آية الله الشيخ عيسى قاسم - صحيفة السفير
الإرهاب ــ وهو القتل الاستباحي العدواني للنفس البشرية، ونشر الرعب في الأرض من غير حق وخارج الدِّين، والضوابط الخلقية، والمضادُّ للقيم الإنسانية الثابتة، والذي يمثل هدرًا ظالمًا لحرمة نفس الإنسان ـ صار اليوم ظاهرةً ترتكب باسم الدّين والجهاد المقدس، وإن كان بطبيعته ظاهرةً جاهلية، وهو وليدُها كلما وُجِد في مجتمع الإنسان، وهي التي صنعته في واقعه الحاضر، وغذّته وأمدّته، ولا زالت تمدّه بالأسباب.
والذين أوجدوا الإرهاب القائم يعرفون أنفسهم، ويعرفهم النّاس، ولا خفاء لهم، وإن خادعوا الناس بالحرب عليه اليوم للضرورة. دولٌ استكبارية في الغرب، وتوابع لها في الشرق، ولأهداف سياسية ونفعيّة رخيصة، ومحاربة للإسلام الصادق، وتفتيتًا للأمة المؤمنة، وإجهاضًا لحركة المقاومة للاستعمار الجديد المنتصرة للاستقلال والحرية وتشويهًا للدّين الحق، وتنفيرًا منه لبعثه الحياة في الأمة، وكونه سرّ نهضتها الصادقة، ومواجهةً لحركة الإصلاح والتغيير التي اندفعت فيها جماهير الأمة من وحي دينها، وتحسّبًا لما ستؤدّي إليه الصحوة الإسلامية لهذه الجماهير، والواقع الضخم لكيان المقاومة لعدوان الأجنبي والهيمنة الظالمة من مستقبل جديد ينسف المعادلة الجائرة التي فرضتها الطاغوتية العالمية على هذه الأمة.
وصانعو الإرهاب بالأمس، والذين لم يرفعوا يدهم عنه، يشنّون اليوم حربًا ظاهرية مشتركة عليه، فما هو الهدف من هذه الحرب الظاهريّة على الإرهاب؟
تعملق الإرهاب الذي صنعوه، وأحسّوا بأنه سيخرج عن السيطرة، والحدود التي رسموها له، وسيصيب منهم مقتلًا، فكان لا بدّ أن يضعفوه ويعيدوه كما أرادوا له أن يكون على مَن يُعادون، وليس على أحدٍ منهم، وأن يبقى تحت المراقبة والهيمنة في هذه الحدود.
وهذا ما ينسجم مع مهاجمة مقدّسات الأمة المسلمة، والنيل من قدسية سيد المرسلين الذي لا يزداد في القلوب الطاهرة، والعقول السليمة، إلا رفعة وعلوًّا وشموخًا، ولا تقف أمام زحف دينه في المجتمع الإنساني المحاولات الشيطانية، وسفه السفهاء، وكيد الكائدين.
فواضح أن استهداف الإسلام والقرآن وشخصية الرسول الأعظم، صلى الله عليه وآله، بالإساءة بعد الإساءة، والسخرية بعد السخرية، يثير سخط الملايين من أبناء الإسلام، ويستثير غيرتهم ويولّد ردّاتِ فعلٍ عنيفةً تجاه مصدر الإساءة.
وإذا كانت دول كبرى تدافع عن هذا الاستهداف المنحطِّ مرمى وأسلوبًا قبيحًا لا ينقصه شيء من الدناءة، فكيف يمكن التصديق بأنها تحارب الإرهاب، وأنها عازمة على القضاء عليه؟! كيف أَدّعي غايةً لا آتي إلا بما يُنافيها، ويجعلها مستحيلة؟!
