يحيى أبو زكريا
إدلب الخضراء تحرق "تنظيمات أردوغان" .. وآثار "بصرى" أقوى من "عصابات النشمي"وزير السياحة السوري يؤكد على دور المغتربين 1234
استطاعت الثورة البحرينية التي تعرضت إلى كل أنواع التغييب و التهميش أن تتحول إلى واحدة من أهم الثورات العربية التي ميزّت الراهن العربي بعد مرور عقد على بداية الألفية الثالثة .
وعندما إنطلقلت الثورة التونسية من قرية سيدي بوزيد في كانون الأول – ديسمبر 2010 و التي بدأت بإحراق محمد البوعزيزي نفسه إحتجاجا على ممارسة السلطات الولائية في مسقط رأسه , لا أحد كان يتصور أن تخرج هذه الثورة من الجغرافيا التي كانت محكومة بالأنظمة الجمهورية تسببت في بؤس شعوبها إلى الجغرافيا المحكومة بالأنظمة الملكية.
فبعد شهرين تحديدا من إنطلاقة الثورة التونسية , إنطلقت ثورة البحرين في 14 شباط – فبراير 2011 و التي بدأت بحركة إحتجاجات في الشارع شبيهة بما كان يدور في الشوراع و الميادين الرئيسية في تونس ومصر .
و إسم البحرين حتى القرن الرابع عشر الميلادي، كان يطلق على مجموعة البلاد الممتدة من خليج البصرة إلى حدود عمان. وفي هذا الصدد يقول السيد المحقق (نور الله الشوشتري) في كتابه (مجالس المؤمنين في ترجمة البحرين.
ويقول صاحب كتاب معجم البلدان : (البحرين اسم جامع لبلاد واسعة على ساحل البحر الواقع يبن جزيرة العرب، وبلاد فارس، تمتد من البصرة شمالاً إلى عمان جنوباً.
والاحساء مدينة في البحرين، معروفة، ومشهورة، كان أول من بناها أبو طاره بن أبي سعيد الجنابي القرمطي عام 317هـ. تقع البحرين في جنوب الخليج ، على الطرف الغربي منه ، والى الشرق والشمال منها تقع إيران ، أما من جهة الجنوب الشرقي منها فتقع شبه جزيرة قطر ، و إلى الغرب شبه الجزيرة العربية على مسافة 30 كيلومترا ، وبنفس المسافة ـ تقريباً ـ تبعد عنها قطر، كما تبعد عن الساحل الإيراني مسافة 238 كيلومتراً. ويكتسب موقع البحرين أهميته من أهمية موقع الخليج العربي، ذلك الطريق المائي الممتاز، والممر السهل للتجارة بين شرق آسيا وأوربا .
وعن أهمية موقع البحرين في الخليج، يقول (ديوراند) مساعد المقيم البريطاني في الخليج: (إن البحرين في الخليج كقبرص في البحر المتوسط). ويصفها أمين الريحاني في كتابه (ملوك العرب) بقوله: ليس بين مسقط والبصرة أجمل من مركز هذه الجزيرة، وليس أصلح منه للتجارة أو الحرب، فهي تتوسط الخليج في زاوية معينة منه، كأنها بارجة راسية في جون متسع بين قطر والقطيف، بل كأنها عند مهد اللؤلؤ جوهرة كبيرة، فلا عجب إذا تسابق إليها الفاتحون من قديم الزمان. و قد أهلها هذا الموقع الجيوسياسي الحساس أن تدخل دائرة الإستهدافات الغربية في مرحلة الغارة الغربية الكبرى على العالم العربي و الإسلامي .
وللإشارة فإن البحرين قبل خضوعها للإستعمار البريطاني كانت خاضعة لتجاذبات الإقليم و واقعة تحت تأثير الجوار الجغرافي ... وقد نافست بريطانيا البرتغاليين ثم الهولنديين والفرنسيين في الخليج حتى رجحت كفتها.
وبدأ تدخل بريطانية في البحرين عام 1229هـ/1814م، ثم بدأت تقع تحت النفوذ البريطاني منذ سنة 1235هـ/1820م عندما وقّع آل خليفة أول سلسلة المعاهدات مع بريطانية وهي الخاصة بمنع القرصنة والرق.
وصارت البحرين محمية بريطانية منذ عام 1278هـ/1861م على إثر وفاة الشيخ سليمان بن عبد الله وحدوث خلافات أسرية. وصار المقيم البريطاني الذي تعينه حكومة الهند هو الحاكم الفعلي لهذه الجزر.
وقد وقعت بريطانية مع الشيخ عيسى عام 1297هـ/1880م اتفاقية الحماية والارتباط ببريطانية . وكانت المعاهدة الثانية عام 1310هـ 13/3/1892م، والثالثة عام 13هـ/ (11/11/1892م) القاضية بمنع دخول السلاح أو مروره.
