلح أدى إلى «تشوّه المؤسسات نتيجة تكوّن اقتصاد سياسي جديد، يتسم بانتشار اقتصادات العنف، التي تمتهن حقوق الإنسان والحريات المدنية وحقوق الملكية وسيادة القانون، وظهور نخبة سياسية واقتصادية جديدة، تستغل ظروف الأزمة للإتجار بالسلاح والسلع والبشر من خلال شبكات غير شرعية عابرة للحدود...».
وفي وقت شهدت فيه بنية القطاع الصناعي تفككاً كبيراً وإغلاقا وإفلاسا للكثير من المشاريع، وهروبا لرؤوس الأموال إلى الخارج، إضافة إلى عمليات النهب والسلب للأصول المادية، فإن الأزمة أدت «إلى تغير تركيب الناتج المحلي الإجمالي على نحو كبير، حيث مثل القطاعان الزراعي والخدمات الحكومية حوالى 50% من الناتج خلال عام 2013، بعدما كانا يمثلان عام 2010 ما يعادل 30.4% من الناتج المحلي، إذ تعرضا لخسائر أقل نسبياً من بقية القطاعات».
في ضوء هذه المتغيرات البنيوية السلبية، كان من الطبيعي ارتفاع معدل البطالة إلى حدود يقدرها التقرير بنحو 54.3%، أي إن هناك اليوم في سوريا ما يقرب من «3.39 ملايين شخص عاطل من العمل، منهم 2.67 مليون فقدوا عملهم خلال الأزمة، الأمر الذي أدى إلى فقدان المصدر الرئيسي لدخل 11.03 مليون شخص».
ومع استمرار ارتفاع معدل الإنفاق العام، والتراجع الكبير في الإيرادات والإنتاج المحلي، فإن الدين العام في النصف الثاني من عام 2013 تفاقم ليصل مع نهاية العام الماضي إلى نحو 126% من الناتج، «حيث استوردت الحكومة النفط والسلع الأساسية لمواجهة نقص العرض في السوق المحلية، واستمرت في دعم بعض أسعار السلع والخدمات الأساسية».
19/5/140528
https://telegram.me/buratha