الحرب التي تشنّها هذه الدول على الإرهاب إنما هي في الحدّ الذي يكفيها شرّه، ويجعله أداة طيّعة بيدها لتشويه الإسلام، وإنهاك الأمة المسلمة، إذ تعرف هذه الدول أنه ليس أضرّ بالإسلام من أن يرتكب الإرهاب مَن يرتكبه باسمِهِ، واسمِ الدفاع عنه وعن رسوله الكريم، وأن يُقدِمَ مُرتَكِبُهُ على أبشعِ الصّورِ من القتل والتدمير في حقّ الأبرياء من سائر الأمم، وفي حقّ الأبرياء من أمة الإسلام نفسها.
كما تعرف هذه الدول أن ليس أفعلَ في تفتيت الأمّة وتمزيق وحدتها من أن تنشر ظاهرة الإرهاب في داخلها، لتحصد من أبنائها مَن تحصد، وتأتي على من تأتي.
إن مَن يدين الإرهاب - ولا بدّ للإرهاب أن يدان - فعليه أن يدين شتم المقدّسات واللغة الساقطة الدنيئة التي يحاول أصحابها النيل من كرامة أنبياء الله ورسله وأوليائه العظام، فإن ذلك من أشدّ وقود الإرهاب وأسرعه اشتعالًا.
ندينُ الإرهاب في حقّ كل الشعوب ومِن أيٍّ كان، وندينُ كلّ الساقطين ممن يستهدفون دين الله وأنبياءه ورسله بالإساءة. وإذا كان المسيئون للدين والأنبياء عليهم السلام، وكل الساسة الداعمين لهم باسم مقدّس حرية التعبير لا مقدّس لهم، وإذا كان المسيئون للدّين والأنبياء لا مقدّس لهم، فإن أممًا وأقطارًا وشعوبًا كثيرة في الأرض لها مقدّساتها التي تضع أرواحها رخيصة على طريق حمايتها.
وأولئك المسيئون للدّين والأنبياء عليهم السلام لهم مقدّسهم الغالي الذي يذودون عنه بكلّ ما أمكن لهم، بل يرتكبون كل حماقة، وكلّ بغي وظلم لأفراد وشعوب وأمم في سبيله.
إن الحياة المادية الباذخة، والسيطرة على الآخرين، والاستكبار في الأرض مقدّس لا يتخلون عنه، وتذوب أمامه عندهم كلُّ مقدَّسات الآخرين.
وإذا كانت حرية البذاءة والكلمة الساقطة وإهانة الآخرين والازدراء بهم مقدّسًا لدى أولئك كلهم، ولا يمكن المساس به، ولا السماح لأحد بالنيل منه، ويستحقّ أن تقوم من أجله الحروب ويُفتك بشعوبٍ وأمم، فلماذا لا يحقّ للآخرين أن تكون لهم مقدساتهم التي يدافعون عنها، ولا يرضون لها الإهانة، ويرون أنها تستحقّ منهم التضحية والفداء؟!
إذا كانت الدول ستجتمع على حماية مقدّس الكلمة السافلة، والتعدي على كرامة الآخرين، فَلْتُجمع على حماية كل المقدّسات لو كان ممكنًا أن يجتمع الأمران، وإلا فلتتنازل عن مقدّساتها وهي لا تقيم وزنًا لأي مقدّسٍ آخر.
ونؤكد أنه لا إرهاب لا إرهاب، لا عدوانية لا عدوانية... لا تعدِّيَ على المسيحية في قبال تعدٍّ جاهليّ على الإسلام... لا تعدِّيَ على دين الآخرين بسبٍّ وشتم... لا تعدِّيَ من المسلم الحق على دين الآخر، ولا على أتباع المسيحية أو غيرها، لا ابتداء ولا على مستوى رد الفعل... هكذا علمنا الإسلام.
فليقدمِ الغيرُ أي حجة ضد ديننا وباللغة الإنسانية والعلمية المناسبة، والإسلام قادر وبكل كفاءة على مقارعة الحجة بالحجة، ومواجهة الدليل بالدليل، لا حَجْرَ عندنا على الرأي العلمي، ومستعدون أن نقابل ما يُدَّعى علمًا بالقلم.
https://telegram.me/buratha