وفي عام 1318هـ/1900م أنشأت بريطانية وكالة سياسية لها في البحرين. و أستمرت الهيمنة البريطانية للبحرين إلى تاريخ 15 آب – أغسطس 1971 حيث أعلنت البحرين استقلالها وعقدت معاهدة صداقة جديدة مع بريطانيا. وقد بدأت معاناة المواطنين البحرينيين مع نظام بلادهم الجديد لحظة تسلم آل خليفة السلطة في البحرين , و قد كان آل خليفة يتمتعون بحماية بريطانية و اسعة , و يذكر المؤرخون أن آل خليفة غزوا البحرين واستولوا عليها عام 1783م بمساعدة العتوب الذين كانوا قد نزحوا من نجد و دخلوا في صراعات مع القاطنين في البحرين . وبموجب هذا الإستقلال أصبح الشيخ عيسى آل خليفة أول أمير للبحرين .
وتحول مجلس الدولة إلى مجلس وزراء لدولة البحرين و مهمته وضع القرارات المتعلقة بالداخل و الخارج . شهدت البحرين منذ تأسيسها إضطرابات و إحتجاجات عديدة بسسب التمييز الطائفي وقد تطورت لتصبح أول انتفاضة شعبية ضد الحكم الخليفي والإستعمار البريطاني عام 1923م . وفي هذا العام طالبت الأكثرية الشيعية بإصلاحات إدارية , و جوبهت هذه المطالب العنف و الإقصاء .
و توالت الإنتفاضات البحرينية بدءاً من إنتفاضة عام 1923م ، ثم انتفاضة عام 1938م - التي اتسمت بالوطنية كون المحتجين من الطائفتين السنية والشيعية -، وانتفاضة (1954 - 1956م) التي إتسمت بالطابع الوطني، حيث تم اجتماع قادة الحركة الوطنية في 16 أكتوبر – تشرين الأول 1954م ووضعوا عدة مطالب للحكومة البحرينية، ومن أبرزها: ضرورة تأسيس مجلس تشريعي يمثل الأهالي من خلال انتخابات حرة، ووضع قانون عام مدني وجنائي يتماشى مع حاجات المجتمع وتقاليده وأن يقوم بإعداده هيئة من الخبراء على أن يعرض على المجلس التشريعي لإقراره، وإصلاح المحاكم . و مع إنطلاقة ثورة 14 شباط - فبراير 2011م تأكدّ للبحرينيين أن دار لقمان ما زالت على حالها . وقد تحول ميدان اللؤلؤة الذي يقع في قلب العاصمة البحرينية المنامة إلى مركز ثقل الثورة التي حملت نفس مطالب الشعب البحريني قبل أزيد من ثمانية عقود .
و جسدّ ميدان اللؤلؤة روح الثورة البحرينية , و تحول إلى مساحة حمراء تختزل كل المظلومية التي حاقت بالشعب البحريني , و من باب التأكيد على مشروعية الثورة فقد نصبت الخيام فوق ميدان اللؤلؤة و إعتصم فيه الشباب و الشيوخ والنساء و الرجال و الأطفال , و قد هال النظام البحريني هذا التوسع السريع للثورة البحرينية و التي إصطف حولها الشيعة كما السنة للمطالبة بالحقوق السياسية المشروعة
.. إختار النظام الإستئصال و المواجهة الأمنية المفتوحة مع شباب ثورة فبراير , و قررّ الزج بكل الأجهزة الأمنية و قوات الجيش في معركة تأكيد وجوده , و أعطيت هذه القوات كل الأضواء الخضراء لمواجهة المتظاهرين الذين بدأت دماؤهم تحول ميدان اللؤلؤة إلى ميدان الشهداء.
كان النظام يتوجس خيفة من تكرار مشهد إنتصار الثورة التونسية و المصرية , فقرر أن يذهب بعيدا في وأد الثورة البحرينية , مستفيدا من الضوء الأخضر الأمريكي المطلق و الدعم الخليجي الذي أراد أن يخرج الثورة من بعدها السياسيو الوطني و الإنساني إلى الدائرة المذهبية و أجندات المحاور الإقليمية .
جاء القرار بإطلاق النار على المتظاهرين في ميدان اللؤلؤة , وتبع القرار قرارات هي الأعنف في مسار تطور العملية السياسية في البحرين , فمن القتل بدم بارد و إلى إقتحام المستشفيات و دور العبادة و المعاهدة التعليمية , و إستباحة القرى و الأرياف و اللجوء إلى الفصل التعسفي من العمل و الإعتقالات العشوائية بما في ذلك إعتقال النساء وإغتصاب بعضهن بدأ يتضح أن السلطة قررت التصعيد بدل معالجة الأزمة عن طريق الحوار السياسي و عدم الإصطدام مع الأكثرية التي ظلت مصرة على سلمية الثورة و رفضت الخروج عن هذا المسار .
و مع إتساع رقعة الثورة البحرينية إستعانت المملكة البحرينية بقوات درع الجزيرة و كان التدخل العسكري المباشر للقوات السعودية التي وصلت إلى الأراضي البحرينية التي حاولت ترهيب و إرعاب المواطنين الذين كانوا يطالبون بصلاحيات واسعة للبرلمان و الحد من تدخل أسرة آل خليفة في كل صغيرة و كبيرة و تجريد المواطينين من كافة حقوقهم السياسية و التعامل معهم على أساس المعيار الطائفي .
وقد إتخذت الثورة البحرينية قرارا حساما بأن تكون كل الاحتجاجات سلمية من البداية ورفعت شعار حضارية الحراك كما رفعت راية "سلمية سلمية" التي ستضمن الانتصار اجلا ام عاجلا. و قد أدى تمسك شباب ثورة البحرين باستراتيجية "السلمية" إلى تجريد القوة العسكرية السعودية و البحرينية من كل الشرعيات التي إستندت إليها في قمع الثورة البحرينية كما أعطت زخما لهذه الثورة في الشارعين العربي والإسلامي و حتى الدولي . و أدت الإنتهاكات الخطيرة في حق الرجال والنساء , و إطلاق الرصاص العشوائي على صدور المتظاهرين السلميين إلى بداية تحرك المنظمات الحقوقية العربية و الغربية و التي طالبت بمحاكمة حاكم البحرين حمد بن عيسى آل خليفة ...
و قد قامت رئيسة التحالف الدولي لمكافحة الإفلات من العقاب المحامية اللبنانية مي الخنسا برفع دعوى لدى المحكمة الجنائية الدولية ضد حاكم البحرين حمد بن عيسى آل خليفة والمتورطين معه في قتل وقمع الشعب البحريني .
و قبلت المحكمة تلك الدعوى تحت رقم 116 لعام 2011، وبعدها أسرعت السيدة مي الخنسا رئيسة التحالف من كافة البحرينين تقديم كافة ما لديهم من وثائق وأفلام وصور تخص القمع والقتل والتعذيب وصور وأسماء المجرمين الذين أطلقوا النار أو قاموا بالتعذيب أو من يثبت أنه متورط بإصدار القرارات الإجرامية.
و القتل شبه اليومي ، والقمع الشرس الذي كان يتعرض له شعب البحرين والتطهير المذهبي للشيعة ومؤسساتهم إزداد وضوحا يوما بعد آخر بعد نجاح عدد كبير من الأطباء و المحامين و الحقوقيين و الإعلاميين مغادرة البحرين و نقل ما يجري في الداخل إلى الإعلام العربي و الدولي .
لم يتوقف الأمر عند دعوى الناشطة الحقوقية اللبنانية بل طالب عدد من الشخصيات الحقوقية الشعب البحريني بتقديم الدعاوي الفردية والجماعية الى المحاكم الغربية لوضع حد لممارسات السلطات البحرينية ضد الأغلبية السكانية . . و تزامنت موافقة المحكمة الدولية على قبول الدعوى ضد السلطة البحرينية مع طلب الإتحاد الأوربي من حكومة البحرين بتقديم المتورطين بإطلاق النار والتعذيب الى المحاكم.
لم تترك السلطة البحرينية و ماكنتها الإعلامية تهمة إلا وألتصقتها بالثورة البحرينية السلمية , فقد أتهمت تارة بالطائفية , و مرة بالعمالة لإيران , و آخرى بالتعامل مع جهات خارجية تتآمر على الأمن القومي البحريني , و ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما إدعى بعض المسؤولين في الدولة البحرينية أن الثورة تنهج العنف كمبدأ و أن هدفها هو إقامة جمهورية إسلامية على الطريقة ألإيرانية و القضاء على الملكية , و بالتالي فهي لا تهدد البحرين فقط بل تهدد الأمن الخليج و مستقبل الكيانات الخليجية . آلاف التصريحات و الخطابات قدمت في سياق عرض التهم ضد حراك الشارع البحريني غير أن السلطة كانت أعجز من أن تقدم دليلا واحدا على إتهاماتها .
أصبح واضحا أن الملك حمد و معه قوات الإحتلال السعودي و كل الأجهزة العسكرية و الأمنية البحرينية و الدعم الأمريكي المطلق عجزت عن كسر إرادة الشعب و النيل من ثورته التي إزدادت إشتعالا وقوة رغم الكم الهائل من الشهداء الشيخ و الرجال و الأطفال . وقد بات الشارع البحريني واعيا بأن المقاومة السلمية هي الخيار الأوحد لتحقيق نفس المطالب التي تحرك لأجلها الجيل البحريني الأول الذي قاوم الإنجليز و آل خليفة الذين فرضوا إحتلالهم على البحرين بالقوة و إستمروا في حكم البحرين بقوة السلاح والنار و الإستئصال.
18/5/150325
https://telegram.me/buratha